المتغيرات الدولية
وفرصة للسوريين
الثوار الأحرار
كنت قد تحدثت سابقا عن أهمية إدراك المتغيرات العالمية من حولنا وضرورة انعتاق نخب الثورة من أسر مصطلحات الماضي وعموميات ماضية قد تكون الفرصة مواتية جدا لنتجاوزها (هذا إن كنا نريد مصلحة بلدنا وأهلنا لا مصالحنا الشخصية الضيقة)…
وقبل أن أكتب طفى إلى السطح بقوة في اليومين الماضيين موضوع التطبيع العربي مع نظام الأسد المجرم، وهو وإن كان مرتبطا بنفس الفكرة ولكني سأتبع له برسالة خاصة…
المهم أنني سأذكر في هذه الرسالة موجزا من أفكار مهمة بسيطة باختصار وببضعة جمل أرى أنها مرتكزات يجب أن نبني عليها، وهو اجتهاد قد يخطئ ويصيب والتوفيق من الله.
١- العالم بعد حرب أوكرانيا ليس هو كما قبلها، واليوم المجتمع الغربي والدول الأوروبية في حالة حرب فعليا مع روسيا وإن كان صدام الجيوش نظريا غير مباشر..
٢- وجود قوة عسكرية منظمة، ومنضبطة في الشمال السوري المحرر، هو محط أنظار واهتمام كل القوى الدولية المتصارعة، وبالذات المعسكر الغربي، الذي لا يريد بالتأكيد أن تتفرد روسيا وتستقر قوة لها على سواحل البحر الأبيض المتوسط..
٣- وكذلك الحال بالنسبة لتركيا التي ترى في حزب العمال الكردستاني تهديدا خطيرا على مستقبل تركيا وأمنها القومي، وهذا التهديد قد يتحول لتهديد وجودي فيما لو وصلت تلك القوى الإرهابية إلى البحر…
أضف إلى ذلك، فرغم كل ما يجري من تناغم بين تركيا من طرف وروسيا وإيران من طرف آخر، فبالتأكيد ليس من مصلحة تركيا أن تكون هذه القوى المعادية تاريخا لتركيا متفردة على طيلة الحدود الجنوبية لتركيا… ما يجعل وجودنا مهما لتركيا، وإن كانت لا تريدنا كسوريين أحرار أقوياء موحدين منظمين لكي تضمن التبعية المطلقة، والانهاء متى حصلت على مقابلٍ مُقنع.
٤- أما عن أمريكا وسطوتها فهي (نظريا) بدأت بالانحسار، وقد يكون العالم فعلا متجها إلى عالم متعدد الأقطاب في مرحلة قادمة، ولكن إلى الآن لازالت الولايات المتحدة الأمريكية هي المسيطرة على مرتكزات القوة الناعمة والخشنة حول العالم…
٥- كل ما سبق يجعل وجود السوريين الأحرار في الشمال احتياجًا للجميع، ووجودهم منظمين أقوياء محط اهتمام المحور المعادي لروسيا… بغض النظر التفاصيل والتوصيفات… التي يمكن تجاوزها عندما تكون مصلحة الدول تصب في ذلك، وإن كنا لا نقلل من شأن التحدي المتعلق بهذا.
٦- أكرر التنبيه بأن حديثنا عن النصف الشمالي من سوريا لأن معادلة النصف الجنوبي من سوريا كلمة السر فيها هي أمن الكيان، وهي فعليا كلمة السر في التمسك بالأسد حامي حمى الكيان الغاصب..
وعليه فالمعادلة بأركانها السابقة الذكر واضح أن مفتاح الاستفادة منها هو بيد السوريين فيما لو استطاعوا تشكيل هذه القوة المنظمة المنضبطة المنقادة لقيادة واحدة بحيث تستطيع أن تفاوض الدول وتلتزم باتفاقاتها… وذلك من خلال حالة تصهر الجميع وتختفي داخل مخرجها المكونات الماضية وبالتالي نتتهي من علائق وتبعات الماضي…
والحقيقة أن القادة المنتفعين من الوضع الحالي لايعول عليهم في تحقيق هذا النموذج الذي سيفقدهم مكاسبهم الخاصة، وهذا وإن كان غير مستغربٍ فمن المستغرب أن النخب المثقفة (نظريا) والتي من المفترض أنها غير منتفعة من الوضع الحالي، (أصلا لا نكاد نرى لها نشاطًا حقيقيًا إلا في العالم الافتراضي)، مع ذلك تساهم في استمرار حالة التشظي من خلال التشبث بأسماء ومسميات وتراشق بصفات وتصنيفات مضت ولم تعد موجودة واقعا، واستدعاؤها الآن لا يخدم سوى أعداء هذه البقعة المحررة ومن بقي فيها من السوريين الأحرار لتسليط ذلك ورقة ضغط وتهديد عليهم…
وبدل أن نساهم كسوريين بفتح صفحة جديدة وحماية ما تبقى بين أيدينا ترى البعض يقدمون أحقادهم الشخصية، وخلافاتهم البينية، مثيرين ذلك دون أن يطرحوا أي حلول واقعية عملية تتلاءم وخريطة توزع القوى الحالية…
وكأن الزمان يجب أن يقف وينتظرهم!!.. وكلهم يتحدثون عن (اللازم) ولا يملكون الجواب عن (كيف) قابلة للتطبيق!!
