٨ آذار يوم المرأة العالمي
حرائرنا المَنسيّات: مَن المَلوم؟
أسيراتنا في سجون النظام هُنّ الأسى الذي لا يُنسى وهُنّ جرح الثورة النازف.
ولكنْ مَن نلوم على مرور السنين بعد السنين وهُنّ منسيات ضائعات؟ أنلوم النظام وهو الإمام في الإجرام؟ لا يُسأَل عن ذنوبهم المجرمون (لكثرتها وبشاعتها، فيُلقَون في النار بغير سؤال، على قولٍ في الآية). أم نلوم المجتمع الدولي؟ إنما نحن في نظر القوم ذباب، ولو كانت لنا قيمة لصنعوا شيئاً يَقفون به نهرَ الدم المتدفق في أرضنا منذ تسع سنين.
إنما يُلام من يستطيع من أهل الثورة أن يصنع شيئاً ثم لم يصنع. إنما يُلام السياسيون والعسكريون الذين كان في يدهم شيء من قوة ثم لم يستغلوا القوة التي في يدهم لإطلاق أسيراتنا وتحرير أسرانا من السجون والمعتقلات.
السياسيون الذين ذهبوا يهرولون من مؤتمر إلى مؤتمر خاضعين خانعين وفي يدهم سلاح لم يستخدموه: الضغط والمقاطعة والاستعصاء حتى يحقق النظام شرطاً مسبقاً من الشروط الأممية، هو إطلاق الأسرى وإغلاق ملف المعتقلين.
العسكريون الذين امتلكوا بعض القوة في بعض الأوقات وكانت في يد بعضهم ذات يوم أوراق، فلم يبالوا بأسيراتنا وأسرانا وبعثروا أوراق القوة أو تركوها حتى أبْلَتها الأيام وأكلتها الحادثات الجسام. وعلى رأسهم الجولاني وجبهته المخذولة، الذين باعوا رهائن كثيرين وقبضوا أثمانهم بالملايين ولم يفكروا في حرائرنا قط، سوى مرة واحدة أطلقوا فيها زوجة البغدادي لا أكثر، عليهم وعلى البغدادي غضب الله!
* * *
على أنها تبقى شهادة لا بد من تسجيلها للتاريخ: لم يحمل هذا الهَمّ إلا قائدٌ واحد لم تعرف الثورة أنبل منه، والباقون يتنافسون في الجحود وانعدام الوفاء واللامبالاة بحرائرنا اللائي يعانينَ في السجون ما لا طاقة به لصخور الجبال. القائد النبيل عمار داديخي قائد عاصفة الشمال، الذي أسر ذات يوم ثلّة من قادة حزب اللات فعُرض عليه مقابل إطلاق سراحهم من المال ما لا يحلم مثلُه بمثله، عشرات الملايين من الدولارات، وتوافدت عليه الوفود وتوسطت بين يديه الوساطات من دول كبيرة، فأبى وأصر على إطلاق سراح أسيراتنا من باستيلات الأسد، وقدّم للوسطاء قوائم بألف من حرائرنا، فلا يُطلَق أسرى حزب اللات حتى يطلقهنّ النظام من المعتقَلات.
ثم استُشهد الرجل بعد إصابته في معركة مطار منّغ، فحافظ إخوانه على عهده، واستلم ملفَّ الأسرى نائبه الشيخ منير حسّون، الذي خشي أن يفتن المال الكثير مقاتليه فراح يطوف بهم مستفزاً نخوتهم وشرفهم، يسأل كل واحد: الناموس أم الفلوس؟ فكان جواب الفصيل كله: الناموس ولا الفلوس!
عندئذ لم يجد أعداء الثورة إلا أن يطلقوا عليهم كلاب البشر، داعش، فقاتلوهم وخذلتهم الفصائل، واشترطت داعش تسليم اللبنانيين التسعة حتى توقف الهجوم على الفصيل، فاضطروا إلى تسريع التفاوض وإنهائه تحت النار وسلموا الأسرى للمفاوضين الأتراك، ثم نجحت عملية التبادل في إطلاق سراح خمس وستين حرة من حرائرنا وطيارَين تركيين كانا في الأسر عند حزب اللات. ولم يلبث الشيخ منير أن دفع حياته ثمناً لهذا الإنجاز العظيم، فاستُشهد مع ثلة من رفاقه في معسكر جبل برصايا فجر يوم عيد الأضحى بعدما تفردت بهم داعش وتخلت عنهم الفصائل وخذلهم الأقربون والأبعدون. ولسوف يقفون جميعاً في يوم آتٍ بين يدي الديّان في محكمة السماء، فيومئذ يقتص الحكم العادل للقتيل المظلوم من الذين قتلوه ومن الذين أسلموه ظلماً لقاتليه.
* * *
مضى عمار ومنير ورفاقهما وبقيت القصة في سجلات التاريخ، قصة قادة نبلاء تربعوا على قمة هرم النبل والوفاء، كانت حرائرنا هَمّهم حتى الممات وقدموا الناموس والشرف على الملايين وعشرات الملايين، وقصة آخرين اختاروا العيش في قعر النذالة والجحود، كانت في أيديهم أوراق يملكون بها فكَّ أسر أسيراتنا وأسرانا من السجون ثم لم يفعلوا، وعند الله الحساب.