كثيراً ما يجولُ بخاطري أنه لو قُدِّرَ لي أن أكون حاضراً في أحد محافل الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، أو في أي مؤتمر من المؤتمرات الدولية الخاصة ببلدي سورية، لنفثت عن صدري ببعض الأسئلة التي أوجهها لقادة العالم وحكام الدول الكبرى، ولأني أظن أن هذا لن يكون، فإني أتمنى على من يُكتب له ذلك في يوم من الايام أن ينقل لهم هذه التساؤلات، ويضعها بعهدتهم، وأنصحُه أن لا ينتظر منهم إجابة، لأن في الإجابة على هذه الأسئلة إدانة صريحة لهم.
1- اسألوهم: عن شعبٍ حلم بالحرية من قبضة المستبد المغتصب للسلطة، وقام ينادي بشعاراتٍ سلمية، كي يحصل على أدنى حقوق المواطن التي تنادون بها في دولكم، ما ذنب هذا الشعب حتى يُترك للجلاد السفاح، دون أن تتدخل الدول المنادية بحقوق الشعوب لتضع حداً لمجازره وتنزع عنه الغطاء؟
2- اسألوهم: أشهرٌ خمسة من بداية عمر الثورة ولم تسجل حالة إطلاق نارٍ من قبل المتظاهرين الذين ازدحمت بهم ساحات الوطن من درعا إلى حمص وحماة وإدلب وغيرها، ألم تكن كافية كي ترفع الحصانة والاعتراف عن هذا المجرم السفاح الذي قابل سِلميتهم بالرصاص الحيّ والمدافع والدبابات؟
3- اسألوهم: ماذا كنتم تتوقعون من شعبٍ طالب بحريته بكل سِلمية فقوبل الرصاص والاعتقال والإهانة والتعذيب، هل كنتم تتوقعون له أن يستمر في هذه السِّلمية أمام الدبابات إلى ما لا نهاية؟ أم تريدون له أن يُنهي ثورته ويعود إلى بيته كما فعلتم بثورة مصر؟
4- اسألوهم: لماذا كذبتم على هذا الشعب، حين طالبتم الجلاد بالرحيل، وقلتم إنه فقد الشرعية وأن أيامه باتت معدودة، ثم إذا بكم أنتم من يثبّت حكمه، وأنتم من يعترف بأنكم لا تسعون لإسقاطه، وأنتم من تمسكتم بشرعيته الزائفة في التمثيل الدولي، والاعتراف بمؤسساته، علماً أنه لا يسيطر إلا على أقل من ربع البلاد؟
5- اسألوهم: لماذا ادعيتم صداقة الشعب السوري وثورته، ثم تركتموه دون حماية من طيران الأسد وبراميله، بل دون أن تمنعوا عنه قدوم مليشيات الغدر الإيرانية المجوسية، والطائرات الروسية التي راحت تلغ في دمائه دون رقيب أو حسيب؟
6- اسألوهم: بماذا دعمتم هذا الشعب؟ ببعض التصريحات التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، في الوقت الذي دعمه حلفاؤه بالسلاح والمال والمقاتلين؟ ببعض الوعود الكاذبة حول التسليح النوعي؟ وأصدقاؤه يدعمونه بأحدث الأسلحة وأشدها فتكاً بالشعب والبنية التحتية؟
7- اسألوهم: لنفترض جدلاً أن حبيبكم الحمل الوديع ” بشار” لا علاقة له بكل ما يجري من مذابح وصراعات في سورية؟ ألا يستحق أن يُحاكَم كرئيس متسلط فاشل أرعن، أوصل بلاده إلى حالةٍ من الدمار لم يعرفها التاريخ الحديث؟
8- اسألوهم: لماذا صمتّم عن إيران وهي تفاوض بدل النظام، وتعترف علناً بمشاركتها في القتال إلى جانبه، ثم ها أنتم تشركونها في مؤتمرات الحلّ؟ ألم تكن منذ مدة أحد اقطاب محور الشر؟ ما الذي تغير؟ أم أنها مصالحكم على حساب دمائنا؟
9- اسألوهم: تدّعون محاربة داعش، وهل قامت داعش بربع ما قام به النظام من جرائم؟ وهل داعش في الأصل إلا صنيعة هذا النظام، الذي أوصل البلاد إلى حالة من انسداد الحل وغياب المنطق، مما ساعد على ظهور داعش والتحاق الشباب المُحبَط بها؟
10- اسألوهم: تدّعون محاربة داعش وأنتم تعلمون أنه لا يمكن القضاء عليها إلا بالقضاء على رأس الإرهاب المتمثل ببشار وعصابته وزمرته وأجهزته القمعية وضباط أركانه المجرمين، فلماذا التحايل على إبقاء من لا تزول داعش إلا بزواله؟
