حين أعود بالذاكرة إلى تلك الأيام التي غطيت بها الغزو السوفياتي على أفغانستان وما تعرّض له الجيش الأحمر يومها من إذلال على يد المجاهدين الأفغان ومن ناصرهم من المسلمين شعوباً ودولاً، ثم ما تابعناه من إذلال للجيش الأحمر في الشيشان، أتفهم تماماً اليوم هبّة القيصر الروسي فلاديمير بوتين الذي يريد أن يرد على ذلك الإذلال الساحق الماحق الذي لحق بقواته، ولكنه ربما لم يقرأ درس أفغانستان الحقيقي كونه كان مشغولاً بالتجسس على أوربا وألمانيا تحديداً، وما داعش والشام إلاّ سبباً وذريعة للغزو الروسي الحقيقي، فالهدف الرئيسي من وراء هذا الغزو الفاضح على الشام هو تركيا و الخليج بشكل عام والمملكة العربية السعودية بشكل خاص التي وقفت يومها إلى جانب المجاهدين الأفغان بكل قوتها..
لن ينسى الروس أن من فتّت الاتحاد السوفياتي ومن مرّغ أنفهم في الوحل الأفغاني هم المجاهدون أولاً وداعموهم، ولذا ربما سمح الأميركيون للروس أن ينتقموا ممن فعلوا ذلك ما دام الانتقام لن يطالهم بشكل مباشر، وما دام الانتقام سيدفع ثمنه غيرهم، ولذا فإن قشرة الموز التي ربما قد ألقتها أميركا لروسيا في سورية لتنزلق بسببها بأتون حرب مدمرة عليها، لن يكون الخروج سهلاً منها، كما كان في أفغانستان لأسباب ومعطيات كثيرة أولها البعد الجغرافي الذي بحاجة إلى دعم لوجستي بعيد المسافة، بالإضافة إلى الرنين التاريخي للشام في العالم الإسلامي وهو ما سيعني أن المغناطيس الشامي وشهده وعسله سيجذب من دبابير العالم الإسلامي ما يُنسي الروس ويلات أفغانستان..
يتحرك القيصر الروسي اليوم بدوافع عقدية إذ أن عقيدة الأرثوذكسية الروسية التي تتخوف روسيا من استبدالها بعقيدة بروستانتية أوربية، هذه العقيدة مهدها بالشام، وبالتالي فلا ينبغي أن يُستبعد البعد الإيديولوجي للتحرك الروسي بالإضافة إلى البعد الاقتصادي، إذ تتحكم الشام بممرات الغاز والنفط الخليجية المنافس الأساسي لطاقة روسيا ..
من الصعب الجزم فيما إذا كانت ثمة خلافات وتباينات كبيرة بين روسيا وإيران إزاء الملف السوري، لكن اللافت هو الكذب الروسي المفضوح في أن نشر قواتها بالساحل السوري يهدف إلى محاربة داعش، بينما الكل يعلم أن مركز زلزال داعش في العراق والشرق السوري، وبالتالي فإن كانت روسيا جادة بالأمر كان عليها أن تنشر قواتها في العراق المحكوم من قبل الثنائي خامنئي ـ أوباما، وكلاهما من المفترض أن يرحبا بهكذا تحرك..
لوضع الأمور في سياقاتها ونصابها لا بد من الإشارة إلى زيارة قائد فيلق القدس قاسم سليماني إلى موسكو ولقائه وزير الدفاع الروسي ورئيس الاستخبارات العسكرية الروسية بحسب المصادر الأوربية وهو ما نفته المصادر الروسية كالعادة، تبع هذا زيارات لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ووزير خارجية العصابة في دمشق وليد المعلم، ثم زيارة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو للتنسيق من أجل الإبقاء على طاغية الشام، وهو ما يعكس توسعة محور المقاومة والممانعة ليضم الكيان الصهيوني، ما دامت المقاومة والممانعة منذ البداية لمقاومة وممانعة استعادة الشعوب لحريتها وكرامتها..
الآن وقد خرجت القطة من الكيس كما يقول المثل الإنجليزي لا بد أن تعي الدول العربية والخليجية تحديداً، ومعها تركيا أيضاً التي كتبت عنها بالأمس، من أن المخطط الروسي ـ الإيراني المدعوم أميركياً وغربياً يستهدفهم جميعاً، وما لم يُصار إلى تحرك حقيقي وسريع على المستوى الشعبي أولاً ثم على المستوى الرسمي فإن قصة الثور الأبيض والأسمر والأسود ستتكرر، وديبلوماسية تبويس الأيادي وتقبيل الرؤوس ليرضى قيصر الكرملين لم تعد تجدي، وإنما ستغريه أكثر، وسيفهم منها على أنها ضعف وخور…
الشعوب العربية والإسلامية معبئة إزاء الإجرام الروسي والإيراني، وهي عبارة عن برميل بارود حقيقي، بحاجة إلى فتيل لتشعله الحكومات والفعاليات الشعبية والحزبية الوطنية من أجل تلقين موسكو وطهران درساً في الصمود والتحدي، بعد أن ظنتا أن تاريخ العدوان والغزو والإجرام بمقدورهما أن تُعيدانه، والمطلوب المسارعة إلى عقد مؤتمرات وتركيز الخطب الشعبية والخطابات الدينية والوطنية على مخاطر الغزو الروسي وأبعاده المحلية والعربية والإسلامية، وأهداف الحلف الجديد الذي يشمل إيران وروسيا و”إسرائيل” لوقف حرية الشعوب واستقلالها الحقيقي.