القوة والفكرة
لابن خلدون فصلٌ نفيسٌ في المقدمة عن أن الدولة إنما تقوم على أمرين: القوة والفكرة أو بلفظه: السيف والقلم.
وذكر فيها أن حاجة الدولة إلى السيف تكون أكبر من حاجتهم إلى القلم في لحظات التأسيس، وكذلك في لحظات الانهيار.
بينما حين يتمهد لها الأمر، فتكون حاجتها إلى القلم أعظم.
ثم وجدتُ هذا المعنى يدندن حوله المفسرون عند تفسيرهم لقول الله تعالى تعقيبا على مقالة ملكة سبأ ((إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة))، فعقَّب الله تعالى بقوله ((وكذلك يفعلون)).
فصدَّق الله قولَها، وفي تفسيره قال المفسرون: “أهانوا شرفاءها وكبراءها لكي يستقيم لهم الأمر”، وجاء هذا عند الثعلبي والبغوي والقرطبي والبيضاوي والنسفي وغيرهم.
وقال شيخ الأزهر المراغي: “ليتم لهم المُلْك والغلبة، وتتقرر لهم فى النفوس المهابة”.
وتعمق الزمخشري في تحليل صدور هذا القول عنها، فقال: “أرادت: وهذه عادتهم المستمرة الثابتة التي لا تتغير، لأنها كانت في بيت الملك القديم، فسمعت نحو ذلك ورأت”.
وكرر كلامَ الزمخشري النسفيُّ وأبو حيان وابن عجيبة وغيرهم.
وخشي الزمخشري أن يستعمل ملك مستبد هذه الآية ليبرر لنفسه استباحة الحرام، فقال بأن من استباح حراما كفر، ومن احتج لظلمه بهذه الآية فقد جمع كُفرين: كفر استباحة الحرام، وكفر تحريف القرآن.
وجاء في تفسير القشيري تفصيل، يقول:
“تغيير الملوك إذا دخلوا قرية- عن صفتها- معلوم، ثم ينظر.. فإن كان الداخل عادلا أزال سنّة الجور، وأثبت سنّة العدل، وإن كان الداخل جائرا أزال الحسن وأثبت الباطل.
هذا معلوم فإنّ خراب البلاد بولاة السّوء، حيث يستولى أسافل الناس وأسقاطهم على الأعزة منهم.
وكما قيل:
يا دولة ليس فيها … من المعالي شظيه
زولى فما أنت إلّا … على الكرام بليه
⚡️وعمارة الدنيا بولاة الرّشد، يكسرون رقاب الغاغة، ويخلّصون الكرام من أسر السّفلة، ويأخذ القوس باريها، وتطلع شمس العدل من برج شرفها.