قبل أن يعترض علينا معترض نسبق إلى القول أن الغربي عموما والأمريكي خصوصا ليس سنيا ولا شيعيا . ولا هو مسيحي ولا هو مسلم أيضا إلا بقدر ما تقتضيه مصالحه من توظيف المعطى الديني والمذهبي في هذه المعادلة أو تلك . دون أن نغفل عن رواسب ثقافية تنحلّ في التكوين الأوليّ لشخصية أي إنسان غربي منذ يكون في مدرسته الابتدائية حين يُصور له قادة (الحروب الصليبية ) كأبطال قوميين قادوا حربا مقدسة ضد الكفار المدنسين والمتوحشين ..
بالمعنى السياسي ومنذ أن غزا نابليون مصر ، وتعرف على شعبها وناسها خرج بنظرية ظلت وما تزال راسخة في الذهنية الغربية يتناقلها أهل الغرب خلفا عن سلف ، ويتبادلونها من دولة إلى أخرى ، وتتلخص في اعتماد ( الأقليات ) مهما كان شأنها ( دينية أو مذهبية أو عرقية ) كأداة سيطرة ، ومهماز تحريش وتحريض ، ولاسيما في عالمنا العربي والإسلامي . وأرجو ألا يعترض عليّ معترض بأن في هذا اتهاما استباقيا غير نزيه للأقليات الوطنية كما نحلم بها أو نريدها ففي كل عام خاص ، ولكل قاعدة شواذ ، وأحلامنا وتمنياتنا لا تلغي حقائق التاريخ . والغربيون الذين نفوا ، ما استطاعوا ، كل الأقليات المخالفة عن وجودهم التكويني يعرفون اليوم كيف يستغلون سابقتنا الحضارية السمحة ، التي أرخت العنان ، ووفرت الأمان . .
لم يغادر المستعمر الفرنسي سورية إلا بعد أن وضع حجر الأساس الأول ( لحزب الطوائف ) كما أطلق عليه يوما أمينه العام ( منيف الرزاز ) وسبق إلى ذلك بالتأسيس لجيش الشرق الطائفي الذي كان النواة التكوينية للجيش الذي ما يزال يقتل السوريين منذ أكثر من ثلاث سنوات ..
بل إن العقل السياسي ليرى في الزج ب( يهود أوربة )على اختلاف أقطارهم في قلب العالم العربي محاولة سياسية لإشغال المنطقة والسيطرة عليها بمشروع (أقلية ) دينية ببعد عسكري وسياسي ، أقلية مجرَّبة ومشهود لها في لعبة النخر والحت والتعرية والاستحواز والتسلل والتسلق . إلا أن هذا المشروع على الرغم مما حققه من نجاح لم يستطع تحقيق كل الآمال المعقودة عليه ولاسيما مع انطلاق مشروع الصحوة الإسلامية ، بعد هزيمة السابعة والستين ، ثم بعد ثورة الخميني في إيران التي استطاع الغرب أن يستأنسها وأن يوظفها في مشروعه على النحو الذي نراه في العراق وفي لبنان ثم في سورية واليمن.
ويبدو أن تجربة إسقاط الدولة في العراق وتقديمه على ( طبق من ذهب ) لإيران قد فتح آفاقا جديدة أمام أصحاب المشروع الأمريكي والغربي في السيطرة على أمة الإسلام وتمزيق لحمتها وتبديد جهودها وضرب أبنائها بعضهم ببعض .
لا نستطيع أن نجزم إن كانت الهدية العراقية قد تم التوافق عليها قبلُ ، أو أنه قد تم اكتشاف آفاقها بعدُ . إلا أن الواضح للعيان أن الأمريكيين والأوربيين الذين غضوا الطرف عن تكوين ونمو حزب الله لن يسمحوا بمثل ذلك لأي جماعة سنية لا في فلسطين ولا في سورية ولا في لبنان .
