بقلم: كامل الخطيب
نعم، كُلفة الثورة السورية كانت عالية. لكنها في طريقها لتحقيق مستويات من الدين والتحرر لم تخطر على بال شباب يناير في مصر أو الياسمين في تونس أو شباب اليمن في 2011، تلك النقطة التي عادوا إليها بعينها بعد سنوات يبكون زمان الرومانسية الثورية الجميل!
سوريا، هي الثورة الوحيدة التي تسير بخطى ثابتة في طريق كسر قيود الهيمنة الثلاث (المحلية، الإقليمية، الدولية)، فقد واجهت “الجيش العربي السوري”، ففسّخته وشققته وهزمته في 2012، ثم واجهت إيران مباشرة، على الأرض وعلى طاولات المفاوضات، فهزمتها في 2015، وهذا مشهد تحرر إقليمي واضح، واستمرت وواصلت تقدمها بالرغم من التقلبات المزاجية للخليج وتركيا وانتقائيتهم في الدعم لفصائل دون غيرها، وهذا مشهد تحرر إقليمي آخر. ثم ها هي اليوم قد ورّطت القوى العظمى كلها وأتت بخيرة سلاحها إلى سمائها المباركة، كل يحاول إنقاذ حلفائه المتداعين أمام ضربات المجاهدين، فمجرد اقتحام روسيا وأمريكا للتنّور الشامي بأهداف مختلفة: هو عين الدليل على خروج سوريا الكامل عن سيطرة النظام الدولي، وتحرك جهادها خارج الإطار المرسوم تماما!
كما تمثل اليوم أحد المشاهد التاريخية التي يبرز فيها الإسلاميون باذلين خيرة كوادرهم، بل يفقدون أجيالا كاملة من القادة دفاعا عن المستضعفين، ما يعطى فكرة الجهاد شرعية شعبية لم تكن متوقعة بعد الربيع العربي!
كما أن تسليح الثورة السورية هو الذي صيّرها “أفغانستان القرن”، فقد تجيّشت الأمة في الشام، وللمرء أن يتخيل المكسب التاريخي بنقل بؤرة الجهاد ضد القوى العظمى من أطراف العالم الإسلامي (أفغانستان) إلى قلبه وأرض ملاحمه وخلافته التاريخية (الشام)!
أنت تجاوزت بعشرات المراحل هتافات “مش هنمشي..هو يمشي” في ميدان التحرير! أنت تتحرر هناك تحررا حقيقيا!
نحن إذن نتحدث عن مستوى مختلف تماما من النجاح، لابد أن يؤخذ بالاعتبار حين الحديث عن الكلفة.
هذا علاوة على ضربها لخندق واضح بين من يوالي الدين والأخلاق ، وبين من يوالي الكفر والبغي ولو بالصمت. ولا أدل على ذلك من هذا المثال الذي يمكنك القياس عليه: الموقف المصري من الثورة في 2013 مثلا، الذي كان خافيا على أغلب الخلق، والموقف اليوم بعد التورط الروسي، الذي هو الدعم المعلن للغزو الروسي الذي يحارب “الإرهاب”. وما ذلك إلا لأن لهيب الثورة ولظاها طال الجميع وورّط الجميع، بحيث فرض عليهم اتخاذ الموقف الذي يراه محققا لمصالحه. وهذا أحد أبرز مشاهد النجاح: أن تجبر الجميع على اتخاذ موقف حيالك، ولو مضاد لك، لأن الكل صار يدرك أن مجرد صمته: خسارة!
لقد قال مجرم مصر حين سئل منذ أيام: (ما موقفك من بشار الأسد؟)، قال: (الخطورة أن تتلقى الجماعات “المتطرفة” دفعة معنوية في المنطقة كلها بسقوط الرئيس بشار الأسد)
ما الذي يدفعه إلى أن يكون الدولة العربية الوحيدة التي تعلن تأييدها رسميا لضرب روسيا للشام، مع ما في ذلك من مخاطرة سياسية؟
هذا لأنه إن خشي مبارك سقوط ابن علي قيراطا، فمجرم اليوم يخشى سقوط الأسد أربعة وعشرين قيراطا، لأنه يدرك أن كلفة الربيع العربي السلمي لا تقارن بكلفة الجهاد الشامي، وبالتالي ما سيفرزه الجهاد الشامي من لهيب على المنطقة كلها أشد لظى على زمرة الطغيان ألف مرة من الربيع العربي!