دروس من الزلزال
لا تحصى دروس وعبر الزلزال، لكني على المستوى الشخصي، لم يغب عني منذ حدوث الزلزلة قوله تعالى: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) الحديد: 23
– – – – – – – –
🎯 آياتٌ فهّمَنيها الزّلزال ( ١ )
✍️ الشيخ أبو معاذ زيتون
أيّها الأكارمُ هناكَ آياتٌ في كتابِ الله طالَما سمعتُها وقرأتُها، لكنّي لم أفهمْ حقيقةَ معناها إلّا بعد وقوعِ هذا الزّلزالِ الذي نجّانا اللهُ منه برحمتِه.
الآيةُ الأولى: *(أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)* [النمل ٦١].
فقد جعلَ اللهُ سبحانه استقرارَ الأرضِ وثباتَها وعدمَ اضطرابِها دليلًا على ألوهيّتِهِ واستحقاقِهِ العبادةَ وحدَهُ دونَ سواه، ولولا أنَّ هذا الاستقرارَ عظيمُ الأثرِ في الوجودِ ما مَنَّ اللهُ به على عبادِه ولا حدّثَهم عنه..
فهل كان منّا من يستشعرُ نعمةَ استقرارِ هذِه الأرضِ بنا قبل حدوثِ هذا الزّلزال، وكيف كنّا لنعيشَ لو بقيتِ الأرضُ مضطربةً تهتزُّ على الدّوامِ، وهي التي في هزّةٍ لم تتجاوزْ دقيقةً واحدةً حصدَت من الأرواحِ والبنيانِ ما لا زِلنا عاجزينَ عن إحصائِه؟!
فسبحانَك ربّي ما أعظمكَ!!
نستغفركَ عن غفلتِنا
– – – – – – –
🎯 آياتٌ فهّمنيها الزّلزال ( ٢ )
✍️ الشيخ أبو معاذ زيتون
وَمن الآياتِ التي أرشدني الزّلزالُ إلى فهمِ حقيقةِ معناها، قولُهُ تعالى:
*(قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)* [الجمعة ٨].
فما الذي دفعَني أنا وملايينُ السّوريّينَ إلى أن نقصدَ السّكنَ على الحدودِ التّركيّةِ إلّا الفرارُ من الموتِ تحتَ قصفِ النّظامِ المجرم؟
وما الذي حدا بملايينِ السّوريينَ إلى أن يسكنوا المدنَ التّركية التي كانت مركز الزّلزالِ إلّا الفرارُ من الموتِ بالطّريقةِ نفسِها؟
أفرأينا كيف لاقانا الموتُ في تلك المناطقِ والمدنِ التي ما كنّا لنسكنَها لولا الفرارُ من الموتِ؟!
وطالما أن الفرارَ من الموتِ لا يُجدي نفعًا، أفلا يجدرُ أن نختارَ هدفًا آخر هو بالتّأكيدِ أنفعُ، وهو أن نحسنَ الأعمالَ التي سينبّؤنا الله بها يوم الرّجوع المحتومِ إليه؟
اللهم إنّا نعوذُ بكَ أن نلقاكَ بما فيه سَخَطُك، ونسألُك التوفيقَ لرضاك.
– – – – – – –
🎯 آيات فهمنيها الزلزال ( ٣ )
✍️ الشيخ أبو معاذ زيتون
كذلك من الآياتِ التي أوقفني الزّلزالُ على حقيقةِ معناها قولُه تعالى:
*(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ..)* [النساء ٧٨].
فإنّي شاهدتُ أكثرَ من مات في هذا الزّلزالِ كانوا في العماراتِ الطّابقيّةِ المدعّمةِ بالأعمدةِ، والمشيّدةِ المحصّنةِ المنيعةِ فيما لو قيسَت بغيرها من المساكن.
وشاهدتُ في المقابلِ بيوتًا صمَدَت ونجا من فيها، وَهي واللهِ أهشُّ وأضعفُ من أن تقاومَ عُشرَ ذلكِ الاهتزازِ الذي حصل، بل واللهِ لقد رأيتُ بعينيّ جدرانًا كثيرةً لا يسندُها شيءٌ، ويخشى المارُّ بقُربِها في الأحوالِ العاديّةِ أن تسقطَ عليه، لكنّها ما زالت على حالها لم تسقط ولم تتصدّع، مع كونها لا تبعدُ إلّا قليلًا عن مواقعِ الهدمِ والانهيار.
ألم يكن كلُّ من قضى في تلك البناياتِ يحسبُ أنّه في مأمنٍ من الموتِ تحتَ الهدم؟
نعم، فلربّما خطر ببالِ أحدهم أن يموتَ بأيّ طريقةِ إلّا أن ينهارَ به ذاكَ البناءُ الذي ظنّهُ حصينًا.
فسبحان من لا عاصمَ من أمرِهِ ولا رادَّ لما قضاه.
– – – – – – –
🎯 آياتٌ فهّمنيها الزّلزال ( ٤ )
✍️ الشيخ أبو معاذ زيتون
وممّا أوقفني الزّلزالُ على حقيقةِ معناهُ من الآياتِ قولُهُ تعالى:
*(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)* [النمل ٦٢].
فجميعُ من راعَهُ الزّلزالُ في تلكَ السّاعة صاحَ من أعماقِ قلبِهِ مُستنجدًا باللهِ وحدَهُ، وما علِمتُ أنّ هناك من أهلِ العقولِ من يطمعُ أن يُثبّتَ بنا الأرضَ غيرُ اللهِ، لا عند تلكَ الزّلزلةِ الشّديدةِ، ولا فيما تلاها من هزّاتٍ ارتداديّةٍ لم تتوقّف حتّى السّاعة.
