الإمامة والخطابة والخلط بينهما

الإمامة والخطابة والخلط بينهما

قبل أن أبدأ، أتوجه بجزيل الشكر إلى كل خطيب يحترم عقولنا ويبذل جهده في تحضير خطبته لتكون على الوجه الذي يليق بهذه الشعيرة، وكذلك أتوجه بجزيل الشكر إلى كل إمامٍ يراجع حفظه دائما ويبذل وسعه لكي يحسن صوته فيُسعِدنا ويساعدنا على الخشوع في صلاتنا… أما بعد:

فمن الأخطاء الشنيعة التي تضر بآخر أبواب توعية المجتمع والنهوض به، الخلط بين مقامي الإمامة والخطابة في العمل الديني، وما يتطلبه كل منصب منهما، وما يتوقع منه!!

فبينما نتطلع جميعًا إلى إمامٍ حافظ، حَسن الصوت، ملازمٍ للمسجد… يُشعرنا بالسكينة والطمأنينة في الصلاة، يكون أداؤه من أحد المحفزات التي تجعلنا نواظب على صلاة الجماعة…

فإننا بالمقابل نتطلع إلى خطيب حكيم، ذو علم وسَعة إطلاع وفهم، مواكبٍ للمستجدات متابع للمتغيرات، يمتلك مهارات الخطاب الجماهيري، فيستطيع أن يوصل النافع المهم العملي بوقت ملائم مناسب لقصر الوقت المنطقي لخُطبة الجمعة.

ولكننا للأسف ابتلينا بمن يخلط بين المنصبين (جهلا أو عمدًا)، فيشترِطُ تعيين شخصٍ يكون هو إمامًا وخطيبًا في آن واحد!!

فأحجم الكثير من الحكماء والخبراء واسعي العلم مِن أربابِ الرتب العلمية العالية عن شغل مقام الخطابة، لأنهم لا يملكون الوقت لكي يكونوا أئمة في المساجد، وإن كان بعضهم أهلا لذلك حفظًا وتلاوةً، ولكنها مشاغل العلم وأهله ومسؤوليات المسؤول المشغول… فغدونا نسمع خُطبًا لا نعرف لها فكرةً محددةً، ولا هدفًا ظاهرًا، ولا نفعًا قيِّما…

حتى صار بعضنا يقول: استمرار حضور الناس في الكثير من المساجد دليل إيمان هذا الشعب، الذي يجاهد فيه الشخص طيلة مدة جلوسه وهو يسمع لمن لا يستحق أن يُسمع له، ممن لا يُحضِّرون خطبهم، ولا يشعرون بعظيم مسؤولية الخطيب، أو ليسوا أهلا لذلك ولو شعروا بالمسؤولية…

وفي المقابل إذا أخذنا الحالة المعاكسة نرى مسجِدًا عُين فيه شخص واحد بمنصب إمام وخطيب… وقد يكون أهلا للخطابة لا بأس بخطبته، نصلي خلفه الجمعة لتمام السنة بأن يصلي من خطب، ولكنه ليس حافظًا أو ليس ذا صوتٍ ندي… فترى الناس تنفر عن صلاة الجماعة خلفه، فصاحبنا لا يحفظ إلا صفحتين من كتاب الله يرددهم على مسامع المصلين في كل الصلوات الجهرية، بل وفي صلاة التراويح طيلة شهر رمضان!!

ومصيبة المصائب من جمع الضعفين، وأساء في المَقامين، فلا خُطبة تنفع ولا صلاة فيها نخشع… وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وهنا لكم سألت نفسي؛ لماذا في كل المهن بعد توظيف الشخص يطلب منه كل فترة تطوير نفسه، واجتياز دورات واختبارات وما شابه… ولا يطبق ذلك على أئمة المساجد في مجال حفظ القرآن؟!

مثلا توظف من سنتين وهو يحفظ ثلاثة أجزاء… يتبخر نصفهم ولا يراجعهم بدل أن يُطلب اختباره بأضعاف ذلك بعد مضي هذه السنوات!!

