من يتحمل المسؤولية؟! – عندما يسكت العلماء ويتكلم الغوغاء

من يتحمل المسؤولية؟! "عندما يسكت العلماء ويتكلم الغوغاء"

من يتحمل المسؤولية؟!
عندما يسكت العلماء ويتكلم الغوغاء

بقلم: الشيخ الدكتور محمد عياش الكبيسي

كتب الدكتور محمد عياش الكبيسي حفظه الله تعالى كلاما يلخص بدقة ما يحصل في المؤتمرات الدينية والندوات والاجتماعات، يجب أن نقرأه باهتمام كبير، ومن عرف السبب بطل عنده العجب… ونص كلامه التالي: من يتحمل المسؤولية؟

اليوم كان هناك لقاء موسّع لنخبة من المهتمين بالشأن العام، وكلهم محسوبون على التيار (الوسطي) لكنهم من دول ومناطق مختلفة، وكانت حاضرة أجواء الجدل الساخن حول الأحداث الأخيرة وتقاطعات المشروع الص-هيو صلي-بي مع المشروع الإيراني الباطني. وكان أحد الحضور من قادة العمل الإسلامي في غز-ة والذي قدّم شرحا وافيا عن آخر الأحداث -جزاه الله خيرا-.

وكان من الحاضرين أيضا أحد عمالقة (العلوم السياسية) ومشهود له بصدق التوجه وبراعة التحليل، لكنه مع الأسف أصرّ على السكوت ولم ينطق بأي شيء.

وكان من الحاضرين أيضا فقيه معروف وهو محل ثقة الحضور علما وعملا، وكان الناس ينتظرون منه أن يجيب عن تساؤلاتهم ويحسم النقاشات فيما بينهم، لكن الشيخ آثر عدم الدخول في الموضوع، مكتفيا بمواعظ ورقائق ودقائق ولطائف جميلة.
هنا قال له كبير الحاضرين وهو رجل من خيرة الناس وأصدقهم: يا شيخ الناس ينتظرون منك الموقف الشرعي، وأن تجيبهم عن تساؤلاتهم، فقال: أرى أننا دخلنا في فتنة، والأولى في الفتنة السكوت!

هذه ظاهرة متكررة في أيام الأزمات، حيث يعج اللغط من قبل الغوغاء لأهداف ليس لها علاقة بالموقف الشرعي من الأزمة نفسها، وليس لها علاقة بالبحث عن الحل، فيسكت أصحاب العلم تجنبا لمزيد من اللغط والفتنة، ولكن بعد انتهاء الأزمة نكتشف أننا جميعا كنّا الخاسر الأكبر ، وربما الخاسر الوحيد.

إننا تعودنا أن نتعامل مع قضايانا المصيرية تماما كما نتعامل مع (المسائل الفقهية الموسمية) مثل: صدقة الفطر، والمولد النبوي، ورؤية الهلال، وهكذا.

لقد ضاعت دول بأكملها، وذبح الآلاف من إخواننا وأخواتنا، وهجر الملايين، والوباء الأسود زاحف لاستئصال هويتنا وابتلاع أرضنا، وكل المشاريع المعادية تتنافس على قصعتها الجاهزة. ونحن كما نحن، لا نتعظ ولا نتعلم ولا نستفيد من تجربة.

نسيت أن أذكر أنه كان من الحضور اليوم عالم ومفكر معروف من اليمن العزيز، كان يهمس للجالس بجنبه ببعض آرائه وتحليلاته، لكنه فضل أيضا عدم رفع صوته، هكذا تقتضي الحكمة!.

وهنا أسأل: لماذا يحصل في صفنا (الإسلامي) كل هذا الخوف من مجرد قول الرأي؟ ومن الذي يتحمل مسؤولية ذلك ونتائجه وتبعاته؟ العلماء أم الغوغاء؟

العلماء عذرهم الآن؛ أن الغوغاء يريدونهم تبعا لأهوائهم وأمزجتهم، فإذا أفتوهم بغير ذلك كان موقفهم كموقف يه-ود من الحبر عبد الله بن سلام، كانوا يقولون عنه (عالِمنا وابن عالمنا) فلما خالفهم فيما يشتهون صار (جاهلنا وابن جاهلنا)، ولا شك أن هؤلاء الغوغاء يتحملون الإثم الأكبر، والذين ستقع عليهم مصائب الدنيا، لكن تبقى من وجهة نظري مسؤولية العلماء في إبراء ذمتهم أمام الله تعالى وإقامة الحجة على هؤلاء (معذرة إلى ربكم) والله أعلم.

وحسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون.

0

تقييم المستخدمون: 4.38 ( 3 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *