لا أزوجها قبل أن تتخرج

لا أزوجها قبل أن تتخرج

لا أزوجها قبل أن تتخرج

مناقشة هادئة هادفة، ضمنتها الكاتبة الكثير من الأفكار المهمة عن دور المرأة في المجتمع المسلم، ومدى تأثير الفكر الغربي على واقع مجتمعاتنا المعاصر، وتجليات ذلك وآثاره.

المصدر: قناة تسنيم راجح على التليغرام

(( 1 ))

“لا أزوّجها قبل أن تتخرج… ابنتي ذكية ومجتهدة، لن أدعها تضيع عليها طموحاتها، الزواج يأتي فيما بعد، لكن المهم أن تؤمّن شهادتها الآن”!

عباراتٌ متكررةٌ خطيرة  تنبئك بآلاف المشاكل والأمراض الاجتماعية والتربوية والنفسية التي يتم انتاجها في المجتمع…

من الذي وضع هذه الأهمية والأولوية والقيمة للـ “التعليم الجامعي”؟ هل غالب هذا “التعليم” نافع؟ هل “أمّن غالب خريجيه على أنفسهم”؟

من الذي قال إن ترتيب الحياة يجب أن يسير بهذه الحيثية المصنَعية التي تستهلك عمر الفرد في الدراسة والقدرة على تحصيل مهنة وبدء “كارير” [الحياة المهنية] وألقاب قبل اسمه قبل أن نسمح للإنسان أن يكون إنساناً وقبل أن يبدأ استثمار عمره والنظر في أهدافه وغاية وجوده؟

من الذي قال إن الأنثى يجب أن تحصّل شهادتها و”تؤمِّن” وظيفتها واستقلالها المالي قبل أن تبدأ النظر في حاجاتها النفسية والفطرية وقبل أن تعترف أصلاً بأنها أنثى رقيقة تحتاج زوجاً وتحب أن تبني أسرةً وتستمر في طلب العلم النافع مع ذلك؟

لماذا نلقي بفتياتنا (وشبابنا) إلى أجواء الاختلاط غير المنضبط والتعليم العالماني الذي غالبه غير نافع وحتى مفسدٌ ونحن نحرمهم إشباع حاجاتهم بالحلال الذي يسره الله، ونعيب عليهم حتى الاعتراف بتلك الحاجات؟

لماذا نزرع في فتياتنا ونكرّس في مجتمعاتنا هذا الخوف من أن يتخلى عن الأنثى زوجها وأولادها ونتخلّى نحن عنها وتحتاج لمكابدة أصعب الظروف والتيارات لوحدها؟ أليس هذا تبريراً لضعفنا نحن وبعدنا عن الدين؟ أليس هذا ظلماً للفتاة التي يتم توجيهها لأنها “بلا شكٍ” ستحتاج العمل والاعتماد على نفسها أو أن عليها أن تخجل إن أنفق الزوج أو الأب أو الأخ عليها؟!

صحيحٌ أن بعض الفتيات يتأخر زواجهنّ بدون تدخل الأهل، وصحيحٌ أن هناك من الفتيات من تستفيد فعلاً من الجامعة وتتمكن من اتقاء شرورها، وأن منهنّ من تحتاج العمل الوظيفي فعلاً.. لكننا أمام تعسير للحلال وتأخيره لما بعد سنواتٍ طويلة قد تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراة (أو دراسة الطب وتخصصاته المتتالية وسنين خبرته!)..

إننا أمام تعامل مع دراسة ودوام تستهلك جلّ الطاقة إلى فرض عينٍ على كل شباب وفتيات الأمة…

فرض عينٍ يضحي المرء في سبيله بصلة رحمه وبره بوالديه وسؤاله عن جيرانه وطلبة للعلم النافع الحقيقي وتحصيله للمهارات النفسية والاجتماعية والتربوية (والمالية) في كثيرٍ من الأحيان..

وتلك إشكالية وأزمةٌ كبرى تكرّسها عبارةٌ كالتي بدأنا بها وتكرّسها النظرة الاجتماعية للمرأة التي “لا ترضى الزواج قبل تحصيل الشهادة” مقارنة بالنظرة للتي “ليست طموحة”! و”زوّجها أهلها صغيرة”!

