أما ظلمنا هؤلاء الرجال؟
هذه وجهة نظر قَلّ أن يفكر فيها أحد: نحن نتابع مجريات المعارك من خلال الغرف الثورية ولا نتوقف عن طرح آرائنا الإيجابية والسلبية في الإنجازات العسكرية التي تحققها فصائلنا المسلحة، وغالباً نغضب ونعتب ونتساءل بمرارة عن سبب الانهيار في جبهة وعدم الصمود في بلدة والانسحاب المفاجئ من محور وسقوط المناطق بيد الأعداء.
يا ترى ماذا يحصل لو عكسنا المنظار ذات مرة؟ لو دَوَّرنا الطاولة نصف دورة فصرنا نحن المقاتلين في الميدان والمقاتلون هم المنظّرين في غرف الثورة؟ ماذا سنقول؟
ربما مسح الواحدُ منا دماً كسا وجهَه وملأ عينيه ثم نظر إلى رفيقٍ له مسجّى أمامه على التراب وقال: أفٍّ لكم! تعالوا احملوا معي بعض الحمل، على الأقل احفروا لي ولإخواني قبوراً فإنّا ما عاد في طاقتنا أن نحفر لأنفسنا القبور! مُدّوا لنا يداً حانية أو اتركونا لنخوض معركتنا الأخيرة ونموت على تراب أرضنا بسلام!
أظن أننا نظلم شبابنا ونقسو عليهم ونجهل معاناتهم ونتجاهل تضحياتهم ونطالبهم أحياناً بما هو أقرب إلى المستحيل. ربما نحن مَدينون بكلمة شكر صادق من القلب لكل مقاتل حمل السلاح وبات ليلة على الجبهة في برد الشتاء القارس. لعل من حق شبابنا أن يسمعوا ذات يوم منا كلمة طيبة وثناء على الجهد الهائل الذي يبذلونه وتقديراً لتضحياتهم التي لا تقدَّر بثمن. أحسبُ أن علينا الاعتراف أخيراً بأن صمودهم في وجه الآلة العسكرية الروسية الجبارة هو بحدّ ذاته أسطورة ستروي خبرَها الأجيالُ للأجيال.
أمَا لقد بالغنا حقاً في القسوة ونسينا أن الذين يقاتلون روسيا وإيران -في نهاية الأمر- إنما هم حفنة رجال لا يملكون سوى أقل القليل من السلاح وأكثر الكثير من العزيمة والإيمان. فليباركهم الله.
معذرة يا رجال، سامحونا، فقد بالغنا في الأمانيّ وقصّرنا في الشكر والتقدير، فإنْ غفل عن تقديركم الناسُ فإن ربّ الناس لا يغفل ولا ينسى، وعنده لا تضيع مثقال ذرة من عمل صالح. بارككم الله.