كان الشعبي، نديم الخليفة عبد الملك بن مروان، كوفيا تابعيا جليل القدر، وافر العلم.
حكى الشعبيّ قال: أنفذني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم.
فلما وصلتُ إليه جعل لا يسألني عن شيء إلا أجبته.
وكانت الرسل لا تُطيل الإقامة عنده، غير أنه استبقاني أياماً كثيرة، حتى استحثثتُ خروجي.
فلما أردت الانصراف قال لي: من أهل بيت الخليفة أنت؟
قلت: لا، ولكني رجل من عامة العرب.
فهمس لأصحابه بشيء، فدُفعتْ إليّ رقعة، وقال لي: إذا أدّيتَ الرسائل إلى الخليفة فأوصلْ إليه هذه الرقعة.
فأديت الرسائل عند وصولي إلى عبد الملك، ونسيت الرقعة.
فلما خرجت من قصره تذكّرتها، فرجعتُ فأوصلتُها إليه.
فلما قرأها قال لي: أقال لك شيئاً قبل أن يدفعها إليك؟
قلت: نعم، قال لي: من أهل بيت الخليفة أنت؟ قلت لا، ولكني رجل من عامة العرب.
ثم خرجت من عند عبد الملك، فلما بلغتُ الباب ردّني، فلما مثلت بين يديه قال لي: أتدري ما في الرقعة؟
قلت: لا. قال: اقرأها.
فقرأتها، فإذا فيها: “عجبتُ من قوم فيهم مثل هذا كيف ملّكوا غيرَه!” فقلت له: والله لو علمتُ ما فيها ما حَمَلتُها، وإنما قال هذا لأنه لم يَرَك ( ولو خبرك لكان أشد أعجابا بك ).
قال عبد الملك: أفتدري لم كتبها؟ قلت: لا.
قال: حسدني عليك، وأراد أن يُغريني بقتلك.
فلما بلغت القصة مسامع ملك الروم قال: ما أردت إلا ما قال!
من كتاب “وفيات الأعيان” لابن خلكان.
قلت: [فليفهم بعض السفهاء أن الغرب عندما يمتدح بعضاً منا ويذم البعض الأخر إنما يريد بذلك ان يغري الممدوح بالخيانة ويغري المذموم بقتل أخيه ]