لم يفاجأ أحد بإعلان التمديد للمفاوضات بين إيران ومجموعة ( 5 + 1 ) . أو لنقل باختصار بين إيران والولايات المتحدة . لأن كل الحقائق العملية على الأرض تثبت أن هذه المفاوضات ليست إلا إجراءات تمهيدية للإعلان التدريجي عن التحالف الاستراتيجي الأمريكي – الإيراني . بأبعاده الاستراتيجية المتعددة .
هذا التحالف الذي سيعطي الإيرانيين المكانة الموازية لما تتمتع به إسرائيل في منطقتنا ، والتي تزاوج في دورها بين كونها قاعدة استراتيجية أمريكية في منطقة شديدة الأهمية ، وبين كونها حاملة مشروع صهيوني خاص بالصهاينة وله بالنسبة إليهم أبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية .
المشروع الصفوي الإيراني هو صنو المشروع الصهيوني في الأهداف والأدوات . ولقد أقام الصفويون مشروعهم بالاستفادة من تجربة المشروع الصهيوني بأهدافه وأدواته وتقنياته وها هم اليوم ينجزون الهدف الأصعب منه أن يكونوا حلفاء استراتيجيين لأقوى دولة في العالم …
فبموجب الحلف ( الأمريكي– الإيراني ) الجديد والذي تعتبر المفاوضات الجارية مجرد خطوات تمهيدية للإعلان عنه ، ستتحول إيران من طرف يثير الشغب على الولايات المتحدة في المنطقة إلى حليف تعتمد عليه في ضبط إيقاعاتها ، وحماية مصالحها ، وقمع المتمردين على إرادتها ؛ وبالمقابل ستُمكن إيران من تحقيق مشروعها الذاتي على حساب أنظمة المنطقة وشعوبها . هؤلاء الذين التي لا تهم مصالحهم أو مضارهم الولايات المتحدة في شيء .
في الحقيقة إن أبسط التحديات التي ستواجهها دول المنطقة هو أن تفاجئنا إيران بالإعلان عن تفجير قنبلتها النووية . هذا أبسط التحديات وأقلها على خطورته خطرا . وقبل أن تفعل إيران ذلك ستكون قد نسقت مع الولاية المتحدة ، وتكون هذه الأخيرة قد سبقت إلى احتواء الغضب الإسرائيلي ، بتقديم ما يكفي من الضمانات المادية والأدبية إلى الحليف المهم في المنطقة . بينما سيطلب الرئيس الأمريكي – أي رئيس سيكون في البيت الأبيض – من بقية الدول أن تتعايش مع واقع استراتيجي جديد بالعيش الناعم بين فكي كماشة نووية إيرانية – صهيونية . بكفالة أمريكية ( أن هذا السلاح لن يستخدم إلا إذا …)
وللحق يجب أن نعترف أن الإيرانيين قد أثبتوا أنهم أهل لثقة الولايات المتحدة ودول الغرب أكثر… بينما أخفق الذين اعتبروا أنفسهم الحليف الصادق عن نيل مثل هذا الحظ من الاحترام .
إن العودة إلى مقابلة الرئيس الأمريكي أوباما مع صحيفة ( بلومبيرغ فيوز ) في الشهر الثالث من عام 2014 وعلى عتبات مؤتمر الإيباك للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وقبيل زيارة الرئيس الأمريكي للعربية السعودية تكشف الحقائق مجردة أمام أعين الجميع .
لقد وصف المحللون تلك المقابلة بأنها ( نادرة في صراحتها ) تلك المقابلة التي كان عنوانها العريض ( على شركاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط قبول التغيير في علاقة الولايات المتحدة بإيران ) .
والتي غازل فيها الرئيس الأمريكي الإيرانيين معرّضا بغيرهم بقوله : ( إذا نظرت إلى تصرفات الإيرانيين تراهم استراتيجيين وغير متهورين ولديهم نظرة عالمية ويرون مصالحهم ويتعاملون مع حسابات الربح والخسارة .)
كل هذا المديح هو تبرير استباقي من الإدارة الأمريكية لوضع المنطقة وشعوبها في ظل العهدة الإيرانية . لا شك أن تجربة الإدارة الأمريكية مع الإيرانيين في عراق يحكمه حزب الدعوة ، ومعهم في سورية يحكمها بشار الأسد ، ومعهم في لبنان يتحكم فيه حزب الله ؛ كانت إيجابية ومشجعة وتدعو إلى توطيدها وتدعيمها وتمديد ظلالها ..
سيذهب رئيس أمريكي ويأتي آخر ليفاجأ النظام العربي أنه أصبح ضجيعا في سرير إيراني . وستضمن إيران للولايات المتحدة كل مصالحها . وستؤمنها من كل العوامل التي تقلقها ، ماضية في الوقت نفسه بتحقيق مصالحها بأبعادها السياسية والقومية والمذهبية . كدولة إقليمية عظمى على جميع الصغار أن يعترفوا بعظمتها ..
لقد أثبتت الولايات المتحدة دائما أنها الأكثر جرأة على بيع حلفائها ، واللامبالاة بتاريخ خدماتهم لها ، مهما عظمت أو كثرت أو تطاول عهدها . هي دائما مثل أي … بنت لحظتها . وأن المبادئ الأخلاقية أو الإنسانية هي آخر ما يفكر فيه الأمريكي أو يرجع إليه ..
ستحصل إيران بموجب ما أعلن عنه في فيينا بالأمس على فرصة إضافية لتثبت أنها الأفضل في ميدان العمالة الأمريكية . وسيثبت الإيرانيون : إن إيران الولي الفقيه ليست أقل قدرة من إيران رضا شاه بهلوي على إشباع الرغبة الأمريكية ،ولاسيما إن ترافقت العملية مع إشباعات لغرائز أخرى يكون ضحاياها أناسا آخرين .
ولكن هل يمكن للفرصة التي ستستمتع بها إيران فرصة لقوم آخرين . يراجعوا أنفسهم ، وسياساتهم ويرجعوا إلى مرتكزات قوتهم ، ومناطات مشروعهم .. هل لهؤلاء أن يستفيدوا من الدرس فيكفوا عن التوسل والتسول والرجاء . وأن يتعلموا أن عليك لتكون حليفا أن تكون قويا بما يكفي لبناء حلف أو شراكة ..
يفرض استحقاق اللحظة أو الفرصة نفسه بشدة على النظام العربي وعلى الشعب العربي فهل يفاجئ هؤلاء الولايات المتحدة وإدارتها ورئيسها بفعل ناجز ، إنجاز لا يمر على خانة التنابذ والاستعلاء والاتهام المتبادل بالخيانة أو بالإرهاب كما لا يمر على سياسات الاسترضاء والارتماء وتبديد الطاقات ..
سبع مائة مليون دولار ستكون مكافأة إيران الشهرية من أموالها المجمدة بالطبع ، كم هو المبلغ الذي خصصه الغربيون منها لقتل المزيد من أطفال سورية وكسر إرادة السوريين للتحول إلى مخدع الطاعة الإيراني الأسدي الذي أصبح بفضل السياسات الأمريكية مخدعا واحدا ؟!