بقلم ساجد تركماني (باحث وناشط سياسي)
نشأت الديمقراطية ابتداءً كمسار سياسي ومنظومة قواعد وآليات ضمن سياقات زمانية ومكانية وتاريخية معينة لحفظ حرية الاختيار للعامة ثم انتهى بها المطاف كفكر أيديولوجي يُراد فرضه بالأكراه
سطت عليها الليبرالية لاحقاً فابتلعتها
وصار الإثنان جزءاً لايتجزأ ولايمكن بأي حال من الأحوال فك الارتباط بينهما
الديمقراطية كمنهج سياسي يقوم على أسس ثابتة تتألف من :
1- حرية اختيار الحاكم
2- صناديق الاقتراع
3- حرية الفكر والمعتقد والممارسة
4- الموازنة بين حاجة الأكثرية وحقوق الأقليات وضمان التعايش بعيداً عن الاحتراب الأهلي أو الاستبداد السلطوي
وهي مايسمى : أدوات الديمقراطية
لكن دعاتها يرفضون ذلك ويعتبرون القابلين بأدوات الديمقراطية فقط دون بقية حذافيرها وحواشيها وتشوهاتها مجرد محتالين وملتفين عليها، فدعاتها من المنبهرين بكل حضارة عدا حضارة أمتهم والفخورين بكل تجربة إلا تجارب شعوبهم والمقدسين لكل حرية اختيار عدا حرية اختيار بني جلدتهم في النظم والقواعد والآليات التي تناسبهم ويريدون أن تحكمهم
فهم ينشدون الاستنساخ الكامل والحرفي والمفاهيمي للديمقراطية بنسختها الجديدة بعد هيمنة الليبرالية عليها وتحولها من مجرد نظام سياسي إلى منهج أيديولوجي يتم تكفير من لايقبل ويؤمن بكل مافيه حرفياً ويقام حد الرجم الأدبي و المعنوي على من يناقش بعض نصوصه المقدسة.
من يقدمون الديمقراطية يقدمونها في صورة أساليب وأدوات الحكم ووسائل اختيار الحاكم فقط في أكبر عملية تزييف للوعي تتم اليوم
فهم يقدمونها على أنها فقط مجموعة الأدوات والأساليب والوسائل لحفظ القيم العامة التي لاتختلف عليها الإنسانية كالعدالة والشورى وتداول السلطة والانتقال السلمي لها ويتعمدون تغييب أو تجاهل الحديث أو الإشارة للارتباطات الحتمية للديمقراطية اليوم بمناهج أيديولوجية متنافية مع ثقافة وهوية الشعوب العربية والإسلامية كالعلمانية ودعوتها لفصل الدين عن الدولة والليبرالية وإطلاقها العنان للحرية المنفلتة من أي ضوابط أو قيم أو أعراف
ودون حتى الإقرار النزيه أن وسائل وأدوات اختيار الحاكم وتكريس الشورى وترسيخ العدل ليست النتاج الحصري للديمقراطية بصورتها الغربية المراد استنساخها حرفياً، فهذا تزييف آخر للوعي ولي لعنق الحقيقة والتاريخ
فوسائل وأساليب الحكم والسلطة وحرية اختيار الحاكم والممثل وتحقيق قيم العدالة والمساواة هي منتج بشري تم تطويره عبر الأزمنة وله شواهد كثيرة في التاريخ قبل الديمقراطية بقرون
الخلاصة : لا أتوقع أن عاقلاً يرفض الديمقراطية بمفهومها السياسي الحقيقي كمجموعة نظم وقوانين وآليات كافلة للحرية السياسية وضامنة للانتقال السلمي للسلطة ، لكن إصرار البعض على تحميلها أعباء الأدلجة والتقاليد الغربية ومحاولة استنساخها حرفياً دون مراعاة فوارق الثقافة والهوية العربية الشرقية هو محض ارتهان فكري وحضاري وتنكر للجذور واستعلاء نخبوي يريد فرض آراءه ونظرياته ورغباته بمعزل عن الواقع والحاجة وقابلية التطبيق .