تتنوع المحرمات السياسيّة وتختلف باختلاف المرحلة، وأخطرُها وأكبرها اليومَ -فيما أرى- ثلاثة.
أولها: أن يشذّ فصيل عن القرار والموقف السياسي الثوري العام الذي تتبنّاه الفصائل الكبرى بالتوافق أو بالأغلبية؛ كأن يتفق الأكثرون على مقاطعة مؤتمر موسكو الثالث، ثم نقرأ في الأخبار أن الفصيل الفلاني خالف وطار إلى موسكو للمشاركة في المؤتمر. هذه المخالفة قد ترقى لأن تكون خيانة للثورة، وهي من المحرَّمات السياسية في المرحلة الثورية الحرجة الدقيقة التي نعيشها في هذه الأيام.
الثاني: أن يعقد فصيل من الفصائل اتفاقاً سياسياً مع طرف دولي مستقلاً منفرداً، بلا مشاورة وتوافق مع سائر الفصائل. لا ريب أن الأفضل هو امتناع الفصائل أصلاً عن الاتصال المنفرد بالقوى الدولية، ولكنّ مثل هذا الاتصال مما لا نملك منعه، فإن أصرّت بعض الفصائل على أن تتصل فُرادى بالدول والمنظمات (وهو أمر مفضول مرجوح لا تُؤمَن أضراره وأخطاره) فإن عليها -على الأقل- أن تلتزم برأي الجماعة ولا تعقد أي اتفاقية منفردة مع أي دولة أو منظمة دولية. إن مثل هذا الاستقلال بالتصرف والقرار خيانة للثورة، وهو من المحرَّمات السياسية في المرحلة الثورية الحرجة الدقيقة التي نعيشها في هذه الأيام.
المخالفة المحرَّمة الثالثة، وهي الحالقة: أن يوافق أي فصيل منفرداً، أو تتوافق بعض الفصائل مجتمعةً، مع القوى الدولية والمجتمع الدولي على ما دون الهدف الأسمى والأعلى للثورة، وهو إسقاط النظام، كل النظام، وليس إسقاط رأس النظام وحلقته المقرَّبة وقادة العصابة الكبار فحسب.
إن نظام الاحتلال الأسدي ليس نظاماً قابلاً للإصلاح الجزئي، ولا يمكن أن يتعايش الشعبُ السوري مع جزء منه “لم يتلطخ بالدم” كما يقولون. إنه نظام مجرم لم يتلطخ بدماء أهل سوريا الشرفاء فحسب، بل هو سبحَ فيها اثنتين وخمسين سنة! وهو نظام طائفي شمولي أمني، وهذا النوع من الأنظمة غير قابل للتجزئة، فهو إما أن يبقى وتبقى المأساةُ والمعاناة، أو يزولَ وتزول.
قد يطول الطريق إذا أصررنا على اقتلاع النظام كاملاً من جذوره، بل لا بد أن يطول، ولكننا سنصل إن شاء الله.
لو أردناه قصيراً لاستسلمنا مساء الثامن عشر من آذار 2011، يوم كان الشهداء أربعة، أو في نهاية الشهر وهم مئة وعشرون، أو في نهاية العام وهم ستة آلاف. ولكنّا لم نفعل لأننا أقسمنا أن لا نقف دون الانتصار الكامل، ولا يكون انتصارٌ كامل وفي سوريا الجديدة نصف النظام أو ربع النظام، ولا أدنى أَثَارة (بقيّة) من النظام. ولا يكون انتصارٌ كامل وفي سوريا الجديدة جهاز أمن واحد من الأجهزة الأمنية المجرمة، بل ولا فرد واحد من أولئك القَتَلة المجرمين.
هذه حقائق يدركها الثوار اليوم وهم يحملون ملف الثورة في المحافل الدولية كما أدركوها وهم يقاتلون النظام على الأرض أربعَ سنين. إنهم يملكون الكثير من الوعي كما امتلكوا الكثير من الجرأة والإرادة والثبات، ولذلك نقول: الثورة إلى خير بإذن الله رب العالمين.