رأينا في الأسابيع الماضية كيف توفي عدد كبير من علماء الدين الإسلامي المشهود لهم بالعلم. أعداد كبيرة منهم انتقلوا إلى رحمة الله في فترة زمنية قصيرة نسبيا، بشكل يجب أن يلفت نظر كل غيور على دين الله وشريعته، إلى أهمية تكوين العلماء.
وهنا نحن نتحدث عن منهجية خاصة لتشكيل علماء مختصين في أبواب الشريعة المختلفة ومذاهبها الفقهية… وفق تعليم منهجي تأصيلي مَبنيٍ على أساسٍ متينٍ من علومِ الآلة اللازمة لطالب العلم…
وبالتأكيد انا لا أتحدث عن التعليم الجامعي الأكاديمي الذي يعطي الطالب من كل بستان زهرة ثم يخرج منه ولم يتقن بابًا من أبواب العلم ولا فقه مذهبٍ من المذاهب. والمصيبة أن كثيرًا ممن يكملون الدراسات العليا بعده يتابعون بنفس الطريقة فلا يكون مكسبُ أحدهم بعد سنين طويلة سوى حرف (د) قبل اسمه ولكنه كَلٌ على أمته لا يأت بنفعٍ ولا يجيب عن نازلة… وهذا الحديث عن تعليمنا، فكيف بنا اليوم وكثيرٌ من أبنائنا لأجل الاعتراف بالشهادة يعدلون عن مدارسنا الشرعية إلى المدارس التي افتتحت وفق مناهج تركية باسم مدارس (إمام وخطيب)، مع أن منهاجها أضعف بمرات كثيرة، بل لا يقارن بمناهج إعدادياتنا وثانوياتنا الشرعية، وكيف لايكون ذلك وهي مصممة كمنهاج لمن ليست العربية لغتهم أصلا؟!
نعود لأصل المشكلة ألا وهي افتقاد المجتمع للعلماء المتمكنين، والذين لا تلتفت لتكوينهم المؤسسات الشرعية ولا غيرها، إذ غدا أكثر عملها التعليمي الذي انتشر في مجتمعنا المحرَّر من سوريا يتجلى بمعاهد إعداد الدعاة، وهي وإن كانت ذات نفعٍ كبير على المستوى الإجتماعي، (هذا إذا التزم الداعية بدوره الوعظي الإصلاحي وتوقف عند حدِّه ومَبلغِه من العِلم)، ولكن في النهاية لا غنى لكل الدعاة من علماء يوجهونهم ويؤصّلون ويستنبطون لهم أو على الأقل ينقلون لهم نقلا صحيحا… وكلنا لمس أثر غياب العلماء المتمكنين المتفقهين على ثورتنا السورية، فكانت نتيجة غيابهم وبالا وضياعًا وتيهًا لكثيرٍ من الشباب الملتزمين والدعاة المتفانين قبل غيرهم.
ولئن كانت الحلول الآنية التي لابد منها ولا غنى عنها تدور في فلك الاهتمام بدعم المدارس الشرعية ورفدها بالكوادر المتميزة، والعمل على إخراجها من النمط التقليدي القديم المعمول به من مرحلة ما قبل الثورة…
فإن فكرةً أخرى مهمة تحتاج إلى تبني من الجهات ذات الاختصاص، ألا وهي مشروع تكوين العلماء وأقترح له تصورًا أوليًا بما يلي:
١- اختيار طلاب نجباء من طلبة العلم الشرعي وفق معايير مناسبة.
٢- كفالة الطلاب بما يضمن لهم حياةً كريمة ليتفرغوا لطلب العلم.
٣- وضع مناهج متنوعة وفق هذا التوجه ليكون لدينا طلاب باختصاصات شتى؛ وبالذات المذاهب الفقهية الأربعة (التمكن من فقه مذهب)، ومتمكنون في أبواب محاربة الإلحاد، ويكون وضع المناهج من قبل فقهاء مشهود لهم كلٌ في مذهبه واختصاصه، وبالتأكيد لا يكون ذلك بالاقتصار على الدائرة الضيقة من مشايخ سوريا.
٤- الاستعانة بمعلمين متمكنين مشهود لهم ولو من دول أخرى وبالذات بعد انتشار التعليم عن بعد، لما نعانيه من غياب الكوادر المتميزة التي نحتاجها لتخريج هكذا طبقة من الطلاب.
٥- التركيز على فكرة أهمية السعي لتحصيل العلم لا الشهادة فقط، كما نرى من أعشار المتعلمين في زماننا…. ولكن مع ذلك فمن الممكن التنسيق مع جهة أكاديمية لتكون هذه الدراسة في المرحلة ما بعد الجامعية، وتكافأ بشهادة الدراسات العليا، وان كنت أرى أن هذا البرنامج يجب أن يستهدف طلاب في عمر أصغر (١٢ عام أو ١٠).
٦- عندما ننتج هكذا علماء ونساعدهم على احتلال المكان المناسب لهم مجتمعيا، سيشار إليهم بالبنان وسيحتلون الموقع المناسب تلقائيًا.
فكرةٌ أتمنى أن تلقى آذانًا صاغية، لها شواهد من تجارب أخرى، كمركز تكوين العلماء في موريتانيا، الذي أسسه الشيخ محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي، وغير ذلك من الأمثلة في الهند وباكستان…
مشروعٌ لولا ضعف ذات اليد لكنّا السباقين إليه، ويغلب على ظني أن يسبق إليه من يمتازون عادة بالدعم المالي القوي…. على كل هو باب خير مهم، يا طوبى للمتنافسين فيه.
ختامًا شكرا لأخي عمر.خ الذي أثار هذا الموضوع معي منبها لأهمية الكتابة عنه.
فكرة جميل جدا بارك فيكم في جهودكم