لأزمة اللاجئين مع بعدها الإنساني أبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية والديمغرافية وهي تتعلق بحاضر الأوطان ومستقبلها .
وهكذا تحول الأخوة الفلسطينيون الخضر نقاط استناد لمستقبل مشروع أمة تكاد تخسر كل معاركها.
لقد غابت الحكمة عن الموقف الوطني من التسرب السكاني وراء الحدود منذ أول أيام الثورة السورية . كما غاب المسئول وضاعت المسئولية . ورغم كثرت الطوافين والطوافات في فضاء الثورة السورية والمتحدثين باسمها من الممسكين بقرارها ؛ لا تكاد تجد شخصا يعترف بصراحة أنه كان مسئولا عن موقف أو عن قرار.
ومع الاعتراف بالدوافع الإنسانية والأمنية والاجتماعية لمتوالية اللجوء التي استجرت حتى الآن أكثر من نصف الشعب السوري خارج وطنه ؛ إلا أن التوجيه الجمعي المدروس والمبرمج ظل غائبا . كما غابت معه الاستراتيجيات العملية الداعمة للتثبيت والتشبث بالبيت والحي والأرض . وهي استراتيجية كان يجب أن تعتبر أن كل مواطن سوري باق في بيته في أي جزء من الأرض السورية هو حصن ودرع ،وربما هو في مرحلة قادمة جسر أو رأس رمح . بل إن البعض راح يشكك في المواطن الذي ما يزال يسكن في مناطق يسيطر عليها النظام ، مطالبا باعتباره عدوا وهدفا وهذا فيه ما فيه من الحيف والجنف وانحسار الوعي .
لقد أدى غياب القائد الفعلي عن الساحة السورية ، وتخلف القوى الحية من المعارضة عن القيام بواجبها ، إلى هذا النوع من الفوضى في الرؤية والموقف وبالتالي في التصرف والسلوك العام …
كلنا يدرك اليوم أن بقاء هذه الملايين الهائمة على وجوهها ، أو التي تقضي أيامها سدى في مخيمات لجوئها ، على أرضها وفي ديارها كان سيشكل أولا عامل ضغط أساسي متعدد الأبعاد على نظام بشار الأسد وعلى المجتمع الدولي معا .
وكان سيشكل ثانيا ماء أو هواء تسبح أو تتنفس فيه الثورة ورجالها وكان سيساعد على تطور أساليب المقاومة وتعدد أساليبها .
وكان سيشكل ثالثا مصدرا لمدد غير محدود للثورة على المدى القريب والبعيد . في إطار ما يخطط له المجتمع الدولي من التراخي الزمني لإعطاء بشار الأسد زمنا أطول لقتل السوريين .
وكان – بقاء السوريين على أرضهم – سيشكل رابعا وهذا هو الأهم الضمانة الواقعية لإحباط أي حل سياسي ستحاول القوى المتآمرة على الثورة أن تفرضه على ثورة سورية وشعبها في حال غياب أكثر أصحاب المصلحة الحقيقية عن الوطن وتفرقهم في البلدان أيدي سبا…
إن حياة الهجرة واللجوء هي أقرب إلى حياة التيه . التيه الذي عاشه بنو إسرائيل بأمر الرب حتى استثقلوا أن يُطعموا المن والسلوى . ومع أن اللاجئين والمشردين السوريين اليوم لا يأكلون المن والسلوى إلا أن لغة التشكيك والشكوى والتذمر باتت تنطلق منهم أكثر مما تنطلق من القابضين على الجمر في داخل الوطن . وكما تقول العامة ( الفاضي بيعمل قاضي ) فقد تحول أكثر هؤلاء مع الأسف إلى ناقمين على الثورة والقيادات العملية على الأرض ، في دوامة من القيل والقال يسهر عليها جنود مجندة لكل استخبارات الشر في العالم ..
