ماذا حصل بمئات الناشطين والمجاهدين الذين ضمنت الأممُ المتحدة سلامتَهم في حمص؟ ثمانيةُ أشهر مضت على “خدعة التسوية” التي أخرج بها النظامُ المجرمُ أكثرَ من ألفٍ من المحاصَرين في حمص القديمة، حين قدّم لهم ضمانات زائفة ووعوداً كاذبة بتسوية أوضاعهم وإطلاق سراحهم بعد تسليم أنفسهم وأسلحتهم، ثم غدر ونكث واعتقل وعذّب وصفّى المعتقلين في السجون. ما هي التفاصيل؟
نشرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في العاشر من آب الماضي تقريراً بعنوان “تسوية النظام السوري مع الأهالي في حمص بين القتل والاختفاء القسري”. وقد تحدث التقرير عن مصير المئات من محاصَري حمص القديمة الذين سلّموا أنفسهم للنظام بموجب اتفاقية رَعَتْها وضمنتها الأممُ المتحدة، وتنصّ على منح الخارجين من الحصار العفوَ والأمانَ مقابل خروجهم من المدينة القديمة المحاصَرة وتسليم السلاح ووقف النشاط الثوري.
لكن النظام لم يَفِ بالعهد ولم يحترم الاتفاق، فقد أخلى سبيل النساء والأطفال واعتقل الرجال، وعددهم سبعمئة وثلاثون، منهم إعلاميون ومقاتلون وجنود منشقون وشبان متخلفون عن الخدمة العسكرية. حجزهم النظام في مدرسة الأندلس في حي الدبلان بمدينة حمص لنحو ثلاثة أشهر، ثم ألحق المتخلفين عن الخدمة العسكرية بالجيش، وجمع الجنودَ المنشقين وأحالهم جميعاً إلى فرع الأمن العسكري، أما بقية الناشطين والمجاهدين فقد ساقهم إلى الفروع الأمنية حيث تعرضوا للتحقيق والتعذيب والتصفية البطيئة، بعيداً عن عين العالم وعن مراقبة الأمم المتحدة التي كان ينبغي أن تتحمل مسؤوليتَها وتوفر الحمايةَ لمن خرج من المدينة المحاصَرة باتفاق تم بضمانتها وتحت رعايتها.
كم يبلغ عدد أولئك الناشطين والمقاتلين الذين اعتقلهم النظام في فروعه الأمنية المختلفة في مدينة حمص؟ أشار بيان أصدره الائتلاف الوطني في الثامن من حزيران الماضي إلى أنهم قريب من مئتين، وذكر البيان أن النظام أعدم -حتى ذلك الوقت- عشرين منهم على الأقل ثم نقل الباقين إلى فرع فلسطين في دمشق، حيث خضعوا لتحقيق وتعذيب مستمرَّين نتج عنهما استشهاد كثيرين.
نُسِي أمرُ أولئك الضحايا بعد ذلك فمرّت شهور طويلة لم يذكرهم فيها أحد، حتى كان لقاءٌ جمعَني بثلّة من كرام أهل حمص قبل بضعة أسابيع، فأخبروني أن الأسرى جميعاً قد استُشهدوا بالتعذيب واحداً بعد واحد حتى بقي منهم واحد فقط، وقد استُشهد في المعتقل قبل لقائي بهم بيوم أو يومين فحسب، وهو الشهيد -بإذن الله- شعيب عبد الوكيل الدروبي. وبذلك طُوي الملف الحزين وأُسدل الستار على واحدة من مآسي الثورة المَنسيّة.
هذا هو النظام المنافق المجرم الغدّار الخدّاع الذي ما يزال فينا من يخطب منه وداً أو يطلب منه عهداً، فيَدْعونا إلى التفاوض والتصالح والعيش المشترَك معه تحت سقف الوطن السوري الجديد.
كيف تُؤتمَن عصابة من الغَدَرة الخَوَنة على أرواح عشرين مليون سوري وهي لم تُطق الوفاءَ بعهد قطعته لألف إنسان؟ ليس مَن يطمئنّ إلى هذا النظام أقلَّ غفلة ممّن يسترعي الذئبَ الغَنَم. لقد قال الأوّلون في المثل: “من استرعى الذئب فقد ظلم”، ونقول: لا يَستأمنُ النظامَ السوري الفاجرَ على عهد ولا يثق منه بوعد إلا الحمقى والمغفّلون.