سمعت كثيراً من الإخوة يردد العبارة التالية: لا تخافوا إنّ الثورة السورية ستنتصر لو اجتمع العالم كلّه عليها؛ لأننا في بلاد الشام، والله قد تكفّل بلاد الشام، وبشرنا بالنصر فيها، وبارك لنا فيها، وأمّنها من الفتن…
وهذا الخطاب الديني منتشر ليس فقط عند العوام من الناس؛ بل عند كثير من طلبة العلم والمثقفين…
لكنّ السؤال الذي يخطر على الذهن: أليس هذا الكلام صحيحاً!؟
نقول: نعم هذا الكلام صحيح، وقد نطق به القرآن الكريم، وورد في صحيح السنّة النبوية العطرة…
إذن أين المشكلة!؟
المشكلة أن نكتفي بهذا الكلام، لأنّه يمثل نصف الحقيقة، ومن يكتفي بأنصاف الحقائق لن يصل إلى أهدافه مهما طال الزمن. فالذي يوصلك إلى أهدافك هي الحقائق الكاملة.
ونضرب على ذلك مثلا عاشه أهل بلاد الشام في سوريا:
فسوريا التي هي أرض مباركة بنص القرآن وصحيح السنّة النبوية تعيش منذ عام 1970م إلى هذه اللحظة تحت حكم علماني طائفي يحارب الله ورسوله، ويقتل البشر والطير وحتى الحجر…
فكيف حدث ذلك وهي أرض موعودة بالنصر والتمكين…!؟
حدث ذلك لأننا أخذنا بنصف الحقيقة الذي هو خصوصية بلاد الشام، وغفلنا عن نصف الحقيقة الآخر..!!
فما هو نصف الحقيقة الآخر!؟
هو السنن الكونية التي وَضع نُظمها ربّ هذا الكون، وأنزلها في كتابه، وفصّلتها سنّة نبيه عليه الصلاة والسلام.
والسنن الكونية هي قوانين وضعها الله، فمن أخذ بها نجح، ومن تجاهلها أو حاربها هلك، وهي عامّة لكل البشر، ولا تحابي أحداً…
ومن هذه السنن (القوانين):
1 ـ من يتق الله سيجعل له مخرجاً.
2 ـ من ينصر اللهَ، ينصره اللهُ.
3 ـ من يُعرض عن الله، يعش حياة ضنكة.
4 ـ الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس.
5 ـ من يُذنب يُعاقَب ويُسلّط عليه العذاب.
6 ـ لا نصر مع الفرقة.
7 ـ من يطلب الدنيا بصدق يعطيها الله له، ومن يطلب الآخرة بصدق يعطيها له.
والقائمة بالسنن الإلهية طويلة، لكن ما يهمنا أن نقوله هو: إنّ من يخالف القوانين الإلهية لن ينجح ولو كان هناك خصوصية في الزمان أو المكان.
وبالتالي ابتلانا الله بأشد أنواع العذاب على يد آل الأسد هذه العقود الطويلة؛ لأننا كنا ومازلنا نخالف سنن الله، ولم ينفعنا أننا نعيش في بلاد الشام المباركة.
وقد يستمر عذابنا عشرات السنين إن لم نعد إلى السنن الإلهية..!!
والمؤمن الحق هو الذي يأخذ بكامل الحقيقة ولا يكتفي بنصفها.
وقد علّمنا رسولُ الله هذه الحقيقة بأقواله وأفعاله، فقبل غزوة بدر وعد الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم بالنصر، وكان عليه الصلاة والسلام يحدد لأصحابه مواقع قتلى كبار المشركين…لكن هل اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بهذا الوعد وجلس وصحابته الكرام ينتظرون هلاك أعدائهم!!؟
لا على الإطلاق؛ بل لم ينم الليل وهو يدعو الله بالنصر، وشاور صحابته في خطة المعركة، فرسموا خطة محكمة، ورتب الصفوف…وبهذا يكون عليه الصلاة والسلام أخذ بكامل الحقيقة، وهنا جاء النصر، وجاءت المكافأة بأن أرسل الله الملائكة تقاتل مع المسلمين…
وفي أحد رغم خصوصية وجود الرسول عليه الصلاة والسلام – وهو أعظم من خصوصية بلاد الشام – مع الصحابة في أحد، خسروا المعركة؛ لأنّ بعض الصحابة رضوان الله عليهم خالفوا السنّة الإلهية..!!
فالحقيقة نصفان: نصف قلبي وهو أن تجزم بصدق وعد الله ووعيده ومعيته… والنصف الآخر سلوكي، وهو مرتبط بالأسباب أو بتنفيذ السنن (القوانين) الإلهية.
فمن هنا نقول: نحن في أرض مباركة (نصف الحقيقة)، لكن لو تركنا السنن الإلهية (النصف الثاني للحقيقة) فلن ينصرنا الله أبداً، ولا يغرّننا أننا نعيش في بلاد الشام، أما لو تمسكنا بسنن الله فهنا يجتمع النصفان وننتصر نصراً يختلف عن نصر الآخرين؛ وذلك لتدخّل معيّة الله في أرض مباركة مع أناس ربانيين، فلا تستغرب هنا أن تتدخل الملائكة لتقاتل معك، ولا تستغرب أن يكون عندك يرموك جديدة وحطّين جديدة…
فكم هو جميل يا إخواني أن يكون خطابنا الديني واقعيّا متكاملا، فلا يُصغّر الكبير، ولا يُكبّر الصغير، بل يكون خطاباً يتميّز بالعدل الرباني…
فنسأل الله الكريم لبلاد الشام المباركة رجالاً ربانيين يحترمون سنن خالقهم، وأن يكون على أيديهم النصر المبين…