سأكون مباشرًا في هذه المساحة الصغيرة المتاحة، فثمة ألغام خطيرة بوجه هيئة التفاوض مع العصابة الطائفية المدعومة روسيًّا وأميركيًّا بشكل غير مسبوق، بعد أن انضم كيري إلى جوقة لافروف، فيما وصفها بمعادلة إقناع الأسد بالدخول في عملية الانتقال السياسي، والله يعلم كم ستستغرق هذه العملية في ظل افتقار الثورة إلى نصير وداعم حقيقي ووسط التشرذم والانقسام الذي تعانيه الساحة، ووسط حرف الساحة الجهادية عن المعركة الحقيقية، من إسقاط العصابة الطائفية إلى الاقتتال على جلد الدب قبل صيده.
هذه الألغام ترتكز على ما تسرَّب من وثيقة دي ميستورا، التي خلت من الحديث عن قضايا جوهرية خطيرة ثلاث:
1- الاحتلال الأجنبي في سوريا من روسي وإيراني مدعوم بميليشيات طائفية؛ حيث تمت شرعنته بشكل غير مباشر، وشرعنة وجود الميليشيات الطائفية، فلا نحن أمام أفق لانسحاب هذه الحثالات، ولا نحن قادرون على تجريم هذا الاحتلال ومحاكمته ولو أخلاقيًّا مستقبلًا؛ ولذا ستكون الثورة أمام حالة أشبه ما تكون بالحالة العراقية، في أحسن الأحوال هيئة حكم انتقالي تساوي مجلس حكم انتقالي، واحتلال أجنبي، وميليشيات طائفية تدعم العصبة الطائفية المتحكمة، لاسيَّما بعد تسويق العصابة نفسها على أنها ستحارب الإرهاب ممثلًا بداعش وتحديدًا بمعارك تدمر الأخيرة.
2- المؤسسات القاتلة على مدى عقود للشعب السوري ممثلة بالمؤسسة العسكرية والمخابراتية المجرمة، وبالتالي فالدولة العميقة ستكون موجودة، ولا أدري حينها هل سيجرؤ معارض سوري واحد شريف على العودة إلى دمشق أو غيرها في ظل هذه المؤسسات المجرمة، وإن اتفق في أحسن الأحوال على تطعيمها بالثوار فمن هؤلاء الذين سينافسون عصابات مجرمة تتمتع بخبرة رهيبة في القتل والإجرام، بالإضافة إلى علاقات دولية ودعم دولي خطير في سنوات الثورة، فما بالكم بعد أن يسوقوا أنفسهم على أنهم منتصرون وهزموا ما يسمونها بالمؤامرة الكونية.
3- مصير طاغية الشام الذي ظل عائمًا، وبدأ بعض أعضاء هيئة التفاوض للأسف بالتراجع حين قال أحدهم إن الأسد سيرحل مع بداية المرحلة الانتقالية وهو تراجع خطير، بعد تراجعهم عن خطوط حمراء من رفع الحصار ووقف القصف والإفراج عن المعتقلين، وبالتالي فنحن أمام أفخاخ وألغام خطيرة، في ظل حالة التشرذم في الساحة.
الحل باعتقادي المتواضع هو ألا يظن أي فصيل مهما كان قويًّا أنه بمقدوره وحده دعم عملية سياسية بمعزل عن إخوانه، وهو بالمناسبة تفكير داعشي، ولكن بشكل سياسي وليس عسكرياً، وعليه فأعتقد أن القوى العسكرية الحقيقية على الأرض، وتحديداً جيش الإسلام وأحرار الشام عليهما تنسيق موقفيهما، وليعلما أن قوتيهما تستند إلى الرصيد العسكري والأمني وليس السياسي، ودون ذلك سيتحملان مسؤولية تاريخية خطيرة في هزيمة الثورة لا سمح الله.
الأمر الثاني تحرك عاجل للمجلس الإسلامي السوري برئاسة الشيخ الفاضل سارية الرفاعي، والتأكيد مجددًا على الثوابت الخمسة التي وقعنا عليها كلنا، ومناقشة وثيقة دي ميستورا؛ بل ودعوة هيئة التفاوض ليُطلعوا العلماء والمشايخ والشعب السوري بشكل عام على حقيقة هذه المفاوضات وأفقها.
وعلى النخب الثورية بكافة شرائحها أن تضغط باتجاه معرفة كل تفاصيل التفاوض وأفقه، ومعرفة رؤية هيئة التفاوض إزاء هذه الأفخاخ السابقة، أما على صعيد الدول المؤيدة للثورة فعليها ألا تفقد لحظة تاريخية بضرب العصابة ومن وراءها، وأن تكون يقظة لإعادة إنتاج النظام لا قدر الله، فهو سيكون خطيرًا عليها أكثر من خطره على الشعب السوري.
حفظ الله الثورة السورية.