إنها أزمةٌ مدمّرةٌ ترفع سنّ الزواج وتصغّر قيمة الأسرة وأولوية التربية والبيت الذي “سيأتي فيما بعد” (فما احتمال أن تحبّ تلك المرأة ذات المهنة التي ضحت من أجلها أن تتركها بعد الزواج والإنجاب لتتفرغ للإنجاب والرعاية ولما تم إقناعها بأنه هامشي وثانوي؟ ما احتمال أن ترضى الدوام الجزئي الذي يقلل راتبها ويؤخر “تقدمها الوظيفي”؟ ما احتمال أن تحبّ تقلل سنين خبرتها أو تصنع الفراغ في سيرتها الذاتية بالجلوس في البيت لسنوات؟؟)، وتلك النظرة تُغرَس في الذكور والإناث بالمناسبة..

وهي أزمةٌ تترك الفطرة البشرية تغلي في صمتٍ وحرمانٍ أو حرامٍ لسنوات…

وتصنع من أبنائنا أفراداً ضائعين مستَهلكين مأسورين لأسلوب حياةٍ فُرِض عليهم ولا يستطيعون رفع رؤوسهم ليجدوا التوازن في حياتهم ويسمعوا أسئلة نفوسهم الوجودية الكبرى ومن ثم يربوا أبناءهم وبناتهم أحراراً أقوياء فخورين بدينهم وهويتهم..

(( 2 ))

وكما في كل مرةٍ أكتب فيها عن خطورة تأخير الزواج تأتيني الرسائل من القارئات بأن الأمر فعلاً مرهق ومتعب، بأن فرض الدراسة (المختلطة) والعمل أو أحدهما عليهنّ قبل الزواج ظلمٌ وإجحافٌ وإنكار لطبيعتهنّ وفتنةٌ كبيرة لهن..

سمعت من تقول أنها تتوق للأمومة وأمها تمنعها لأنها مازالت صغيرة وهي في الجامعة، سمعت من تقول أن أهلها يشترطون على الخاطبين أن تنهي سنوات دراستها قبل الزفاف، وسمعت من تقول أنها لا تجرؤ أصلاً على الحديث عن رغبتها باستقبال الخاطبين قبل التخرج…

وفي حالاتٍ متقدمةً رأيت من تجاوزت الرغبة الأولى الفطرية بالزواج ودخلت الماجستير ثم الدكتوراة وباتت أصلاً ترفض فكرة الزواج قبل أن تنهي الدكتوراة في علمٍ دنيوي تفصيلي، والتي ستأخذ منها ما لا يقل عن ٦ سنوات!

  • تأخير الزواج = تعسير للحلال = بابٌ للشيطان = تقريب للحرام وإضعاف للنفس أمامه
  • تأخير الزواج = تأخير نضج الإنسان وتأخير تحمّله للمسؤولية وتأخير إشباعه لحاجاته وإبعاد له عن التأثير والنفع في بيته وأسرته
  • تأخير الزواج = صناعة بشرٍ بالغين يظنون أنفسهم أطفالاً. لا يبالون بواجباتهم الاجتماعية ولا المالية ولا يفهمون قيمة الالتزام والتوازن كثير الأبعاد في الحياة
  • تأخير الزواج = تسفيهٌ لقيمة الأسرة وبناء الإنسان ورفعٌ للمال والدنيا والنجاحات الموهومة فيها فوق صحة الفرد النفسية ونجاحاته الباقية وقدرته على الاطمئنان والرضا بما عنده وإن كان أقل مما يحب

لا أدعو أبداً لتزويج أي شاب أو فتاة عند عمرٍ معين، ولا أفترض أن الزواج حلٌّ سحريّ لأي مشكلة، بل هناك من بلغ الأربعين ولم ينضج بعد، وهناك من ينبغي منعه أصلاً من الزواج..  لكنني أدعو للانتباه من خطر التأخير للجميع، وللانتباه لضرر منع الناضجين الجاهزين للزواج والمحتاجين له منه..

(( 3 ))

{الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء}

 قد تبدو كانها قضية جديدة او من نوازل عصرنا.. لكنها من أقدم حيل الشيطان حقيقةً..
يخوفنا الفقر والجوع والتشرد، وعبر ذلك يبدأ إفساد العقول وتخريبها..
ذاك الخوف اليوم صار عنوانه:

  • “ماذا لو طلع ابن حرام؟”
  • “ماذا لو تخلى عنك أخوكي؟”
  • “ماذا لو ساءت الأحوال؟”
  • ماذا لو مات زوجك؟”
  • “الدنيا تتغير!”
  • “الرجال ليس لهم أمان”!

