ملاحظة: أرجو من غير العقلاء وغير المنصفين عدم المشاركة في الجواب
السؤال الأول
بما أنكم من محبي وأنصار داعش فلا بد أنكم تابعتم -بكثير من النشوة والبهجة- أخبار “انتصاراتها” العظيمة في الرقة، ورأيتم كيف انهارت قوات الأسد وانسحبت من المطار والفرقة واللواء وكأنها تُساق بعصا سحرية، ولم يتدخل الطيران الأسدي لدعم قواته المحاصَرة على الأرض ولا استعان النظام بصواريخه ومدفعيته الثقيلة للدفاع عن تلك المواقع (إلا بطريقة استعراضية لذرّ الرماد في العيون)، لدرجة أنه أثار موجةً من الغضب العارم في صفوف شبّيحته وأنصاره بسبب تخاذله الواضح وانسحابه المُهين.
أرجو أن تقارنوا تلك الصورة الزاهية بما يحصل بين كتائب المجاهدين وقوات النظام في ريفَي حمص وحماة منذ أسابيع. انظروا كيف يتشبث النظام بمواقعه التي يحاول المجاهدون تحريرها وكيف يدافع عنها بشراسة واستماتة. لو أنكم حاولتم أن تُحصوا عدد الغارات التي شنتها طائرات النظام على مواقع الثوار في الأسبوع الأخير فقط فسوف تتعبون، وكذلك سيُتعبكم عدّ البراميل والصواريخ وقذائف المدفعية التي تنهمر على القرى المحرَّرة في تلك المناطق كالمطر.
ألا تتساءلون: لماذا استسلم النظام وسلّم مواقعه في محافظتَي الرقة ودير الزور لداعش، في حين أنه يقاتل أشرسَ قتال ممكن في محافظتَي حمص وحماة لمنع الثوار من إحراز أي تقدم نوعي فيهما؟ هل هي بركات سيدكم البغدادي، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
وسؤال مجّاني مع السؤال الأول: لماذا انسحبت داعش من ريف حمص طَوعاً بلا قتال؟ ألا يوحي إليكم هذا الأمر الغريب (ولا سيما عندما تضيفونه إلى ما ورد في السؤال الأول) بأي احتمال، مجرد احتمال، بوجود صفقة يتم فيها تبادل المواقع وتوزيع مناطق النفوذ بين البغدادي والأسد؟
السؤال الثاني
فرح أنصار داعش باستيلائها على حقل الشاعر في حمص ونشروا معلقات الفخر والمديح لأسود البغدادي الذين لا يُقهرون، وبعد استيلائها عليه بثمانية أيام شنّ النظام عليه هجوماً مركزاً، صباح يوم السبت السادس والعشرين من تموز، وعندما حلّ المساء لم يبقَ في الحقل وفي كل التلال المحيطة به داعشيٌّ واحد.
السؤال: لماذا صمتّم صمتَ الأموات فلم تعلّقوا على انسحاب داعش المخزي الفاضح من الحقل بعد أقل من اثنتي عشرة ساعة من القتال، في حين أنكم ملأتم صفحات الثورة بالنواح والعويل عندما انسحب مجاهدو الغوطة من المليحة بعد صمود أسطوري امتدّ لمئة وخمسة وثلاثين يوماً؟
يومها شنّ الدواعش على مجاهدي الغوطة حرباً مسعورة وكرروا الأسطوانة المملّة عن “جيش زهران المتخصص في الانسحابات” (مع العلم بأن مجاهدي المليحة كانوا يمثلون كل فصائل غوطة الكرامة والبطولة والشرف وليس جيش الإسلام فحسب).
لماذا يكون الانسحاب (المخزي) حلالاً لكم والانسحاب (المشرّف) حراماً على غيركم يا أيها المنصفون العقلاء؟ لماذا لم تنشروا وسماً عن “جيش البغدادي المتخصص في الانسحابات”؟ لماذا لم تتحدثوا عن “الأسود التي تحولت فجأة إلى فئران”؟
وهذا سؤال مجاني على الهامش: لماذا قاتل النظام قتالاً شرساً حقيقياً لاسترجاع حقل الشاعر في حمص وقاتل قتالاً وهمياً استعراضياً انتهى بالانسحاب الكامل من مواقعه في الرقة؟
السؤال الثالث
وقف هجوم داعش (الذي شنته أخيراً على ريف حلب الشمالي) على مشارف مارع، ومنذ ذلك الوقت وهي تبذل جهوداً هائلة للسيطرة على مثلث إعزاز-مارع-تل رفعت الإستراتيجي الذي يُعتبر من أقدم المناطق المحررة، فقد حرّره ثوار سوريا الأحرار قبل أن تولد داعش على أرض سوريا، تلك الولادة المشؤومة التي ابتلى بها الله أهلَ الشام منذ ستة عشر شهراً، بل وقبل أن تولد جبهة النصرة التي يزعم الدواعش أنها “التجلّيات المبكرة” لداعش على الأرض السورية.
الآن يزعم الدواعش أن أهالي ومجاهدي تلك المناطق غدروا بهم ويريدون أن يُصفّوا معهم الحساب. وما أدري مَن الذي غدر بمن؟ الغزاة الذين أرادوا انتزاع الأرض المحررة من أهلها، أم أهل الأرض الذين دافعوا عن أرضهم المحررة في وجه الغزاة المعتدين؟! أمَا إنّ منطق داعش الأعوج ليكاد يكون نسخة حرفية من منطق اليهود الذين احتلوا فلسطين، ثم وصموا أهلها الذين أرادوا الدفاع عن أنفسهم واسترجاع أرضهم بالإرهاب والخروج عن القانون! شجرة خبيثة بعضها من بعض.
حسناً، بعد هذه المقدمة الطويلة إليكم سؤال اليوم: لو أن أحدكم يا أيها المنصفون العقلاء، يا من تخافون الله، لو أنه كُلّف بقيادة حملة هدفها “تحرير” مارع وطرد “كتائب الردة والصحوات” التي تسيطر عليها، فهل سيسمح له دينه وضميره بأن يقصف المدينة قصفاً عشوائياً بالدبابات والمدفعية الثقيلة؟
ألا تعلمون أن هذا هو ما تصنعه داعش منذ عدة أسابيع؟ ألا تعلمون أن الضحايا من المدنيين الذين سقطوا بسبب القصف الداعشي العشوائي على مارع وحدها بلغوا العشرات؟ إن كنتم تعلمون وتسكتون مجاملة لداعش المعتدية الطاغية الباغية فأنتم شركاء لها في البغي والطغيان والعدوان، وإن كنتم لا تعلمون ففيمَ دفاعكم الأعمى عنها إذن؟ في الحالتين أنتم وعصابة داعش شركاء في الدم الحرام.
أخبرونا يا قوم: بأي شيء يختلف جيش البغدادي عن جيش الأسد إذا كان الاثنان يستبيحان قصف المدن العشوائي بالمدفعية والدبابات والصواريخ لتسهيل السيطرة عليها؟ أمَا إنّ من رحمة الله بسوريا أن البغدادي المجرم لا يملك طيراناً عسكرياً، وإلا لترحّم السوريون على أيام براميل الأسد!
ملاحظة: لم تجيبونا عن السؤالين الأولين، فماذا ستصنعون بهذا السؤال، ولعله الأصعب بين الثلاثة جميعاً؟ أما آن لكم أن تَؤوبوا إلى الحق، أم على قلوبكم مغاليق وأقفال لن تُفتَح أبداً؟