إننا ومن موقع الرؤية الاستراتيجية ، ومن خلال الحلول الدولية المطروحة ، نرى في الهجرة من سورية ، في إطارها العام وليس في بعدها الفردي ؛ نوعا من التفريط التاريخي لا يقل مأساوية عن اللجوء الفلسطيني في يومه . ويجب أن نعترف أنه قلما عاد لاجئ عزيزا إلى وطنه …
إن ما نسمعه اليوم من تصريحات القادة الدوليين من محاولات استيعاب مد المهاجرين وتوطينهم وليس إزالة أسباب هجرتهم وتحويل المعركة من معركة مع بشار الأسد إلى معركة مع ما يسمى تنظيم الدولة ( راجع تصريحات : بوتين – كاميرون – أولاند – ومن قبل أوباما – ودخول مصر على خط بعض المعارضات السورية ) يؤكد لنا أن المجتمع الدولي مستعد أن يتعامل مع المهاجرين السوريين كلاجئين لا أن يعيدهم إلى وطنهم كمواطنين . وهو مخطط يجب أن يكون لنا دور في كشفه وفي إحباطه …
إن أحاديث التغيير الديمغرافي في سورية أصبحت حقيقة ذات مصداقية على ضوء ما نقرأ ونتابع . إن هوية السواد العام في سورية هي الهوية المرذولة والمتهمة والمستهدفة على كل المستويات . وإن المؤامرة مستعدة أن تتعاون مع كل الهويات الفرعية لكسر شوكة هذه الهوية والحد من تفوقها الكمي والكيفي …
إن الوضع التعبوي والاستراتيجي على الأرض بعد أن انهارت أو تضعضعت الكثير من التشكيلات لأسباب كثيرة منها غياب العقيدة الصلبة والقيادة الجامعة تفرض علينا جميعا أن نبادر لتدارك ما يمكن تداركه ..
إن على الهيئات والتشكيلات الأقوى والأقدر على اتخاذ المواقف وإطلاق المبادرات أن تبادر إلى إطلاق مبادرة عملية مدروسة ومنضبطة للعودة الجماعية إلى سورية .
ستكون المبادرة سباحة ضد التيار ، ودعوة إلى إعادة صخرة برميثوس إلى رأس الجبل ؛ ولكن من قال إن العمل السياسي هو دائما بسهولة انسياب الماء في المنحدر ؟! المبادرة ضرورة من ضرورات العمل الوطني ، وضرورة من ضرورات تأمين الثورة السورية حالا ومستقبلا ، وضرورة من ضرورة حماية هوية الشعب السوري الديمغرافية والثقافية والإعراض عنها بدعوى مشقة تبعاتها فكيف كتب علينا ربنا ما هو كره لنا وقال (( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ )) .
ولتذليل الطريق أمام التصورات والآليات للخطوات العملية نقترح في هذه الدعوة بعض الصوى والعلامات …
أن تبادر مجموعة من رجال الرأي والفكر ومن شباب العزائم والهمة إلى تبني المبادرة عمليا بأن تعلن أنها ستكون على رأس المستجيبين والداعين .
استهداف شريحة الرجال في مطلب العودة من شيوخ وشباب . وعذر العوائل إلا لمن يتطوع منهم
التكفل بمستوى من العيش الكريم للعائدين وفق معادلة من توظيف جهود المعنيين منهم في كل المجالات المتاحة ..
تبدأ المجموعة المتطوعة إلى طرح المبادرة في الإعلام ، وتسوقها بما يلزم ، وتؤكد على معاني الجهد الإيجابي في البناء الوطني …
تسجيل الشكر الدائم للدول المضيفة على ما قدمت وتوجيه العقل السوري والضمير السوري نحو الوطن والعودة والأمل والمستقبل من منظور وطني يجمع ولا يفرق..
التعاون مع المؤسسات الدولية المعنية في هذا الشأن ، لتثبيت المقيمين ودعم العائدين .
أيها السوريون …
لن يقدم لكم أحد وطنا كما تتطلعون إليه على طبق من ذهب . وطنكم إن لم تعودوا إليه لتحموه وتبنوه فأخشى أنكم لن …..
وحسبنا الله ونعم الوكيل