->> ومن ثم ماذا؟

من ثم يكون المنطق (غير المنطقي) أن عليكِ أن تتمسكي بإنهاء الشهادة تلو الشهادة ومن ثم البدء بمارسة المهنة وبناء الكارير [الحياة المهنية]، ربما تتزوجين أو لا على الهامش، ربما تُنجبين أو لا على الهامش، ترمين طفلك عند أمك أو حماتك أو في حضانةٍ تستطيعين دفع تكلفتها، لا يهم… لكن احذري إفلات “سلاح” عملك ودخلك المالي واستقلالك المادي!!!

احذري أن تفلتي “سلاح” الأزمات الذي بات يأسرك ولا تستطيعين تركه!

– لماذا؟

لأن العمر ينبغي أن يُدفَع في سبيل هذه الـplan B أو الخطة البديلة في حال ظهر أن الزوج سيء أو مات قبلكِ أو ظهر شر أسرتك أو بقيتِ وحدكِ تكابدين التشرّد والزلازل والأعاصير!!

لأن الخطة البديلة صارت الأصيلة التي يجب أن تعيشيها لأنك لا تريدين أبداً الاعتماد على غيرك أو تخيّل الحياة مع شيءٍ من المجاهيل!

ولأن الشيطان في الحقيقة يخوّفك الفقر والتشرّد والجوع.. والتي هي (بالنسبة لمعظم النساء) بعيدةٌ أو شبه مستحيلةٍ إلا في حال حدوث كوارث لا تدفعها شهادةٌ ولا وظيفة!

– ولاحظوا…

أن خدعة أن العمل سلاح صارت = أن عليكِ الاستمرار بالجامعة حتى النهاية ومن ثم مباشرةً البدء بالعمل والاستمرار به دون توقف لئلا تفقدي الخبرة ولئلا توجد فراغات في سيرتك الذاتية، ولئلا تقلّ قدرتك على تحصيل راتب أعلى ووظيفة أفضل! وكلّما كان التعب والإنفاق والجهد الذي قدمتيه لنيل تلك الشهادة أكبر كلما كان ترك العمل أصعب على النفس، وهذا طبيعي! لكن لاحظوا كيف تغيرت تلك الشهادة أو الوظيفة لأسرٍ ومستعبدٍ نخدمه بدل أن يخدمنا، ونحافظ عليه بدل أن يحمينا كما كان يقال!

(( 4 ))

->> طيب.. فعلياً ماذا عن الأمان الذي تحتاجه المرأة؟ هل نرفض أن تمتلك استقلالاً عن الزوج؟ هل نرفض أن يكون لها دخلها وقوتها في حال حصل طارئ أو تغيّر كبيرٌ في الحياة؟

– حاجة الأنثى للأمان هي حاجة فطرية نفسية أصيلة، ولذلك جعل الله لها الولاية من أبيها في بيته، ومن ثم القوامة إذا تزوجت، لئلا تكون وحدها أبداً وليكون هناك من يحميها دائماً.. لكن..

– فكرة تأهيل الفتيات للمهن مثلهن مثل الشبّان تشعر الوالدين أولاً بأنهما لم يعودا مسؤولين عن ابنتهما وبأنها ينبغي أن تعمل وتكسب رزقها كما يفعل أخوها، فهم قد تكلّفوا على تعليمها مثله، وبالتالي تكون هذه الشهادة سحباً لأول أمانٍ من البنت من هذا الباب..

– ومن ثم إذا دخلت الأنثى الزواج وكانت عاملة بدوامٍ كاملٍ كزوجها كان هذا إشعاراً له بأنها لا تريد منه دعمها مالياً، فكان هذا سحباً للأمان الثاني منها.. إضافة لإضعاف علاقتها بزوجها من تعبها الطبيعي من العمل وقلة قدرتها على التركيز على حاجاته وقلة الطاقة التي تستطيع صرفها على بيتها وبناء المودة والرحمة مع زوجاه.. مما يرفع احتمال حدوث الأزمات التي كان الادعاء أننا نحمي نفسنا منها!

– والفكرة تنتقل للأبناء ذكوراً وإناثاً.. وتتأثر تربيتهم وقربهم من والديهم وشعورهم بأهمية وأولوية الأسرة والبيت.. ليكبر الأولاد (في بعض الأحيان) غير مكترثين بأمهم.. فيتم سحب الأمان الأخير من المرأة من هذا الباب!

– ومع هذا كله فغالب الشركات تتخلى عن الموظّف أو الموظفة في دقيقة، ولا تتجاوز حقوقه مهما ارتفعت بعض المال، فغالب الأمان الذي يؤمنه العمل غير مستقر، وقليلٌ جداً من الموظّفات من تحب عملها وتشعر بأنها فيه مقدّرةٌ ومعتبرةٌ وتتلقى الراتب المتناسب مع إسهامها..

->> أما الأمان الذي يتم إنكاره وتحقيره فهو ما يستمر طوال العمر، أمانٌ لا يمكن معه أن تقع الأنثى أو تضيع في أي مرحلة، أمانٌ ثابتٌ مريح ومتوافق مع فطرتها يمكّنها فعلاً ويقويها، أمانٌ قادم من الوالدين ومن الإخوة والأعمام والأخوال ومن ثم الزوج والعلاقة القوية المستمرة به ومن الأبناء إن كانوا صغاراً ثم إن كبروا مسؤولين عن أمهم وأبيهم وفاهمين لأدوارهم كرجالٍ مسلمين..

– فكيف يتم سحب كلّ ذلك وإنكاره، بل والتخلّي عن مسؤوليات المجتمع كلّه فيه تحت عناوين أننا نريد “تقوية النساء” و”نخاف عليهن” و”تأمين حقوقهن”!

– كيف يُظَنّ أن خطابنا الذي يحمّل كل المجتمع أدواره يريد تقييد المرأة حين يعيد لها أكبر شبكة دعمٍ وأمانٍ أحاطها ربنا الرحيم بها؟

– فالنقاش هنا ليس عما إذا كان على الفتاة دخول الجامعة والعمل أم لا، قد تدرس علماً نافعاً وقد تعمل بدوامٍ جزئي وقد يكون لها دخلٌ جانبي يتوافق مع وقتها وقد يتأخر زواجها وقد لا تتزوج ويناسبها العمل في مكانٍ أو دورٍ معين… وقد وقد وقد …- لكن النقاش عن الوعي بالأولويات، بحيل الشيطان، بالخطط المرسومة التي نمشي عليها دون وعي، بما نخسره وما نكسبه حين نختار العمل أو عدمه، وهو عن التحرر من خوف الفقر وعن كسر قيد فكرة الأمان بالوظيفة الموهومة!

ولا شك أنني رغم طول المنشور لم أحط بكل جوانب الأمر ولا شك أن الحديث يحتاج تتمة..

أعاننا الله وتقبل..

(( 5 ))

أعرف امرأة تجاوزت السبعين..
لم تدخل جامعة قط ولا كانت لها وظيفة رسمية مأجورة يوماً..
طلبَت بعض العلم وعملَت في الدعوة قليلاً..
أنجبت ست أولاد وربتهم حتى تزوّج آخرهم..

مرض زوجها مرضاً أقعده عن أي عمل، ساءت أوضاعهم المادية إلى حد كبير، حصلت “الكارثة” التي يتوهم الناس أنها ما ينبغي أن تستعد له المرأة طوال حياتها عبر إمضاء العمر في المهنة و”تأمين النفس” وتجميع الراتب..

لكنها في الحقيقة كانت مستعدة للأزمة تماماً، كانت مؤَمَّنةً لأقصى حدٍّ تستطيعه امرأةٌ في وضعها الاقتصادي وفي بلادها..

لم تقع تلك المرأة ولم تضِع ولم تمدّ يدها لأحد!

فكان عندها السند التي بنته في أولادها الرجال الذين وإن لم يكونوا أثرياء لكن كانوا داعمين بما يستطيعونه من وقت وجهد ومال لوالديهم، كانوا سنداً وظهراً ثابتاً فعلاً لأبويهم..

يحملونهم فوق الأرض إن استطاعوا..
يسمعون كلامهم ونصحهم قبل أي قرار..
ويقدّرون أمهم تلك ولا يفرّطون بها مهما كان..
وكان عندها الأمان النفسي في علاقتها الطيبة بزوجها وإن مرِض..