11- اسألوهم: تدّعون دعم المعارضة والثوار، ولم ترَ المعارضة منكم إلا الوعود الكاذبة، وما سربتموه من سلاحٍ لها، لا يكفي للدفاع عن النفس في معارك بدائية، وقد طالبوكم مراراً أن أي دعم لا يتضمن حظراً جوياً أو مضاداً للطائرات لا يعدّ دعماً حقيقياً، إنما هو لإطالة أمد الصراع؟
12- اسألوهم: سمحتم لروسيا بإفشال محاسبة النظام على جرائمه الكيماوية التي كانت تشكل خطوطاً حمراء لديكم، وعندما رأت منكم الصمت والكذب في الوعود، راحت تشارك النظام في مجازره أمام أعينكم، ومن عجيب تآمركم معها أنكم تعترفون أنها تجنبت قصف داعش وراحت تقصف الفصائل والمدنيين؟
13- اسألوهم: تريدون معالجة هجرة مئات الآلاف إليكم، وتدّعون مساعدة ملايين المهجرين إلى الدول المجاورة، وتتباكون على مأساتهم، وأنتم تعلمون أن كل هؤلاء ينتظرون منكم قراراً بالتخلي عن بشار كي يعودوا أدراجهم إلى بيوتهم وتنتهي محنتهم؟ فلماذا تتجاهلون سبب معاناتهم؟
14- اسألوهم: كيف يمكن لنا أن نصدّق أن هذا النظام المتهاوي المتهالك، أنه هو من يمنعكم عن فك الحصار عن بلدات كثيرة في سورية تموت جوعاً، من الغوطة إلى داريا واليرموك والزبداني؟ وهل عجزت طائراتكم التي ألقت السلاح للميليشيات الكردية الانفصالية أن تلقي قليلاً من الغذاء وحليب الأطفال للمحاصَرين؟
15- اسألوهم: في أي قانون دولي يحترم حقوق الإنسان أو حتى الحيوان، يُسمح لمجرمٍ معتوه أن يستلم شعبه بالبراميل المتفجرة ليل نهار، فيدمر المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ويدمر المشافي والمساجد والمدراس، ويقتل مئات الآلاف من المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ ثم تقف الدول عاجزة عن إيقاف جرائمه، ويقف مجلس الأمن والناتو بأساطيله متفرجاً يدّعي العجز عن لجم إرهاب السفاح الأرعن؟
16- اسألوهم: للآن تدّعون أنكم لا تعرفون من قام بمجزرة الكيماوي، وفي ذات الوقت تدّعون معرفتكم بتفاصيل التنظيمات والتشكيلات وتوجهاتها وأيديولوجياتها بل وحتى مكالمات قادتها، فأين ذهبت أقماركم الصناعية، وأين أجهزة التنصت والتصوير؟ وأين لجان التحقيق وجمع الأدلة وتوثيقها؟
17- اسألوهم: تدّعون الاعتراف بالمعارضة وأنتم للآن لم تمنحوها اعترافاً بمقعد سورية في الأمم المتحدة، ولا اعترافاً بمؤسسات التعليم بل وحتى جوازات السفر؟ وتفضلون الاعتراف بتلك التي تتبع للنظام المجرم، وأنتم تدعون محاربته؟ فأي نفاق وكذب بعد هذا؟
18- اسألوهم: تباكيتم على النازحين الهاربين إليكم عبر البحار، وقد أخبركم هؤلاء أنهم ما جاؤوا إلا هرباً من مجازر بشار وزبانيته، فلماذا تتجاهلون وجوب الإسراع بالإطاحة به، ثم تتباكون على هؤلاء النازحين؟
19- اسألوهم: تتتبعون عثرات الثوار من هنا أو من هناك، وتتغاضون عن مجازر جماعية موثقة يقوم بها النظام وحلفاؤه من المليشيات الإيرانية في الحرس الثوري ومليشيات حزب اللات، ومؤخراً مجازر روسيا ضد الشعب، بل وتتجاهلون مصير عشرات الآلاف من السجناء الذين تغصّ بهم سجون النظام، ويتعرضون لأقسى أنواع الإهانة والتعذيب والاغتصاب والتصفية؟ ولا تعرف منظماتكم إليهم سبيلاً؟
20- اسألوهم: ألا تستحون أن تقولوا اجتمعنا وقررنا أن تكون سورية علمانية أو غير ذلك؟ ألا يستحق هذا الشعب بعد كل هذه التضحيات أن يقول هو كلمته كيف يريد دولته؟ أليست قواعد الديمقراطية تقول هكذا؟ أم أنها حلال عليكم حرام على الشعب؟
نعم اسألوهم وامضوا ولا تنتظروا الجواب، فهو إما سيكون كذباً مفضوحاً، وإما اعترافاً بأنهم هم السبب الأكبر في مأساة الشعب، وما بشار إلا هيكلٌ تسترت من ورائه أحقادهم.