بات الغربيون والأمريكيون يفهمون جيدا ثنائية الظاهر والباطن في نداء ( الموت لأمريكا ) الذي يطلقه أتباع الولي الفقيه بعد كل صلاة جمعة في ساحات طهران . وباتوا يقدرون أفضل الانضباط المطلق لأتباع الولي الفقيه ، والمرجعيات الفقهية التي تتكفل بكفايتهم شر الاجتهادات المنفعلة لأمة تربت على ( الانتصار من ظالمها ). إن فتوى مثل فتوى السيستاني يوم دخلوا العراق ، أو اتفاق يعقد سرا أو جهرا مع الولي الفقيه في العراق كفيل بأن يبدد الخوف ويذهب الحزن ويجعل أمة من البشر تنقاد كالقطيع. ..
في تصريحاته منذ أشهر وقبل زيارة العربية السعودية أعطى أوباما شهادة حسن سلوك لقادة طهران وسياسيها . وأعلن أن الولايات المتحدة ستعتمدهم كأشخاص مسئولين ، وأن على العرب شعوبا وحكومات أن يتفهموا ذلك وأن يذعنوا له …
تجربة الولايات المتحدة في العراق كانت مشجعة . رغم كل الرغاء المخالف . لم يعد العراق الشيعي عربيا . ولم يعد العراق الشيعي جزء من المعادلة الإقليمية في إحداث ما كنا نسميه التوازن الاستراتيجي . وشعب العراق أصبح مشغولا بمنافراته وتهويمات قادته ..
تسعى الولاية المتحدة اليوم إلى توسيع التجربة العراقية ، ومد النفوذ الإيراني القومي والمذهبي إلى سورية وإلى اليمن وإلى كل الأقطار .
وتوظيف الأقلية الشيعية على مستوى العالم الإسلامي إلى تطويع وتذليل وإخضاع المسلمين السنة وكسر شوكتهم يقدمون هذا هدية للغرب مقابل تملك الشيعة هذه الرقاب تفعل بها ما تشاء بما يتجاوز في بدائيته ما قيل عما فعله المتطرفون بأهل جبل سنجار
كل ما يرويه الأمريكي اليوم عن إرهاب الدولة الإسلامية وبدائيتها وتهديداتها هو نفس ما كان يرويه عن أسلحة الدمار الشامل في العراق ، وعن الجرائم ضد الإنسانية ، وعن وعن ..
من العبث أن نتسابق مع المتسابقين في إدانة التطرف والإرهاب وقتل الصحفيين الأمريكيين بأي وسيلة كان القتل لأن إدانة هذه الأفعال والتصرفات مما لا يختلف عليه الأسوياء من البشر والعقلاء من الناس…
ولكن من الزراية بأنفسنا وبعقولنا ألا ندرك ما وراء الأكمة ، ألا نستشرف أن الغاية من هذا التحالف المريب هو تعبيد الطريق أمام النفوذ الإيراني لتطبق الأقلية الشيعية على رقاب الأكثرية السنية في العالم العربي فتمتلكها وتذللها وتطوع رجالها ونساءها وتعبّدهم للمشروع الغربي وتشغلهم عن قضاياهم الكبرى وعن مشروعهم ودورهم الحضاري …
ومنذ اليوم الأول للثورة السورية لم يملّ الغربيون والأمريكيون عن الحديث عن الحل السياسي في سورية ، الذي يكفل بقاء السوريين محكومين بنظام الأقلية حتى أبد الآبدين . ومن هنا فقد ظل الغرب بشقيه الأوربي والأمريكي متشاغلا عن التدخل الإيراني والتدخل الشيعي بكل فصائله في سورية . وإذا كان هناك من مخرج يقترحه الغرب اليوم فهو رفع يد الأقلية المحلية للصيرورة بسورية إلى عهدة يد الأقلية الإقليمية . وهذه اليد إذ تستحوذ على العراق وسورية ولبنان واليمن اليوم فلا أحد يدري أين سينتهي بها المطاف …
أيها المهرولون إلى الوليمة الأمريكية قفوا فعلى لحومكم يولمون …