النجاح الأكبر لأي سياسي هو الحاكم الخائن!
هذا المكسب العظيم والكنز النفيس تهون أمامه أية مكاسب أخرى، ذلك أنك تمتلك البلد دون أن تتكلف لها حربا ولا تبذل فيها مالا ولا تتحمل عنها أية خسائر!!
بل إن مقاومة الناس للاحتلال الأجنبي هي أشد قوة وبسالة من مقاومتهم للحاكم الوطني الخائن، فمجرد أنه من بني جلدتهم وينطق بألسنتهم يجعل الأمر مختلطا ومشوشا ومثيرا للحيرة!!
هذه #الحرب_الروسية_الأكرانية مثال جيد على هذا؛ ومنها تفهم لماذا يكون فناء الملايين وخراب البلاد أيسر وأهون على قلب الغرب من أن يذهب حاكم مثل بشار، أو السيسي، أو حتى حفتر!
هذه روسيا لم تدخل إلى المذبحة التي تخسر فيها رجالها ومعداتها وتُكوى فيها من العقوبات الاقتصادية إلا لأنها خسرت العميل المناسب في أوكرانيا.. فعبر مزيج من الثورات “البرتقالية” المدعومة غربيا، ومساخر الانتخابات، استطاع الغرب أن يجذب أوكرانيا من النفوذ الروسي.. ومع الفشل الروسي في اغتيال الرؤساء المقربين من الغرب مثل فيكتور يوشتشنكو وحتى زيلينسكي، وفشلها في حسم الانتخابات لصالح رجالها، فقد اضطرت لأن تخوض الحرب.. مرة في 2014 بالاستيلاء على القرم، وهذه المرة أيضا.
قبل ذلك، كان يكفيها أن يكون لديها رجل تابع لها في سدة الحكم.. فيكفيها القتال والحروب والخسائر، ويعمل بما تمليه مصالحها!
مثال آخر: هذه الشيشان المسلمة، التي أذلت الوحش الروسي إذلالا كاد أن يقترب من الإذلال الأفغاني.. لولا الخيانة!!
هذه الخيانة هي التي ساعدت روسيا في اغتيال قادة الشيشان -السياسيين والعسكريين- ثم ساعدتها في تنصيب عميل لهم في الشيشان، أحمد قديروف، ثم الآن ابنه رمضان قديروف.. فماذا كان؟!
سحق العملاء بقايا القوة الشيشانية التي أذلت الروس وحررت الشيشان من قبل، وأشد من ذلك، أنهم استطاعوا تجنيد هذه القوة لتعمل في صالح الروس.. وها هم الشباب الشيشان لا يجدون مفرا من التجنيد الإلزامي القسري الذي يُلقي بهم في أتون معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فتسيل دماؤهم فداء لصراع طرفه العدو الروسي من جهة، والغرب من جهة أخرى.
ذات المشهد يتكرر في سوريا وفي ليبيا، حيث بشار وحفتر يعملان على إمداد بوتين بالشباب السوري والليبي ليخوض له معركته، ويكون وقودا فيها!!
وغدا إذا طالت الحرب واحتاج بوتين أو احتاج الأمريكان والغربيون، فسترى الشباب المصري والأردني والعراقي والجزائري والمغربي مسحوبا ليهلك في هذه الحرب.. ستعمل آلة الدولة “الوطنية” (جدا) على تجنيد هذه الشعوب كعبيد يهلكون في حروب القياصرة الجدد!!
ولا تتصور أني أبالغ.. وإن كنتَ في شك فافتح أي كتاب في تاريخ الحرب العالمية الأولى أو الثانية لترى مذابح المسلمين من المصريين والهنود والمغاربة والأفارقة وهم يهلكون أرتالا في حروب لا يعرفون لماذا قامت وكيف تنتهي، بل لا يعرفون أسماء هذه البلاد التي يحاربون فيها أصلا!!
لقد كانوا يحتلوننا، نعم.. ولكن هل نسيت أنهم كانوا يحتلوننا عبر الحكومات “الوطنية” (جدا)، وأن هذه الحكومات “الوطنية” (جدا) هي التي سحبت الناس من حقولها وقراها وحواريها بل ومن كهوفها وأدغالها وبواديها لكي تعطيهم هدية سائغة للأجنبي المحتل؟!!
نعم.. لقد جرى تجنيد شعوبنا في هذه الحروب على يد آلة “الدولة” “الوطنية” (جدا).. عبر هذه الدولة ودفاترها وسجلاتها ومخبريها وخفرائها ورجال شرطتها وجيشها وحكامها المحليين سيقت مئات الآلاف والملايين حتى استلمهم المحتل حشودا مجموعة في معسكراته.. نعم، نعم، لا تستغرب ولا تتفاجأ، هكذا فعلت فينا هذه “الدولة” “الوطنية” (جدا) التي يجتهد المغفلون للحفاظ عليها وعلى مؤسساتها!!!
لذلك لن تجد مكسبا أكبر لدى السياسي من قدرته على تنصيب الحاكم الخائن على بلد ما.. إنه الحل السحري الذي يصل به إلى كل المكاسب دون أن يتكلف أية خسائر!
إن سلطة عباس أهم لدى إسرائيل من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي! ومثل ذلك السيسي في مصر وعبد الله في الأردن وبشار في سوريا وآل سعود في بلاد الحرمين… إلخ!!
وهذا يفسر لك لماذا تتكهرب العواصم جميعا حين تشتعل الثورات أو تتهدد هذه الأنظمة، فيسيل من تلك العواصم نحو بلادنا سيل من المبعوثين والدبلوماسيين والخبراء الأمنيين والعسكريين، فإن أفلحوا كان بها، وإلا جاءتنا الجيوش بنفسها لتمنع هذه الثورات من تضييع المكاسب العظمى التي هي هؤلاء الحكام!!
اللهم إلا أن يكون الطاغية قد شاخ أو استنفد أغراضه، كما في حالة صدام وعرفات ومبارك والقذافي.. فهم حينئذ يعملون على استبداله بمن هو أنفع منه!!
وبهذا تدفع الشعوب المستضعفة من أرواحها وأبنائها وأموالها ومواردها ثمن رفاهية الدول الكبرى وبقاء نفوذها!!