بقلم: إيثار عبد الحق
لأول مرة تشهد سوريا معركة حقيقية وكاملة تشنها مليشيات وقوات تابعة لإيران تدريباً وتمويلاً وقيادة، في غياب شبه تام للنظام، كما تشير المعلومات المتقاطعة القادمة من ريف حوران في الجنوب السوري.
المعركة التي تحاول كبح تقدم “الثوار” نحو ريف دمشق، وتعمل على تشكيل خط دفاع متقدم عن النظام في دمشق، خططت لها وتولتها كلياً قيادات إيرانية، على رأسها الجنرال صاحب السجل الإجرامي “قاسم سليماني”.
ولم تكتف طهران بإبعاد بشار وقادة جيشه عن هذه المعركة التي تزج فيها بمختلف قواها وأسلحتها، بل إنها استبعدت أيضاً جنود هذا النظام، مكتفية بمرتزقتها القادمين من لبنان وإيران وأفغانستان على وجه الخصوص.
ويبدو أن طهران نجحت في الحصول على “إذعان” كامل من بشار، مستثمرة ورقة مقتل القيادي الإيراني الكبير “محمد علي الله دادي”، ونخبة من قيادي مليشيا “حزب الله” في حادث قصف وقع قرب شريط الجولان المحتل خلال الشهر الفائت، ووجهت فيه أصابع الاتهام إلى “إسرائيل” التي لم تقر صراحة بتنفيذه، ثم حاولت القول بأنه كان مجرد “ردّ تكتيكي” على حدث طارئ، ولم يكن عملية استراتيجية تم التخطيط لها.
ويبدو أن عملية مقتل “دادي” وبقية المرتزقة، سهلت على طهران ما كانت تطمح لتحقيقه، وسرعت لها الحصول عليه، كما مكنتها من إقصاء أي صوت ممانع لتمددها في الجنوب السوري، يمكن أن يصدر من ضباط كبار في جيش النظام أو ضباط ميدانيين في الريف الحوراني، يهمهم أن يبقوا الآمرين الناهين في تلك المنطقة، مخافة أن يتلاشى ما بنوه هناك من “بزنس”، وما فرضوه من سطوة حديدية لا “تلينها” إلا الأموال.
ولا شك في أن فساد ضباط النظام، وتقهقر جيشه سريعا أمام ضربات الثوار، مكّن طهران أيضا من فرض أداة ضغط أخرى للحصول على تفويض أو عقد بالتصرف الكلي في الجنوب السوري، لكن الورقة الأهم في الحصول على هذا التفويض بقيت مقتل “دادي”، إذ إنها الورقة التي يمكن “صرفها” و”قبولها” في دوائر القرار لدى الدول الكبرى، وهي التي تجعل “إيران” تقدم بمنتهى الجراة على اقتحام الجنوب السوري تحت سمع العالم وبصره، أما فساد وتقهقر و”خيانات” جيش النظام فهي تبقى “شؤوناً داخلية” لا تعطي إيران ذريعة التدخل العلني في الجنوب السوري، تمهيداً لتحويله إلى جنوب لبناني.
وقد يقول قائل إن إيران ليست بحاجة لذرائع حتى تتدخل في سوريا، فهي متدخلة منذ زمن، وهي لا تحتاج لمبررات حتى تضمن إذعان بشار المذعن لإرادتها أصلاً، ومثل من يأخذون بهذه الأقوال ينسون أن أكبر الدول وأقواها لايمكن أن تقدم على حرب أو تدخل إلا عبر ذريعة، تحدث على الأرض فعلاًـ، أو يتم اصطناعها غالباً، وفي تاريخ الصراعات خلال القرنين الماضيين فقط أمثلة لا تحصر عن حاجة الدول –مطلق دول- إلى ذرائع تبرر أفعالها، عندما يتعلق الأمر بحرب أو اجتياح.
أما بشأن بشار، فهو مذعن تماماً لإيران، ولكنه لا يستطيع أن يتجاوز ضباطه الذين يشكلون بنسبة أو بأخرى عامل اطمئنان وحماية له ولنظامه، ولذلك فإن أكثر القرارات التي يتريث بشار قبل إصدارها هي تلك التي يمكن أن تضر بـ”مصالح” هؤلاء الضباط وتقلص منها، فبشار -كما والده حافظ- يعلم تماماً أن “العصب الطائفي” مهم في ضمان صلابة “النواة”، لكنه غير كاف ما لم يتم دعمه بشبكة “بزنس” يتربح فيها كل ضباط على “مقاسه”.
خلاصة القول: هناك دلائل ومؤشرات، بعضها قد يرقى إلى مستوى الحقائق، تثبت أن إيران ومليشياتها باتوا أصحاب الكلمة الفصل في الجنوب السوري، وأن النظام لم ولن يعود إلى هناك إلا في صورة هياكل خاوية، وأن حوران تخوض اليوم أول معركة مباشرة ضد إيران –إيران فعلياً-، وأن الجنوب السوري لن يكون إلا نسخة أخرى من الجنوب اللبناني، إن استطاعت إيران إكمال معاركها في حوران وتنفيذ خطهها هناك.. مع فرق وحيد هو أن الجنوب السوري يشكل البوابة الواسعة إلى الأردن ودول الخليج!