بقلم إدريس أوهلال
تصدير:
الحروب الكبرى اليوم التي تستهدف الريادة في العالم أو تحدي الرواد هي ثلاث: حروب الوعي وحروب المعرفة والحروب التجارية، أما الباقي فحروب وكلاء أو أغبياء.
المعرفة اليوم أصبحت نمطا جديدا للإنتاج، أي شكلا جديدا للسلطة، وأنتجت موجة ثالثة من مظاهرها “اقتصاد المعرفة” و “مجتمع المعرفة” و “حروب المعرفة”.
وكعادتنا مع كل موجة جديدة انخرط “سفراء النوايا الحسنة” في الدعوة غير المشروطة إلى ركوب قطار المعرفة، ووقف “حرس الحدود” بسلبية يحذرون ويصيحون ويعارضون.
ما لا يدركه الطيبون أن هذا النمط الجديد للإنتاج أنتج رأسمالية جديدة يسميها موليي بوتانغ ب “الرأسمالية المعرفية”.
وبتطور الرأسمالية الصناعية إلى رأسمالية معرفية أصبحنا أمام تهديدات ومخاطر من نوع جديد، لكن أصبحنا أيضا أمام فرصة تاريخية من نوع الفرص التي لا يجود التاريخ بمثلها إلا مرة واحدة في كل دورة تاريخية.
التهديدات والمخاطر الجديدة تتمثل في الآليات الجديدة لإعادة إنتاج نفس أسباب التقدم عندهم ونفس أسباب التخلف عندنا، والفرصة التاريخية تتمثل في نهاية عصر احتكار المعرفة.
إن أهم مكسب لعصر المعرفة لا يكمن في الثورة المعرفية والثورة التواصلية، بل في التراجع الكبير لنسبة احتكار المعرفة؛ أي لنسبة احتكار السلطة مادامت المعرفة هي الموضوع الجديد للرهان الاستراتيجي على السلطة، وقد استفادت دول وشركات ذكية وعلى رأسها الصين وشركاتها من هذه الفرصة وحققت طفرة تاريخية.
فهل نركب بذكاء استراتيجي هذا القطار؟
أم أننا سَنٌضَيِّع فرصة تاريخية أخرى برفض الركوب أو بالركوب الغبي؟
إن قطار “اقتصاد المعرفة” تَسُوقُه وتُسَوِّقه “الرأسمالية المعرفية”.
والتحول نحو اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة دون استراتيجية ذاتية ذكية للمعرفة ومشروع يؤطرها ويوجهها هو مجرد تكريس للتخلف والتبعية، وخدمة مجانية للرأسمالية المعرفية، وتضييع لفرصة جديدة للتحرر والتقدم.
فبأية رؤية واستراتيجية سنركب هذا القطار؟
ولمصلحة من سنركب؟
هذا هو السؤال..
لكن الأمل في الإجابة العملية عنه يبدو بعيدا؛ لأن أغلب القادة عندنا ليس لديهم الوعي أو الصبر المطلوب لتطوير مشاريع واستراتيجيات ذاتية والعمل في اتجاهها.
ولمن لديه الإرادة والصبر والزمن للمساهمة من موقعه في تعزيز الركوب الذكي لقطار المعرفة سيحتاج أولا أن يتسلح بالمبادئ الأساسية الثلاثة للمعرفة الفعالة:
1- المعرفة الفعالة اجتماعيا هي التي تعزز امتلاك الوعي.
2- المعرفة الفعالة اقتصاديا هي التي تعزز امتلاك الثروة.
3- المعرفة الفعالة سياسيا هي التي تعزز امتلاك السلطة.
إن الرأسمالية العالمية تعتمد استراتيجيات معرفية ذكية وشمولية؛ فهي لا تحقن في عروق اقتصادها إلا المعرفة المرتبطة بصناعة الثروة، ولا تحقن في عروق سياستها إلا المعرفة المرتبطة بامتلاك السلطة، ولا تحقن في عروق ثقافتها وإعلامها إلا المعرفة المرتبطة بصناعة الوعي.
ويتيه العلماء والباحثون والمثقفون ورجال الأعمال والسياسيون والاعلاميون عندنا في الأراضي الشاسعة والبحار الواسعة للمعرفة التي لا وزن لها في ميزان الثروة والسلطة وحروب الوعي.