#لو_كنت_الأمير

– لفصلت بين المنصبين ولجعلت الأئمة من الشباب حفظة القرآن أصحاب الصوت الجميل..

– ولتخيرت للناس من يليق لأن يُلقي الخُطب على مسامعهم…

– ولركزت على دورات الخطاب الجماهيري للخطباء..

– وعلى دورات الأداء الصوتي للأئمة…

هذا وللحديث تتمة مهمة عن استثمار خطبة الجمعة في صناعة الرأي العام للمجتمع… أتركها إلى الرسالة التالية غدا إن شاء الله لكي لا أطيل عليكم.

 

– – – – – – – – –

خطبة الجمعة وصناعة الرأي العام

تتمةً لحديثي أمس عن خطبة الجمعة أقول:

– لأننا في زمن نفر فيه عموم الناس عن سماع النافع المهم، وقل صبرهم حتى ولو كان الحديث دقائق معدودة…

– هذا بالإضافة إلى ضعف وسائل إعلامنا، وتحكم أعدائنا بوسائل التواصل الاجتماعي… ورواج سوق التفاهة والتافهين عليها.

– ومع أهمية غرس الأفكار والقيم المشتركة كأساس قيمي مشترك للمجتمع بشكل عام، وفي زمن الحرب بشكل خاص…

لكل ما سبق وغيره #لو_كنت_الأمير

– لكنت استثمرت خطبة الجمعة بشكل مناسب لصناعة الرأي العام، ولتبليغ الناس الموقف من آخر المستجدات، محاولا كسر النمطية السائدة…

– وذلك بالمشاركة شخصيا في كل أسبوع باختيار خطبة عامة لعموم البلاد أو لمناطق محددة…

فلخطورة الأمر -لو كنت الأمير- لا أكله إلى مدراء الأوقاف أو وزيرها منفرِدَين، بل في كل أسبوع يجب أن يُشاوَر في ذلك الأمير ورئيس وزرائه، حتى نحقق أعلى درجات الانسجام في المجتمع، وننظم المجتمع كاملا في سلك واحد، وفق الأولويات المناسبة، على ما يرضي الله ورسوله.

– ولذا كان الأصل في خطبة الجمعة أن يخطبها أمير البلاد ويصلي بالناس…

ومن هنا أخذ الغربيون عنا ذلك، فتسمع لرؤساء الكثير من دولهم كلمة أسبوعية (ربما أشهرها كلمة الأحد للرئيس الأمريكي) والتي يضع فيها الرئيس شعبه بصورة أهم المستجدات، ويطلب منهم إقامة ما ينبغي القيام به والتزامه، بعد تبيان الغايات المنشودة والشرور المتوقاة… أو يحدثهم واعظا في موضوعٍ مهم يستحق إثارته على مستوى البلاد عموما.

– ولعل كثيرًا من المشايخ خطباء المساجد قد ينزعجون من هذا الطرح؛ عند الحديث عن الخطبة العامة الموحدة… فقد كنا -ولازلنا- دائما ننفِر عن الخطب الجاهزة، إذ كانت عند الحكومات القمعية، والإدارات التابعة الوظيفية، وسيلةً لتدجين المنابر وتوجيهها إلى تمجيد غير الله… والله تعالى يقول (وأنَّ المساجِد لله فلا تدعوا مع الله أحدا)، هذا فضلا عمّا تؤثر به الخطب الجاهزة سَلبًا على ملكة الخطيب فتحجِّمُ إبداعه وتضعف ملكة الخطابة عنده، إذا كان ممن يقرؤون ما يُرسل إليهم.

والجواب أننا اليوم نتحدث فيما لو كانت المنظومة تغار على المجتمع وعلى دين الله… وحديثنا عن خطب ترسل ويطلب الالتزام بمحاورها الأساسية وأهدافها… وليس لِزاما قراءتها كما هي لمن أحب.

لو كنت الأمير لكان هذا أحد أولوياتي المهمة، لاستثمار آخر وسيلة نشر مازلنا نملك زمامها…

هذا ما بدا لي… والله تعالى أعلم وأحكم.

0

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *