لماذا يجب الابتعاد عن استغلال الأمور ذات الحساسية الاجتماعية؟

لماذا يجب الابتعاد عن استغلال الأمور ذات الحساسية الاجتماعية؟

لماذا يجب الابتعاد عن استغلال الأمور ذات الحساسية الاجتماعية
مثل الدين والمرأة في الخلافات السياسية بين أبناء المجتمع الواحد؟

بقلم: الأستاذ عدنان أبو بسام

الإجابة بهذا المقال الطويل نسبياً لكنه مهم بما يكفي إن شاء الله لتخصيص خمس دقائق لقراءته مشكوراً/ مشكورةً.

لدى علماء سلوك الأحياء نموذج سلوكي شهير يُعرف بـ “نموذج التصرف الثابت”. وهو نموذج يتضمن حركاتٍ سلوكية تتكرر بنفس الطريقة والتسلسل في كل مرة يتعرض فيها كائن ما لموقف معين ناتج عن عاملٍ مثيرٍ محدد، وتبدو هذه النماذج الموجودة عند الإنسان وبعض الكائنات الأخرى وكأنها مسجلة على شريط فيديو يُعاد تشغيله بشكل متكرر عند تكرار الموقف نفسه والعامل المثير نفسه.

نماذج التصرفات الثابتة اكتسبتها الشعوب عبر مئات السنين، وأصبحت جزءًا مهمًا من تكيفها مع الواقع وهويتها وثقافتها؛ فنحن كعرب ومسلمين، لدينا حساسية عالية تجاه أيّ أذى تتعرض له المرأة، وهذا يدفعنا لنموذج تصرفٍ ثابت يجعلنا نغضب ونتأهب للقتال بل ونقاتل من أجلها عند تعرضها لأيّ أذى لما تمثله من رمزية تتعلق بشرف وكرامة المجتمع.

يحذّر علماء سلوك الأحياء من التلاعب بالنماذج السلوكية الثابتة التي تعتبر جزءًا أصيلًا من ثقافة أي مجتمع؛ لأن استغلال هذه النماذج بشكل متكرر لأهداف سياسية أو شخصية وإدخالها في حالة التصديق والتكذيب والأخذ والرد سينعكس سلبًا على هذه النماذج الهامة.
وقد درس العلماء عدة أمثلة حول التلاعب بالنماذج الثابتة وأثرها السلبي، ومنها دراسة سأشرحها بطريقة مبسطة وممتعة.

لدى غالبية المواطنين الغربيين الذين يعيشون في الدول الغنية المتطورة نموذج تصرف ثابت مبني على حقيقة راسخة في بلادهم، وهي أن تفاوت السعر بين البضائع المتشابهة مؤشرٌ على وجود تفاوتٍ في جودتها، وأن البضائع الأعلى سعرًا غالبًا ما تكون الأكثر جودة، و هذا خلق لدى أغلب المواطنين الغربيين نموذج سلوكي ثابت يدعوهم لشراء بضائع ذات سعر عالٍ في حال أرادوا جودة عالية.

في تسعينيات القرن الماضي، أظهرت دراسة أن بعض بائعي الأحجار الكريمة في الهند فهموا هذا النموذج الموجود لدى الإنسان الغربي، واستطاعوا عبر استغلاله أن يضاعفوا مبيعاتهم وأرباحهم في موسم السياحة عندما ضاعفوا أسعار بضائعهم. نجحت خطة بائعي الأحجار الهنود لأنّ رفع السعر حرك لدى السائحين الغربيين النموذج الثابت الذي اكتسبوه في بلادهم والذي يربط السعر بالجودة.
أقبل السائحون الذين يريدون شراء تذكارات وهدايا قيّمة على شراء الأحجار الكريمة من المتاجر التي ضاعفت سعرها، بينما بقيت معدلات البيع نفسها عند محال الأحجار الكريمة التي لم ترفع السعر رغم أن الأحجار الكريمة الموجودة لديهم هي نفسها الموجودة لدى المحال التي رفعت سعرها.
وفي مطلع الألفية الحالية، وجدت الدراسة المستمرة نفسها أنّ نسبة من السائحين الغربيين القادمين إلى الهند بشكل متكرر قد غيروا من نموذج تصرفهم الثابت القائم على أنّ السعر يتناسب مع الجودة بعد اكتشافهم أن هذا النموذج جعلهم يقعون في المصيدة التي نصبها لهم بعض تجار الأحجار الكريمة في الهند.

ذكرت هذه المقدمة الطويلة نسبيًا بما فيها من معلومات لأقول ما يلي: يجب علينا جميعًا إبعاد الأمور الحساسة اجتماعيًا مثل الدين والمرأة عن صراعاتنا السياسية والشخصية خشية أن تتأثر نماذج التصرفات الثابتة التي طورتها مجتمعاتنا بهدف حماية هذه الأمور الحساسة والحفاظ على قدسيتها. استغلال هذه الأمور وإدخالها في حالة التصديق والتكذيب والأخذ والرد قد يؤثر سلبًا على نماذجنا الثابتة الهامة، ويجعل الناس عند سماعهم لخبر انتهاك شرعي أو اعتداء على امرأة يترددون في تصديق ما يشاع خشية أن يتم خداعهم اعتمادًا على نماذجهم الثابتة كما حدث مع بعض السائحين الغربيين الذين تراجع قسمٌ منهم عن نموذج تصرفهم الدائم في الهند بعد اكتشاف أن بعض التجار يستغلونه ضدهم.

أكتب هذه الكلمات وأنا على يقين أن استغلال هذه الأمور لربما لم يؤثر كثيراً على قدسيتها عند أهل سورية حتى الآن، ولكني أخشى من التالي، وأخشى على الأجيال القادمة من أن تتأثر نماذجهم الثابتة التي توارثوها عن أجدادهم. ولهذا وجب علينا جميعًا أن نعمل على التحذير من التلاعب بها واستغلالها بما يؤثر سلبًا على ثقافة مجتمعنا ومقدساته.

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *