لا تدخلوا كلية الشريعة!
هذه كانت ولازالت نصيحتي لكثير من الشباب الملتزمين الذين يدفعهم حماسهم الديني لدخول كلية الشريعة، مع ان أحدهم لا يحب وظيفة الإمامة ولا الخطابة ولا حتى التعليم المدرسي!!
وأحسنهم حالا إن سألته عن طموحه ومستقبله، تراه بعد شرود دقائق يجيب بأنه يأمل أن يأخذ شهادة الدراسات العليا، ويتوهم بأن الجامعات فيها شواغر تنتظره!
أحبتي شباب الهمّم العالية من الملتزمين والملتزمات، لابد أن تفرّقوا بين مقام الدعوة إلى الله، هذا المقام النبيل الذي تطمحون إلى المشاركة فيه، وبين مقام العلم الشرعي التخصصي، فالأول يدخله كل مسلم بقدر استطاعته وعلمه كي لاينقلب إصلاحه إفسادا بجهله وهو مقامٌ يحتاج أسلوب التأثير وأسس فهم الدين والحياة (فهم الواقع)؛ وهو يختلف عن المقام الثاني، مقام العلم الشرعي التخصصي والذي لا أشجِّع على ولوجه إلا لمن يعشقون التبحر فيه، وعندهم الاستعداد النفسي والعقلي ليكونوا مِن حملة هذا العلم الشريف يضاف إلى ذلك أن تكون عندهم رؤية مستقبلية لما يريدون تقديمه في هذا الباب…
أحبتي نحن في وضعنا الحالي أحوج ما نكون إلى دعاة إلى الله يحملون هم إصلاح المجتمع، وسأضرب لكم مثالًا لكي تعرفوا مقصودي:
دروس التربية الإسلامية في المدارس السورية كانت عبارة عن حصتين (الحصة ٤٠ دقيقة) أسبوعيا لكل صف (في التعليم الأساسي)، وبعد قيام الثورة المباركة غد وسطيا بحدود ٤ أربع حصص، بل في بعض المناطق ٦ ست حصص، موزعة ما بين دروس تربية إسلامية وقرآن وسيرة، وهذا يعني في النهاية أن هذه الحصص بمجموعها لا تتجاوز سُدس ما يتلقاه الطالب في المدرسة، وسدس الوقت الذي يقضيه مع المعلمين، الذين يتقمص منهم كثيرا من الأفكار التربوية أثناء مختلف دروس العلم؛ الرياضيات والإنكليزي والعربي وغيرها…
ولكم أن تتخيلوا معي الفائدة التربوية عندما يكون كل أولئك المعلمين والمعلمات من الملتزمين والملتزمات الذين يحملون هم الدعوة والإصلاح ونشر الخير ويمثلون حقيقةً دور القدوة الحسنة للطلاب أخلاقًا وأسلوبًا؟!
ختامًا يضاف لما ذكرت تحدي دعم وتمويل معلمي التربية الإسلامية، وقد حاولت الدول المانحة ان لاتقطع خيط معاوية في هذا الملف لكي تبقي ابداعنا وقيَمنا حبيسةً أمام حاجتنا وعوزنا… مع تجاهل أو تقاعس أو عجز الجهات الرسمية التي تمول العمل الإسلامي عن دعم هذا الملف…
لهذا ولغيره أرى لمحبي التعليم والدعوة أن يكونوا في باقي الكليات التخصصية التي تتعلق بملف التعليم…
وفقكم الله وسدد خطاكم.
دخلنا كلية الشريعة… أنترُك؟!!!
بعد نشر مقالتي الأخيرة، أتتني أكثر من رسالة في الليلة الماضية، من طلاب يدرسون في الكليات الشرعية، وكان مضمون رسائلهم ما كتبته في العنوان ( دخلنا كلية الشريعة… أ نترك؟!!) فأجيب:
واضح أيها السادة بأن خطابي للطلاب الذين سيدخلون الآن، ولعل الكلام ينسحب على من كان في أولها ولم يحب دراسة العلم الشرعي ولم يتفاعل معه ولا يرى لنفسه مستقبلًا فيه…
أما من دخل وهو في منتصف الطريق فأقول له: لا تبطلوا أعمالكم، ومتلفِّتٌ لا يصِل، ولكن ابحث لنفسك عن ((قيمة مُضافةٍ)) تقدِّمها.
#القيمة_المضافة
في دورات تصميم المشاريع نركز كثيرا على فكرة القيمة المضافة (القيمة التنافسية) التي ستنافس بها الموجودين في هذا المجال، او ستفتح بها أسواقًا جديدة.
على مستوى العلم الشرعي، قليلٌ هم من قدموا قيمة مضافة، وما أحوجنا إلى أساليب مبتكرة وفنون حديثة وأسواقٍ جديدة…
يكفي أن تعلم أن ٢٥% من مستخدمي الإنترنت يستخدمونها بالإنكليزية وقرابة ٢٠% بالصينية وباقي اللغات لا تتجاوز ٤ الى ٥% ومنهم العربية!!!
كم طالبًا أو خرّيجًا من كلياتنا الشرعية بدأ مشروعًا لإيصال رسالتنا بالإنكليزية وبغيرها ليعرِّف الناس برسالتنا وبجهادنا؟!
كم مشروعًا مميزًا أقيم لإيصال الدعوة وتعاليم الدين بطرق جذابة تحاكي الوسائل المؤثرة التي ينشر من خلالها غيرنا؟!!
فلتجرب التفكير بهذه الطريقة، وإذا لم تجد نفسَك في مجال فابحث عن غيره سريعًا واستعن بالخبراء والحكماء فعدَّادُ العمر يمضي ولا ينتظر أو يتوقف.
⚠️ ملاحظة مهمة سمعناها من مشايخنا:
“فليكن بعلمك أخي الطالب أن كل شهادات الكليات تنفعُك وإن لم تعمل بها ولم تتخلق بأخلاقها، عدا شهادة العلم الشرعي فمن أخذها ولم يتخلق بما يجب أن يتخلق به حامل هذه المكرمة عرّض نفسه لمهانة الدنيا والآخرة”.
اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا
المنظومة الدينية والقيمة المضافة والتمويل
عندما كتبت في الرسالة الأخيرة عن أهمية أن يبحث طلبة العلم الشرعي لهم عن نشاط مميز يقدِّم قيمة مضافة ويستثمر الوسائل الحديثة، أتتني الكثير من الرسائل التي تربط الأمر بعجز التمويل، وفي الحقيقة هذه القضية لها شجون كبيرة وتشعبات وتبعات، نشهد كلُّنا آثارها، سأذكر بعض أهم النقاط التي يجب تسليط الضوء عليها:
- عندما نتحدث عن قيمة مضافة، فنحن نتحدث في زمنٍ أصبحت فيه وسائل تقديم قيمة مضافة شخصية أمرا أيسر بكثير من العقود الماضية، وأصبحت وسائل الحصول على المعلومات والمهارات وسائل متاحة وقريبة المنال بيد الجميع في زمن الانفتاح المعرفي التقني الكبير.
- ما ذكرناه عن أهمية السعي لقيمة مضافة شخصية، لايعني أبدا تجاهلنا لواقع المنافسة الكبيرة من الأعداء الحاقدين، والذي يحتاج إلى أعمال جماعية نوعية ومنافِسة حتى تستطيع أن تجد حيِّزًا من التأثير.
- وبرأيي فإن أحد أهم أسباب غياب الأعمال الكبيرة التي تقدم قيمة مضافة نوعية على صعيد العمل الإسلامي الدعوي، هو تحكّم القيادات التقليدية (الختيارية) بالجزء الأكبر من تمويل العمل الإسلامي، وعدم مواكبتهم للتغير الإعلامي والإجتماعي الكبير الذي سببته قفزة وسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى إحجام فئة الشباب عن التفاعل والمشاركة بحراك إسلامي يناسب الواقع الجديد.
- تلك المنظومة التي يثق الناس بأمانتها فيضعون تبرعاتهم عندها، كان لها (مشكورةً) دور كبير في الحفاظ على جذور الدعوة (حفظ رأس المال) في العقود الماضية، ولكن لابد أن تصلها رسالة واضحة بأن حفظ رأس المال دون تنميته لفترة طويلة يعني خسارةً نهائية، هذا إن حُفِظ!، فكيف بنا ونحن نخسر منه يومًا بعد يوم؟!
