طهران المستنزفة مالاً ورجالاً ..هل من مفر!؟
يدرك المتابعون للوضع الإيراني في سورية حجم الإوحال الذي لم تقدر طهران عواقبه ، ولم تستعد لتداعياته . إن الذي يصعّب المخرج الإيراني في سورية أكثر هو الانهيار المتسارع لعصابة الأسد على المستويين البشري والاقتصادي . يشعر الإيرانيون اليوم أن بشار الأسد الذي أصبح بلا خيل ولا مال قد ألقى العبء عليهم ووقف متفرجا ، أو حاصد جوائز ممعنا في الادعاء ..
(خمسة وثلاثون ) مليار دولار ما استثمرته إيران في بشار الأسد حتى مطلع العام الحالي ، ويبدو أن ما دفعته لم يكن إلا العربون إلى جانب مئات بل آلاف الأرواح من حساب الولي الفقيه متعدد الجنسيات ( لبنانية وعراقية وإيرانية وأفغانية وباكستانية ..) ولا تزال رحى الحرب فاغرة فاها تسأل : هل من مزيد ..
تناقلت الأخبار منذ ثلاثة أشهر أن الإيرانيين يعيدون تقويم موقفهم في سورية . وتأكد هذا مع إعلان اتفاق الإطار (الأمريكي – الإيراني) حول الملف النووي الإيراني . وبعد هذا الإعلان ، وما اقترن به ، من معركة الإطاحة برستم غزالي ، التي ارتبطت عمليا بحديث عن احتجاج قيادات عسكرية أسدية عن غطرسة إيرانية وحزبللاوية في التعامل معها ؛ ليتم من ثم الإعلان عن إعادة انتشار للقوات الإيرانية والحزبللاوية في سورية ، وأنها ستحصر وجودها في دمشق وما حولها ..
ووقعت الانهيارات الكبرى لعصابات الأسد في هذا السياق في حلب التي تحولت فيها هذه العصابات من الهجوم إلى الدفاع ، ثم في إدلب وجسر الشغور والمسطومة ..
في أواخر الشهر الماضي 4 / 1915 كان وزير الدفاع الأسدي (فهد جاسم الفريج) في طهران ، بعد أن سبقه رئيس الوزراء الحلقي إلى هناك طلبا للمدد والنجدة ؛ ولكن يبدو أن الذين حجوا إلى طهران رجعوا بلا وفاض ، فحدث الانهيار السريع في الليرة السورية حيث تجاوز سعر صرف الدولار 300 ل. س وانهارت عصابات الأسد على كل محور حاربت عليه تقريبا ..
كانت خلاصة زيارة الفريج لطهران وبعد نقاش مع نظيره حسن دهقان أن إيران مستعدة لتعزيز علاقتها مع بشار في إطار مقاومة الإرهاب على محور دمشق – حمص – الساحل..
دون أن ينسى المسربون الإشارة إلى الدفاع عن الجولان ، وواضح أن إقحام الجولان في السياق هو لإعطاء التدخل الإيراني في سورية بعدا مقاوما . وتناقلت الأنباء أن الإيرانيين قالوا للفريج : ما حاجتكم وأنتم في هذا الوضع للدفاع عن حلب وإدلب ودير الزور ..وبحسب الإعلامي الإيراني أمير موسوي فإن العرض الإيراني تضمن ما يلي : تتولى كتائب المقاومة ( متعددة الجنسيات ) حماية دمشق إلى القلمون فحمص ..وينسحب بشار الأسد بقواه الذاتية إلى الساحل وبشكل أكثر تحديدا إلى طرطوس ، وينقل إليها العاصمة الإدارية ولو مؤقتا ..
هذا العرض الذي لم يلق القبول يومها من طرف بشار الأسد يبدو أنه اليوم يعود إلى الواجهة ، بل ويوضع وإن على استحياء موضع التنفيذ ..
فبشار الأسد ينسحب من المناطق الواقعة في الظل ( المهمل ) بلا قتال حقيقي حدث هذا في أكثر من موقع بعد الهزيمة المدوية في مدينة إدلب .
ورغم إعلان حسن نصر الله الإعلامي أنه مستعد للقتال في كل مكان في سورية ، يلاحظ المراقبون أنه لا يظهر بشكل عملي في غير جرود عرسال ، حيث حجم خسائره البشرية متعاظمة ، على الرغم من الانتصارات الميتة التي يتفاخر بها . وهذا يؤكد أنه يحصر حربه في المناطق ( المشمسة ) المتفق عليها . والتي أطلق عليها محور دمشق – حمص – الساحل ..
يحاول سماسرة هذا المحور تعظيم أمره بادعاء أن هذا المحور يشتمل على أكثر من ستين بالمائة من سكان سورية . وهو حديث فيه من السردية الأسطورية الشيء الكثير ..
أولا – بالنسبة للثورة السورية فمن المرفوض أصلا مناقشة مخارج الهروب الإيرانية ، التي شكلت كما أسلفنا محاولة هروب من الهزيمة الماحقة التي غرقت إيران ومشروعها في مستنقعها في سورية وفي العراق . وهذا قبل أن تصل عاصفة الحزم أو الترياق التركي الذي تحدث عنه بالأمس وزير الخارجية التركي .
بالأمس كان وزير الداخلية الإيرانية يتوعد المقاومة العراقية من الاقتراب مسافة 40 كم من الحدود الإيرانية ، وهو تصريح ينم على الخوف الجاد الذي يدب في الأوصال فيدعو إلى تعاون إقليمي صادق لكسر إرادة الشعوب . وفي الوقت نفسه كان قاسم سليماني يعلن عن تشكيل قوة جديدة ، ميليشيا جديدة تحت عنوان ( درع العالم ) ؛ والتصريحان يخدمان الهدف نفسه ..
ثانيا – يتطلب الموقف الاستراتيجي من قوى الثورة والمعارضة في سورية سد الطريق على منافذ الهروب الإيرانية . سد المهارب باستراتيجية عملياتية تقطع الطريق على ما تنقله الأخبار عن حشد بشار الأسد لمزيد من السلاح والقوات في الساحل ..بالسبق إلى هناك وعدم التوقف عند المحطات الجانبية ..
ثم وعلى المستوى السياسي والوطني إسقاط خطاب التخويف الذي يتشارك في بثه اليوم حسن نصر الله وبشار الأسد والتبشير بلا كلل ولا ملل وبكل لسان بوحدة الإنسان والوطن ..
فلابد من العمل الجاد والحازم على إطفاء جذوة أحاديث الثأر والانتقام ، والتقدم بخطاب مبشر ومطمئن ووطني ثم إتباع الخطاب بما يستحق من مبادرات عملية على كل المستويات ..
يبقى أن نختم بالقول لسماسرة التقسيم الذين يرددون بغباء أن محور دمشق – حمص – الساحل يشتمل اليوم على 60 % من الديموغرافيا البشرية السورية …
إن هذا الرقم اليوم هو ما تشتمل عليه المهاجر حول العالم . وأن هؤلاء المهاجرين بجمعهم يعتقدون أن بشار الأسد هو الذي شردهم ودمر عليهم ديارهم . وأن 40 % من السوريين فقط هم الذين يعيشون على الأرض السورية ولكم أن تعلموا أي حجم من هؤلاء تحت ولاية ولي ولي الولي الفقيه سيكون …