سمعنا كثيرا فيما نسمع من أخبار أن شابا أمريكيا في ساعة من ساعات جنونه امتطى سلاحه واقتحم مدرسته أو جامعته أو مكان عمله وأطلق النار على زملائه فقتل وجرحا منهم العشرات
ولكننا لم نسمع ولو في مرة واحدة أن الإعلام الأمريكي وصف هذا الشاب بالإجرام ، أو نعته بالإرهاب ؛ رغم أن إرادة القتل عن عزم وتصميم التي كانت تكتشف في نفوس أولئك المرتكبين تؤهلهم ليكونوا سوبر مجرمين ، وسوبر إرهابيين ؛ يقتلون بلا هدف ولا دافع غير أنهم رأوا في القتل متعة إضافية أحبوا أن يجربوا مذاقها كما كل أشكال المسكرات والمخدرات والمهلوسات ..
دائما كنا نسمع المحللين الأمريكيين يذهبون في بحث ظروف المجرم ، وبيئته ، وبواعثه ، ومكوناته النفسية الطفولية لكي يقترحوا الطريقة الألطف للتعامل معه ..
وإذا كان لهذا المنهج الأمريكي – العلمي الموضوعي الإنساني العصري الرشيد – مسوغاته ومبرراته وموجباته ومحسناته في حالة ( الجريمة ) الجنائية الفردية ؛ فإن اتباع المنهج نفسه أولى وأوجب في حالة ما يمكن أن نسميه تجاوزا ( الجرائم ) السياسية ، التي تعبر عن حالات من الغضب الجماعي ، والنقمة العارمة ، والعدمية اليائسة ؛ تجتاح شريحة كبيرة من أبناء أمة طالما ما سامها الممسكون بعصا الإكراهِ الظلمَ والخسف ، وطالما فرضوا على بنيتها العامة سياسات الازدراء والاحتقار العنصري على خلفيتيه القومية والدينية ، وطالما وظفوا في مشروعهم للمبالغة في إهانة هذه الأمة أدوات من العملاء والمخبلين وأصحاب الدناءات الذين جعلوا من هذه الأمة العزيزة الكريمة المعطاءة ، مثلَ السوء ، حيث تتربع في آخر السلم في كل شيء حسن وجميل ، وعلى رأس كل قائمة في كل فعل مستفظع وكريه ؛ في كل الإحصاءات التي يجريها الأمريكيون أنفسهم والمنظمات التابعة لهم على كل صعيد
هذا الكلام ليس تبريرا ولا تسويغا لظاهرة شاذة ناتئة يمثلها هؤلاء ( المرضى النفسيون ) ، الذين فضل الإعلام الأمريكي أن يطلق عليهم مصطلح الإرهابيين . هذا الكلام ليس دفاعا عنهم لا عن عقائدهم ولا عن منهاجهم ولا عن أساليبهم ؛ ولكنه دعوة صادقة للبحث عن الأسباب والدوافع الباطنة والظاهرة لمعالجة الحالة واحتوائها ..
وهذا الكلام لبيان غياب الموضوعية والعلمية وليس فقط الجدوى عن الدعوة الأمريكية المفتوحة لأصحاب العصا الغليظة في هذه الأمة : هؤلاء أبناؤكم هلموا فاقتلوهم ، ثم الأعجب أن نجد من يهرول لقتل بني أمه وأبيه امتثالا للأمر الأمريكي ، فيمتطي الطائرات ويرسل القذائف فخرا وعجبا وزهوا ..
والأبلغ من كل ذلك أن الأمريكيين الذين يزينون لنا اليوم قتل أولادنا الذين نختلف معهم كما زُين للمشركين من قبل قتل أولادهم ( وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون ) ، يتركوننا بعدُ طعمة مستباحين لفئة من الأشرار المجرمين الإرهابيين الذين استباحوا ساحاتنا، وانتهكوا أعراضنا ، وقتلوا أطفالنا واغتصبوا حرائرنا ووضعوا المثقب في أعيننا وأصداغنا ، بعد أن احتلوا بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ولا أحد يدري إلى أي عاصمة سيصيرون …
ضالون نعم ، زائغون نعم ، ولكنهم ليسوا أشرارا ..
والشرير من شاهد المجرم يغتال شعبا ، يقتل رجاله ونساءه وأطفاله ويدمر عمرانه ، فأمده وأعانه وسانده ، أووقف يتفرج عليه ، هؤلاء ( الضالون …الزائغون ) هم الذين لم تحتمل قلوبهم وضمائرهم صورة الأطفال من ضحايا السارين في غوطة دمشق فنفروا ، بينما أخلد إلى الأرض الآخرون ، جاؤوا يحاولون مقاومة الظلم فخبطوا ولبطوا واضطربوا وأساؤوا ولم يكن كل ذلك من قصدهم ولا من إرادتهم ولا من عزمهم .
هؤلاء نفروا تحركهم بواعثهم الإنسانية الطيبة فوجدوا قوى الشر قد أرصدت لهم قيادات سوء اجتالتهم عن قصدهم وحرفتهم عن مسارهم ووظفتهم في التي لا تحسن ولا تسر ولا تحقق هدفا ولا تنجز غاية …
نقتلهم ؟! وكان الأولى بالعالم كل العالم أن يتحالف على إطفاء النار التي استنفرتهم ، ووقف شلال الدم الذي استفزهم ، والأخذ على يد المجرم الذي أخرجهم من أوطانهم ، وانتزعهم من بين أسرهم وعن أسرّتهم ومدارسهم وجامعاتهم وأعمالهم …
نقتلهم ؟! أليس بعد أن نكف يد المجرم الإرهابي المنصب على شعوب هذه الأمة في العراق وفي سورية وفي لبنان ، وبعد أن نطفئ نار البغي التي أوقدها بشار وصمت عنها الصامتون ثم نرى الرأي فيهم …