تخيل لو زادت قدراتك العقلية
بسبب وجود التحيزات المعرفية يقع الإنسان في العديد من الأخطاء في تفكيره فقد يقع تحت تأثير العاطفة في قرارات خاطئة (التحيز العاطفي)،
وبسبب تأثير قناعاته المسبقة قد يصبح شخصاً يصعب تغييره وتطوره (التحيز التأكيدي)،
وبسبب أمنياته وأحلامه قد يصدق من يبيعه الوهم ويتعرض للخداع (تحيز التمني).
أكرر كثيراً في دورة التحيزات المعرفية أن هذه التحيزات جزء من العقل الإنساني ويستحيل التخلص منها، لكن يمكن التعامل معها بشكل جيد مما يجنب صاحبها الكثير من المشاكل.
لكن ماذا لو تخلصنا منها تماماً!؟
ماذا لو أن الله خلقنا بعقل آخر لا تحيزات فيه؟
أو لو أن العلم تطور وصار قادراً على تخليصنا منها!.. فأصبحنا كائنات منطقية تماماً لا تخطئ في تفكيرها ولا تضعف.
للوهلة الأولى ظننت أن هذا سيجعل الإنسان أكثر قوة وسعادة، لكن بعد التفكير وجدت أن الحياة ستكون جحيماً بدون هذه التحيزات!
لنضرب مثالاً بالتحيز العاطفي، تخلص البشر منه يعني أن لا تؤثر عاطفتك على تفكيرك وأن تتخلص من ضعفك هذا، ستصبح كائناً منطقياً تماماً بدون اعتبار لمشاعر الآخرين وظروفهم، لن تضحي من أجل من تحب، لن ترحم من تقدر عليه، لن تفعل أموراً استثنائية لمن تحبهم بحيث لا يكون الدافع لذلك إلا الحب.
لن تستطيع أن تتعامل مع حالات حزنك وقلقك ورغبتك في أخذ قسط من الاعتزال عن الدنيا ومشاغلها.
لن تستطيع أن تحزن على أمور من الماضي لأن الحزن من الناحية المنطقية خطأ، لكنك بدون حزن لست إنساناً!
ولو أنك تخلصت من تحيز التمني فلن يعود للأحلام والطموحات أي معنى وتأثير، سيخبو معنى الأمل في داخلك، ستبقى حبيساً لواقعك المرهق ولن يخفف عنك تحيز التمني وطء الحياة، لن تصدقه حين يقول لك: سيكون الغد أفضل، ستنجح في مشروعك هذا… الخ
لن تستطيع أن تبالغ في السعادة بإنجاز صغير، لن تستطيع أن تتخيل أنه سيصبح في المستقبل أعظم وأعظم.
لو كان التفكير المنطقي يريك الحياة بشكل واضح جداً باللونين الأبيض والأسود، فإنك تحيزاتك ونقاط الضعف في تفكيرك هي التي تملأ الحياة ببقية الألوان.
الأمر الغريب أن تكون سعادة الإنسان وإنسانيته لا تتحقق إلا بضعفه.