1- الثورة السورية تتعرّض لمؤامرة كونية. نعم، هذا صحيح، بل هو حقيقةٌ لم نكن بحاجة لوصول حاملات الطائرات الروسية والصينية ولا لنزول قوّاتٍ برّية أجنبية على الأرض السورية لإثباتها. ببساطة: لأنها حقيقةٌ قامت عليها مئاتُ الأدلّة في خمس سنين. ثم ماذا؟ فَلْنشجبْ وَلْنستنكرْ ما شاء الله لنا أن نشجبَ ونستنكر، وما يضرُّ سارقَ الإبل أن نُشبعَه شتماً وقد أَوْدى بالإبل؟
لا، لا يهمنا أن نعدّد أعداء الثورة ولا أن نشجب العدوان، إنما يهمنا أن نعرف الخطر الأكبر لنعالجه قبل فوات الأوان، يهمنا أن نتعرف على أشدّ الأعداء ضرراً، لنتّقي ضررهم قبل أن يُودوا بالثورة ويوردوها موارد الهلاك والخسران.
2- لم يعد أعداء الثورة الكبار مجهولين بعدما كشفَتهم آلافُ الكتابات الثورية المنثورة في مئات المواقع والصفحات.
إن أكبر أعداء الثورة هم قادة الثورة، هم قادة الفصائل الذين مزّقوا جسم الثورة وفرّقوها شَذَر مَذَر، الذين حوّلوا الجيش الواحد القادر على مقارعة العدو إلى مِزَق وجُذاذات لا قِبَل لها بهزيمة العدو، الذين استلموا الثورة براية واحدة خضراء فآلَتْ بين أيديهم إلى ثورات متنازعات برايات مختلفات الألوان والأشكال والنقوش. الذين قال لهم الله “لا تَفَرّقوا” فقالوا بل سنتفرق يا ربَّنا في سبيلك! وكذبوا وضلّوا السبيل، فليس يُتوصَّل إلى طاعة الله بمعصية الله، ولا يكون رضا الله بمخالفة أمر الله، ولا شيء -وقد حمي الوطيس والتقت السيوف بالسيوف- أوجبُ وأحبّ إلى الله من نبذ الخلاف ورَصّ الصفوف.
إنما هي أهواء النفوس وحب المناصب وتلبيس إبليس، يقول لكل واحد منهم: أنت خيرٌ منهم ومنهجُك خيرٌ من مناهجهم، فلا تثقْ بقيادةِ أحدٍ سواك فأنت المُلهَم الموهوب الذي لم تَجُد الأقدارُ بمثله في ألف عام، ولا تنزلْ عن منهجك لمناهجهم فإنك على الحق المفرد والصراط المستقيم، وكلهم تائهون عن الحق ستأكلهم النار.
3- لقد كشف القومُ اليومَ عن الورقة الأخيرة، قال أعداؤنا: جئناكم جميعاً وأنتم شتى، فأنّى نُهزَم وكيف تَغلبون؟ ونحن نقول لقادة الفصائل: ليس لثورة الشام إلا واحدة من نهايتين: أن يقودها المتفرقون إلى الموت، أو يقودها المتحدون إلى الحياة. ونحن نرفض أن يقودنا المتفرقون إلى الموت، فلُمّوا الشمل أو انصرفوا عن ثورتنا ودعونا نُكمل العمل الذي بدأنا به قبل أن تسمع بكم أذنُ الزمان وقبل أن تُروَى أسماؤكم في صحائف الأخبار.
ما يزال بعض الناس يحلمون بأن يُجمع ثوارُ الشام الرأيَ على قائد عسكري عبقري وقائد سياسي ألمعي، وإنه لأملٌ أكثرُ خرافيةً من طائر العنقاء الذي ورد ذكره في الأساطير. ليس عندنا في الشام هذا القائد الفَذّ الفرد الذي ليس له من جنسه مثال، لأن سوريا حقلٌ مزروع بالملفوف (الكُرُنْب)، كلها رؤوس.
4- لن تنجح دعوة إلى اجتماع القادة على رأس منهم، ولكنْ يمكن أن تنجح دعوة لجمعهم على “مجلس رؤوس”، مجلس عسكري رئاسي يُنتخَب قائدُه بالاقتراع، على أن يُعاد الانتخاب مرةً كلّ ستة أشهر، فمَن لم ينجح في إثبات نفسه وقدرته وتميّزه في هذه المدة ولم يغيّر واقعَ الثورة العسكري فإنه لا خيرَ فيه ولا يستحق التمديد، فإذن يُستبدَل به غيره. وليجرّبوا الحلاقة برؤوس هذه الشعب المسكين حتى يجدوا الحلاّقَ الحاذق، فإنّ تجربة ستة أشهر أو ستَّتَين أو ثلاث سِتّات خيرٌ من تجربة خمس سنين وراءها خمسٌ أُخَر، ثم ما لا يعلم عددَه من الخمسات إلا الله.
ويجب على “المجلس العسكري الأعلى” أن يقيم أفرادُه جميعاً في منطقة آمنة في المناطق المحررة أو في الجنوب التركي، حتى لا يتعرض للاسئصال الكامل على يد داعش أو على يد النظام وحلفاء النظام. وأن تُتّخَذ قراراتُه بالشورى والأغلبية المُلزمة، وأن يبقى في حالة انعقاد دائم حتى انتصار الثورة، وأن يكون على تواصل دائم مع القيادات الميدانية على الأرض على مدار اليوم في جميع أيام العام.
وقل مثل ذلك في العمل السياسي. ثم ليَنشَرْ المجلسُ الإسلامي مظلّتَه فوق مجلسَي القيادة، العسكري والسياسي، ويكُنْ لهما المرجعيةَ الأخلاقية والشرعية، لأن العلماء الثقات هم صِمام الأمان للعمل الثوري، وهم القوة المعنوية المحايدة الضابطة لمسار الثورة بإذن الله.
5- هذا إنذار أخير، وما بعدَ الإنذار إلا النار والإعصار. ليس الإنذار همساً يهمسه كاتب هذه الكلمات، فمَن هو؟ وليس رَعداً يُرعده الشعب السوري الأبيّ العظيم الذي يستحق -قطعاً- خيراً من هؤلاء القادة. الشعب الذي قيل له “قدِّمْ” فقدّمَ بغير حساب، الذي قيل له “اصبِرْ” فصبَرَ بلا حدود، ثم ابتُلي بقادة قيل لهم “اتحدوا” فقالوا: لا نتحدُ لئلا نفقد المناصب والمكاسب والنفوذ والهيلمان!
لا، ليس الإنذار مني ولا من أحرار سوريا الكرام، بل هو إنذار تقرعه طبولُ المحاربين الآتين من وراء الحدود حتى لَيَصمّ الآذان، يقول لكم يا قادة الفصائل: عمّا قليل لن يبقى منكم أحد، ستَغْدون -إذا بقيتم متفرّقين- ذكرى باهتةً تُروَى في كتاب التاريخ، وسوف تلعنكم الأجيالُ كلما قرأت كتبَ التاريخ الأجيالُ الآتيات.