☝️ وهذا إقرارٌ من الجميعِ أنَّه لا يقدرُ على قضاءِ الحاجاتِ العظيمةِ ولا على كشفِ الكرُباتِ الجسيمةِ إلّا اللهُ.
فمَا أسرعَ ما غفلَ الكثيرون عن هذا، وما أسرعَ ما انقطعَت أطماعُ الكثيرين عن جودِ الكريمِ العظيمِ، فأوقفوا الدّعاء، وعطّلوا الرّجاءَ، وتحوّلوا بحاجاتِهم إلى بشرٍ يستصرخونَهم، وإلى منظّماتٍ ومؤسّساتٍ يستجدونها ويستنجدون بها.
وإنّه والله لن يقدرَ على سدّ الحاجاتِ التي خلّفها الزلزالُ إلّا الذي أوقفَ الزّلزال بقدرتِه.
فلنتعلّق باللهِ وحدَه ولنسألهُ هو سبحانه أن يسخّرَ لنا من عبادِه من يسعى في حوائجِنا.
“إذا سألتَ فاسألِ الله وإذا استعنت فاستعن بالله”.
– – – – – – –
🎯 آياتٌ فهّمنيها الزّلزال ( ٥ )
✍️ الشيخ أبو معاذ زيتون
كذلك من الآياتِ التي أوقفَني الزّلزالُ على حقيقةِ معناها قولُه تعالى:
*(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ كِتَٰبًا مُّؤَجَّلًا)* [آل عمران ١٤٥].
فقد رأينا في هذا الزّلالِ آياتٍ عظيمةً لا يقدرُ عليها إلّا الله، أطفالٌ وشيوخٌ وعجائزُ أُخرجوا أحياءً بعد أيّامٍ مرَّت عليهم وَهم تحتَ الرُّكامِ.
لم يكنْ أحدٌ يتصوّرُ أنّهم ما زالوا أحياء، فقد أحاطَت بهم كلُّ الأسبابِ الجالبةِ للموتِ، من الخوفِ إلى البردِ إلى انعدامِ الماءِ والغذاءِ إلى ضيقِ التنفُّسِ إلى فقدانِ القدرةِ على الحركةِ، لكنَّ اللهَ سلّمَهم، لأنَّ آجالهم لم تأتِ بعدُ، فيما ماتَ في أرضِ اللهِ وفي الآونةِ ذاتِها ألوفٌ ممّن لم يمرَّ عليهِ أيُّ شيءٍ من تلكَ الظُّروف؛ بل ماتَ في الآونةِ ذاتِها من كانَ محاطًا بكلِّ أسبابِ الرّعايةِ والحمايةِ والوقاية.
وصدق ربّي جلَّ في علاه:(فإذا جاءَ أجلُهم لا يستأخرونَ ساعةً ولا يستقدمون).
– – – – – – –
🎯 آيات فهمنيها الزلزال ( ٦ )
✍️ الشيخ أبو معاذ زيتون
كذلك من الآياتِ التي دلّني الزّلزال على حقيقةِ معناها قولُهُ تعالى:
*(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ)* [النحل ٢٦].
وإنّ ما حصل يومَ الزّلزالِ إنّما هيَ أسقفٌ خرّت على ساكنيها بعد أن ارتجّت الأرضُ بقواعدِها، فتصدّعت تلك القواعدُ ولم تحتملْ شدّةَ الاهتزاز أكثر من دقيقتينِ على أبعد تقديرٍ.
فهل تصوّرنا أيّها الأحبابُ ما الذي كانَ سيحصلُ لو جعلَ اللهُ هذا الزلزالَ أقوى من تلكَ الدّرجةِ التي سجّلَها؟!
وهل تخيّلنا حجمَ الدّمارِ والمقاتلِ التي كنّا سنواجهُها لو طالَ زمنُ الزّلزالِ بضعَ دقائقَ؟!
فأيُّ لطفٍ من الله حفَّنا حينَ ثبّتَ اللهُ بنا الأرضَ عندَ ذلكَ الحدّ؟
وأنا أعوذُ بوجهِ اللهِ أن يكونَ ما نزلَ بنا عَذابَ انتقامٍ منّا، وأسألهُ سبحانه أن يكونَ ذلكَ كفّارةً لِذنوبنا وَرفعًا لدرجاتِنا؛ لكن علينا أن نتذكّرَ أنّه ليسَ كلُّ من هلكَ في ذلكَ الزّلزالِ كانوا مسلمينَ، وأن نستحضرَ أنّه لا يأمنُ مكرَ اللهِ إلّا القومُ الكافرون.
– – – – – –
🎯 الزلزال ودروس في التأسيس والبناء
✍️ كتبها: محمد بادي (أبو ظلال)
☝️مما علمتني تجربة الزلزال الأليمة:
– أن صرف الجهود لتأسيس وتخطيط البناء هو أهم عامل مؤثر في صموده ولا عبرة للديكورات والدهانات.
-أن قاعدة البناء يفترض أن تكون هي الأكثر قوة وتمكيناً وتسليحاً.
-في التأسيس والبناء يجب أن يأخذ بالحسبان أصعب الظروف وليس فقط الظروف الاعتيادية والمتوقعة.
-أن توزيع الثقل على العناصر المتعددة المتوسطة الكفاءة، خير من المخاطرة بالاعتماد على عنصر وحيد قوي وإن علت كفاءته.
-أننا لا نفقد أعزاءنا بسبب الزلازال، بل بسبب ضعف أبنيتنا أمام قوة الزلازل!!
– – – – – – – –