فحدثوني صدقاً.. أهذه امرأة تحتاج الأمان الذي تعطيه الوظيفة؟

قولولي صدقاً.. أتوجد وظيفة في الكون تسأل بالموظف المتقاعد المريض وعلاجه وخدمته وتستمر بتقديره بعد توقف خدماته وسوء صحته؟

كيف تستبدل الأنثى هذه بتلك؟

كيف تُحرَم بشكل ممنهج من هذا الأمان والاستقرار الثابت وبنائه والسعي له في سبيل العمل بشهادتها وتحصيل اختصارات قبل اسمها ورفع راتبها وزيادة سنين خبرتها المهنية أو تطويل سيرتها الذاتية؟

كيف تُضيّق النظرة (حتى الدنيوية) لهذا الحد؟

كيف ننظر إلى برستيج وراحة وحماس لحظيّة بعمل جديد أو جلوس في مكتب أو شعارات نستمتع بها الآن… ونهمل بقية العمر وتتمة الدنيا (قبل الحديث عن الآخرة)؟

– لا أتكلم عمن عملت للاضطرار وهي واعية بأدوارها الرئيسية والتزمت العمل بحدود ذاك الاضطرار..

– لا أتكلم عمن عملت لتملأ وقت فراغها في ضمن وقت الفراغ ذاك..

– لا أتكلّم عمن لم تتزوج بدون تدخّلها في ذلك واستثمرت وقتها في وظيفة مأجورة نافعة ومنضبطة بحدود الشرع…

– لا أتكلم عمن اجتهدت لتسد ثغراً في الأمة وهي توازن بين أدوارها المختلفة وتحاول الإحسان ما استطاعت…

– لا أتكلم عمن تطلب العلم النافع بحسب وقتها المتاح وتنمي مهاراتها…

– لا أتكلم عمن تستثمر عمرها بعدما كبر الأطفال وقلت حاجتهم لها…

لكن أتكلم عن هذا التغيير ببنية الحياة، عن هذا التغيير نحو تصغير الأسر لنعود للعمل، عن تطويل دوامات المدارس، عن الاستثقال من وجود الأبناء، عن الاستخفاف بتربيتهم واعتبارها هامشية، وعن هذه المسافة التي باتت تفصلنا عن فهم أهمية دور الزوجة والزوج ومركزية الأسرة في الإسلام..

أتكلّم عن أثر هذا التفكك الذي رأيته في الغرب بعدما ادعوا تقوية المرأة ودعم تحريرها وفككوا أسرتها وأبعدوا عنها أمان أبويها وإخوتها وزوجها وأبنائها وقالوا لها: افعلي! لا تنتظري أحد، لا تعتمدي عليهم، لا تطلبي منهم، هم يقيدون تقدّمك وتحررك وتحقيقك لذاتك….!

لتصل لذاك العمر فتجد نفسها وحيدةً مع قطتها ومالها في أفضل حال، وفي أسوئه تنتظر معونات الدولة أو مشرّدةٍ أو محتاجة أو سائلة..

وقد رأيت تلك الصور وسمعت من بعض أصحابها ولا أستطيع نسيانها…

سبحان الله.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..

(( 6 ))

طيب وماذا عمن لم تتزوج؟

لا شك أن وقتها المتاح أكبر، وأن دورها الذي تستطيعه وقد تحتاجه منها الأمة في المجال العام أكبر.. وإن عملت فعلاً فقد تصل للاستقلال المادي وإن لم تطلبه..

لكنها تبقى مع ذلك مدعومة ومحمية في منظومة أسرتها من والدها وأعمامها وإخوتها ومن ثم أولاد إخوتها ..

ويبقى لديها الفرصة لإحداث الأثر والرابط التربوي في أولاد أسرتها وفي دائرتها الأكبر والأكبر، فهي جزءٌ من الأمة والفرصة متاحة أمامها، ولديها سؤالها الذي ستحاسب عليه بحسب ظروفها..

وأعرف نساءً لم يتزوجن وكنّ مربياتٍ ومؤثرات فعلاً…

وأعرف رجالاً يحملون مسؤولية أخواتهم غير المتزوجات أو حتى عماتهم وخالاتهم بشكلٍ طبيعي.. وهذا هو الأصل في الوضع الإسلامي الذي نريد إحياءه ونشره بعون الله..

 

 

0

تقييم المستخدمون: 3.92 ( 4 أصوات)

تعليق واحد

  1. الحسن عبدالرحمن تورى

    جزاكم الله خيرا الجزاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *