ما حققه ثوار الشمال السوري في ريف إدلب من انتصارات ، وما يحققه ثوار حلب من صمود وإنجازات في استعادة بعض المواقع الحيوية والاستراتيجية على مداخل حلب الرئيسية ، وكذا صمود أهلنا في حمص، وغوطة دمشق وتقدمهم المشرف في حوران ؛ كل أولئك يشكل معالم مبشرة تؤكد أن الثورة في سورية ما تزال مستمرة وأن الثوار الأبطال يستحقون دائما التحية والتقدير .
لقد قلبت انتصارات المسطومة من قبل ثم انتصارات معسكر وادي الضيف و ومعسكر الحامدية المعادلة على الأرض ، وقطعت كل أجهزة الإنعاش التي كان يتعلل بها البعض في الحديث عن قدرة بشار الأسد على البقاء أو الوقوف على قدميه من جديد ..
إن الذي يجب أن ندركه في سورية معارضين وثوارا في وقت معا أن الذين تقدموا ويتقدمون بمبادراتهم هذه الأيام لا يتقدمون بها رغبة في حقن الدم السوري ، ولا إشفاقا على الإنسان السوري ، ولا خوفا على سورية الدولة – كما يُزين للبعض – بل هم يفعلون ذلك إدراكا منهم لحقيقة الانهيار الذي آل إليه أمر بشار الأسد ، فيسارعون بمبادراتهم المكشوفة إلى حمايته و إنقاذه من ضربة غير محسوبة كالتي حدثت في معسكر وادي الضيف أو الحامدية تكون فيها نهايته .
وهم على الحقيقة قد لا يأسفون كثيرا عليه ، بل هم قلقون لأن نهايته إن فاجأتهم ستهدر كل ما راهنوا عليه من دور ونفوذ في المنطقة ، وكل ما ضحوا به من دماء وأموال على مدى ما يقرب من أربع سنوات ..
هذه المبادرات سواء منها مبادرة دي مستورا أو المبادرة الروسية ، أو الطروحات الإيرانية التي تبدو هذه الأيام محمومة في البحث عن حل مع الروس تارة ومع الأتراك أخرى ؛ كل هذه المساعي والمبادرات لم تصدر ، مع كل ما فيها من جنف وانحياز ، عن شعور أصحابها بقوتهم أو قوة الطاغية حليفهم بل على العكس هي تصدر عن هلع مكتوم يحاول أصحابه التغلب عليه . وكذلك فإن إعلان بشار الأسد استعداده لدراسة هذه المبادرات والتعامل إيجابيا معها لم يصدر عن حالة من النشوة بالانتصارات الجزئية والشكلية التي يحققها الطاغية كما تدعي وسائل كذبه الترويجي ، بل هو يفعل ذلك كخطوات استرضائية للحلفاء المتحكمين من جهة ، وخطوات استباقية للانهيار الكلي الذي يحس به والذي قد يجعله يفقد كل شيء ..
ولا أدل على حالة الهلع التي يعيشها الطاغية وطغمته من قيامه بسحب قواته من أريحا والمسطومة إلى مناطق الساحل خوفا من تكرار الهزائم بمثل ما تسببت به من خسائر بشرية في هزيمة الأسبوع القريبة ووقاية من تداعيات يوم أسود بات يظنه قريبا ..
جدير بالذين تضربهم مشاعر الوهن فيخلدون إلى حالة من الشلل ، أو اللهاث اليائس وراء ( أي حل !!) أن يدركوا هذه المعطيات من وضع عدوهم. وأن يعيدوا تلاوة قوله تعالى : (( إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا.)) على أنفسهم . تحتاج الثورة السورية والمعارضة السياسية إلى نوع من العلاج يقال له في مثل هذه الوضع العلاج بالصدمة . تحتاج الثورة السورية أن تعرف من عوامل قوتها ما يعرفه الآخرون عنها ، وأن توظف هذه الإمكانات في الحفز لضربة قاضية تنهي هذه الوضع المقلق وتضع حدا لمعاناة السوريين ومراهنات المراهنين .
لقد كان قرار منع الثوار السوريين من الانتصار قرارا دوليا بامتياز ، وكانت كل الأطراف الدولية تدرك أن أي دعم جاد ومنظم لهؤلاء الثوار يعني جعل بشار الأسد في خبر القذافي المقبور ، ولذلك توافق الجميع في سبيل فرض الحلول على سورية على استراتيجية سموها ( استراتيجية الإنهاك ) . إن كل سوري حر شريف يدرك أن من الخيانة والإثم بمكان التماهي مع هذه الاستراتيجية والركون إلى أصحابها ولو طرفة عين .
” رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة ” هذا هو العنوان الذي أعلنه رسول الله صلى الله عليه يوم دخل مكة معتمرا .
إن المبادرات المجحفة والمؤامرات الكالحة لا ترد بالشجب والإدانة والاستنكار ، وإنما ترد بالعمل الجاد والخطوات النوعية . وهذا بشار الأسد عاد في صورة من يقال فيه (( فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ )) .
فهل من يوجه الضربة القاضية لكيان منهك طال ترنحه