نصيحتي لزائر معرض الكتاب
من طلبة العلوم الإسلامية
بقلم: الشريف حاتم بن عارف العوني
سألني أحد الطلاب عن نصيحتي لزائر معرض الكتاب، فقلت له: هذا يختلف باختلاف التخصص والميول العلمية أو الثقافية، وباختلاف المستوى العلمي، وباختلاف مكتبته الشخصية: هل هو في بداية إنشاء المكتبة، أم هو ممن جمع أصول الكتب في العلوم ويستزيد فوقها؟
ولذلك سأذكر لكم نصائح عامة لطلبة العلوم الإسلامية، لا تخص أحدا منهم دون أحد:
١- اعتن بمصنفات المتقدّمين في جميع العلوم، فهي مواليد العلوم، ومناجم كنوزها التي لم تُستنفد، وأنقاها علما، وأصفاها تقريرا، وأبعدها عن نقاط الجهل التي أغرقت قطرةَ العلم في بحر الجهل.
٢- العلوم الإسلامية علوم مترابطة، فلا تُغفِل عِلما منها. وأخُص بالذِكر كتب الأدب والشعر والنقد الأدبي، فهي التي تلقنك لغة العرب الأصيلة وأساليب بيانهم التي يفتقر إلى التعرف عليها كل مشتغل بالعلوم الشرعية.
٣- لا تحبس نفسك في مدرَستك التي تنتسب إليها، ولا في مذهبك، فضلا عن شيوخ معينين، لا تكاد تقرأ إلا لهم… اسمح لعقلك أن يتجول في العقول، دعه يتنقّل بين هاتيك الحقول، ليأخذ من كل شجرة ثمرة، ومن كل غصن زهرة. ولا تقبل بالعبودية الفكرية التي يزعمون أنها حماية لك، فهم يسجنونك في سجنهم الكبير الذي يوهمونك أنه حصنٌ لحمايتك.
المهم أن لا تتعجل البتّ في اتخاذ المواقف التي كانت مجالا لخلافات كثيرة بين المذاهب والمدارس والمشارب، قبل نضجك العلمي؛ فإن من تعجل التخندق قبل اتضاح الراية قد يتفاجأ أنه وقع في الخندق الغلط بعد أن لا تنفعه معرفته! أو بعد أن يصبح الخروج من هذا الخندق صعب جدا!!
٤- احرص على أن تكون مواكبا للجديد: من مطبوعات التراث النفيسة، ومن بحوثه العصرية الجادة، ابذل لذلك ما تستطيع من المال، لكي لا تتراكم عليك الكتب التي يجب عليك اقتناؤها، فتكون كمن أخر عمل اليوم إلى الغد، فلا أدى عمل يومه ولا عمل أمسه، لثقل واجباته.
٥- لا تكثر الوقوف عند المكتبات التجارية، التي تطبع الكتب المشهورة، فهذه تضيع وقتك. ولكن تعرف على الدور التي تطبع الجديد، والتي تُعرف بالتحقيقات الجديدة والمؤلفات النفيسة.
٦- هناك مكتبات جاءت من بلدان بعيدة، تنشر منشورات بلدانها، وهذه مهمة جدا، خاصة إذا كانت كتب تلك البلدان لا تصل إلينا إلا نادرا، كبعض مطبوعات المغرب العربي وغيره.
٧- الطبعات الجديدة للكتب التراثية: لا تظن أن كل طبعة جديدة خير من الطبعة القديمة، حتى لو كُتب على غلافها نحو عبارة «قوبلت على عشر نسخ خطية… أو عشرين»، لأن هذا لم يعد مقياسا صحيحا للإجادة، للأسف الشديد، بسبب دخول (سوق) التحقيق تُجار كتب، بلباس طلبة علم، وهم يتأكّلون من التحقيق، بلا مؤهلات علمية تسمح لهم بإحسان التحقيق.
عليك أن تتريث قبل شراء هذه الطبعات إذا كانت لديك الطبعة القديمة، وكانت القديمة طبعة قائمة بالمطلوب غالبا لديك. وقرارك ينبني على عدة أمور، منها: معرفتك المحقق بالإجادة، أو بالعبث، ومرورك على مقدمة التحقيق، هل ذكر فروقا حقيقية بين طبعته والطبعة السابقة، ولا تغرنّك جداول الأخطاء التي تُذكر للطبعة السابقة، فقد يكون جدول أخطاء الطبعة الجديدة (لو جُمع) جدولا أحفلَ وأشنع!
٨- لا تشغل نفسك بالكلام مع من تقابله في المعرض، فوقت المعرض أثمن من تلك الأحاديث الجانبية، التي تسرقك عن الكتب. بعض هؤلاء هم من جنس قطاع الطريق بينك وبين العلم، وهم شاغلوك طوال سنتك، فامنعهم من قطع طريقك للعلم في معرض الكتاب هنا فقط، اكتف بالسلام والمجاملة السريعة ثم امض لِجَنَّة الكُتب، وتنزه في ظلال المعارف.