- طبعًا نحن لاننكر أن تجفاف المنابع الذي تعرض ويتعرض له الحراك الإسلامي في السنوات الأخيرة (بعد الأزمة الخليجية) بضرب مصادر تمويله المالية في دول الخليج العربي عموما، وبضرب مصادره الحركية (الكوادر) في مصر وغيرها من الدول الإسلامية، هو تجفاف غير مسبوق.. ولكن هذا يجب أن يوجهنا أكثر نحو التركيز على مشاريع نوعية، وهذا ما لم تستطع المنظومة التقليدية التفاعل معه بعد.
- فحتى عندما كان التمويل على أشدِّه لم نشهد له مصارفَ سوى المشاريع التقليدية، التي كانت (ولاتزال) تكرارًا لعمل امتد سنواتٍ طويلة، بشكل أفقد تلك المشاريع عامِلَيْ الجاذبية والتأثير، خلا من كونها فقط إشارةً إلى أنّ من يديرونها لا يزالون أحياءً، وفي مقابل ذلك نجد بذورًا لمشاريع نوعية، لا تجد من يتعاهدها بالعناية والسقاية حتى تكبر وتزهِر!
تخيلوا مثلا قبل حصار قطر والتغيرات السعودية أعرف جهتين كانتا متصدرتين للعمل الدعوي، على اختلاف مشربيهما، كلتاهما كانت موازنتهما السنوية بضعة ملايين من الدولارات، الاولى كان همها الحلقات المسجدية، والتي لم يُحدثوا فيها أي تطور عما كان في زمن ما قبل الثورة، ما يعني فعليا أن تلك الملايين لم تستثمر لإحداث أي قيمة مضافة، وبعد الأزمة الخليجية وانقطاع التمويل تقلصت تلك الحلقات من مئات إلى عشرات، وكأن شيئا لم يكن!
والجهة الثانية كانت تركز على الانتشار الواسع بصرفيات ضخمة وقد عنت قليلا بالدورات النوعية المميزة، ولكن الغالب على عملها أيضا كان العمل التقليدي وأيضا بعد تغيير الحال عند مصدر التمويل تقلص العمل واختفى جزء كبير منه وكأن شيئا لم يكن!
كلا المؤسستين كانت لديهما فرصة لاستقطاب كوادر مميزة، ولاستثمار امكانات متاحة، (أهمها هامش الحرية المميز في مناطقنا المحررة) ولكن العقلية التقليدية القديمة لمن يديرون العمل ويتدخلون في تفاصيله جعلت النتيجة ما ذكرنا، ولو كان العمل على مشاريع نوعية مستدامة باقية لوجدنا أثرًا متجددًا وانتشارًا واسعًا حقيقيًا. - ولعل الحل، مع توجه الجزء الأكبر من تمويل العمل الإسلامي إلى المنظومة التقليدية، يكمن في بحث المنظومة التقليدية عمن يقدمون ويعملون على إيصال الرسالة بطريقة نوعية قادرة على المنافسة في الواقع الذي نعيشه، واعطائهم الحرية والتشجيع والدعم، ولتكن المنظومة التقليدية صمام أمان يتعلق بالوجهة والرسالة دون تدخلٍ بالوسائل والأساليب.
- وإلى أن يقتنع شيخنا بأن صناعة محتوى إصلاحي متميز على اليوتيوب من خلال يوتيوبرز متميزين وبوسائل احترافية، لا يقل أهمية عن دعم الحلقات المسجدية، وأن صناعة منصة إلكترونية متميزة لايقل أهمية عن مشروع سلة رمضانية، وأن دورات العمل الإعلامي واللغات الأجنبية ومهارات النجاح لا تقل أهمية لطلبة العلم الشرعي عن غيرها..
إلى حينها فالحل بقيمة مضافة مميزة شخصية يقدمها مبدعون بالمتاح بين أيديهم، قد يتيسر لهم لاحقا من يعينهم على توسعة مشاريعهم بعد أن يلاحظ الناس الفرق.
وإلى حينها (ودائما) تذكر: “استعن بالله ولا تعجز”.