رياح تهب في مصلحة السوريين، وظروف لو وجد من يستثمرها قد نصنع فارقًا كبيرا لحاضرنا ومستقبل أبنائنا… في ظل تهافت بعض الدول العربية للتطبيع مع الأسد وهذا ما سأذكره في التالي إن شاء الله.
– – – – – – –
تطبيع بعض الدول العربية
مع الأسد!
فيما يتعلق بمحاولات التطبيع والتعويم لنظام بشار الكيماوي من قبل بعض الدول العربية باختصار سأقول ثلاث نقاط تحليلًا لا معلومات، والغاية الفهم لا تبرير الانحدار الأخلاقي القيمي، الذي لا يوجد وزن ولا اعتبار له في سياسة دول الكفر في المنظومة العالمية ومن سار على نهجهم.
أولا: الدول العربية وبالذات المطلة على الخليج العربي تخشى بشكل كبير من أن تكون كبش فداء لأي حرب إيرانية أمريكية إسرائيلية قد تشتعل بأي لحظة، ولذلك تسعى إلى تحييد نفسها ولو بتصفير شكلي لمشاكلها مع إيران…
ثانيا: الدول كلها لديها مصالح متشابكة في الشرق الأوسط وهي بحاجة لمن يضمن مصالحها، وهنا قد يسأل السائل: ماذا سيجلب لها الأسد المنهار؟ فالجواب: قد تكون المنفعة بكف البلى والشرور مقابل ترضية بشيء ما..
ثالثًا: في قلب الشرق الأوسط وعقدة اتصاله، كل الدول تحتاج سلطة مركزية تتفق معها… وبالذات كونه عقدة الطريق البري الرئيسي الواصل بين أوروبا وتركيا من جهة والدول العربية وأفريقيا من جهة أخرى.
وما سبق يحملنا كثوار مسؤولية كبيرة، فمواجهة التطبيع لاتكون بمجرد المظاهرات، ومن شاهدوا أو حضروا المظاهرات الأخيرة التي حصلت منذ يومين وانتبهوا لعدد من حضرها وتفاعل مع الدعوة إليها لعرفوا فورا مدى يأس الشعب من عبثية ما نقوم به دون مشروع جامع تدار فيه بمركزية حربنا على أعدائنا فتدار مركزيا عمليات التخطيط والتنفيذ الأمني والعسكري والسياسي ليفاوض من يستطيع على ما يملكه حقيقة، ليمتلك القدرة على كسر الطوق وخلط الأوراق في الوقت المناسب…
– – – – – – –
عندما لايبقى في محررنا إلا مشروع واحد
عندما لايبقى في محررنا إلا مشروع واحد في مواجهة الأسد المجرم فالواجب على من كان مقتنعا به أن ينضم إليه ساعيًا إلى زيادة عدد المصلحين فيه ليكون عونًا لهم على البر والتقوى وحاجزا دون تغلغل المفسدين في المشروع…
ومن كان مترددًا أو غير مقتنعٍ بالعمل فيه، فلينصح له راجيًا نجاحه لا فشله… أو فليعمل على مشروع جديد (هذا إن ملك الأدوات) يتكامل مع الأول ويتنافس معه بالخيرات والتركيز على هدف الثورة الأساسي.. (مع أن الفرقة عذاب وفتنة).
وحذار أن يكون الهم والجهد في الثاني قائمًا على فكرة محاربة المشروع الحالي الوحيد وإعاقته… لأن محاربة المشاريع التي هي خارج سلطة الأسد المجرم تعني باختصار معاونة الأسد وبقاءه واستمرار حالة التيه الذي نعيشه!!
ولا يعني ذلك ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للمسلمين… ولكن الفرق كبير بين من ينصح يريد الخير ويدعم الإصلاح وبين من يريد تدمير المشروع المتبقي وفشله ليشفي غليل صدره ولو على حساب أهله!!
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.