#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
أسلحتنا في زمن الغربة
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 16 دقيقة.
التاريخ: 13/جمادة الآخرة/1441هـ
الموافق: 7/شباط/2020م
🔴 الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ زمن الغُربة ملامحه وأحواله… طوبى للغرباء
2️⃣ أسلحة المؤمن (الحق، والإيمان، والأمل)
3️⃣ استحضار التجارب التاريخية ففيها دروس وعبر.
4️⃣ لا نتعجل فحرب بناء الدول تحتاج عشرات السنين.
🔴 الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
5️⃣ جهاد الدفع واجب الوقت وحكمه.
6️⃣ أمِّنوا عيالكم، ولتتناوبو بين الرباط وبين خدمة العيال.
7️⃣ موقفنا من الكتائب المناطقية.
8️⃣ الدفاع عن القرية لا يكون على تخومها.
9️⃣ ريف حلب الغربي الوعِر ليس كسهول إدلب إن شاء الله.
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
- ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فهو المهتد، ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشِدًا، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عبدُه ورسوله وصفيُّه وخليله، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كُلِّه ولو كرِه المشرِكون، فصلوات ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المُحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهُداهم إلى يوم الدين.
أمّا بعد إخوة الإيمان:
يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 2-3]
أيُّها الأحبَّة الأكارم، أيُّها السادة الأفاضل، أيام الفِتنة، أيّام التمحيص، أيّام الشِّدة، أيّام الغُربة، يتجلّى فيها معنى قول الله تعالى (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنعام: 116]، يتجلّى فيها معنى قول الله تعالى (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: 103]، يظهر فيها معنى قول الله تعالى (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]، مرحلةُ التمحيصِ -أيُّها الأحبَّة- مرحلة الغُربة يَميزُ الله فيها الخبيث من الطيّب (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 142]، إنّها الغربة التي تسبق النصر، إنّها الغربة التي تسبق الفتح، إنّها آلام المخاض الشديدة لفجر أمّة سيبزغ من جديد، رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء”. والحديث في صحيح الإمام مسلم.
طوبى للغرباء الذين يستمسكون بدينهم زمن الغُربة، الذين يصبرون على الشدة واللأواء لكي يُقيموا أمر الله، زمن الغربة الذي قال عنه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم: “يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر”. [رواه الترمذي]. إنّه زمن القبض على الجَمر -أيُّها السادة- زمن الصبر قبضا على الجمر لإقامة أمر الله، ولتحقيق مُراد الله، ولنصرة دين الله؛ صبرٌ وألمٌ وغُربةٌ وشِدّة… إنّما هي آلام مخاضٍ سيكون بعدها إن شاء الله فتحٌ وعِزٌّ ونصرٌ وتمكين…
ولكم مرّت هذه الأمّة -أيّها الأحبَّة- بأيّام أكثر شدّة مما نحن عليه، وبأيّام أصعبَ مما نحن فيه، ولكم مرّ على هذه البلاد غُزاة مجرِمون مُحتلّون مارِقون قتّلوا وذبّحوا وفعلوا الأفاعيل، وفي كلّ مرّة كانت النهاية بأن تكون العاقبة للمتقين، وأن يكون النصر للمؤمنين، وأن تتحرر هذه البلاد من الطغاة المجرمين.
في زمن الغربة -أيًّها السادة-، في زمن البلاء، يسأل السائل: ما العدة التي تعين المؤمن على ما يعانيه؟ ما السلاح الذي يدافع به ما يحيط به؟
أسلحةٌ -أيُّها الأحبَّة- وليست سلاحًا واحدًا، أسلحةٌ هي: الحقّ والإيمان والأمل بالله الرحيم الرحمن؛ الحقّ أوّلا -أيُّها الأحبَّة- والحقّ باقٍ خالدٌ ما بقي الحقّ سبحانه، الحقّ؛ فيكفيك أن تعلم بأنّك في صف الحقّ، تقاتل لأجل الحقّ، وتبذل نفسك في سبيل الحقّ سبحانه وتعالى، بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمَغه فإذا هو زاهق، يكفينا أنّنا نوقن بأنّنا على الحقّ.
أمّا السلاح الثاني -أيُّها الأحبَّة- والعدّة الثانية فهي الإيمان أيُّها السادة، سرّ من أسرار القوّة لا يدركه إلا المؤمنون، سرّ يُذلِّل الصعاب ويفتح الأبواب، سرٌّ يخفف الآلام ويزرع في القلب الاطمئنان، ويعين على الثبات، إنّه إيمان المؤمنين أيُّها الأحبَّة، لذلك قال تعالى (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47]، المؤمن بإيمانه وبصبره وبثباته يقلب المعادلة…
أيُّها السادة لنا سنوات قاربت العشر نعيش حروبا رأينا بأعيننا كيف أنّ العدّة والعتاد كيف أنّ الطيران والمدافع لا يُملِّك العدوَ الأرض، إنّما يملك العدو الأرض متى انحاز الناس عنها، رأينا بأعيننا كيف ثبت مجاهد واحد صادق صابر فبقي في بيته ثلاث ساعات يأخر جيشا بعدته وعتاده وبدبابته، تخيّلوا لو كان هذا الواحد عَشرا أو عشرين (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال: 65]، الصحابة الكرام هكذا كانوا ومَن بعد الصحابة هكذا كانوا وفي زماننا -أيُّها الأحبَّة- تأتي الآن الفتن لتمحِّص، لتغربِل الناس، ليخرُج الدَّخَنُ مِن بينهم، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد:17]. سنرى القلة القليلة الصابرة كيف يفتح الله عليها، تلك القلة القليلة التي تأخذ بالسبب وتتشبث بالأرض فلا ينفع العدو عدّة ولا عتاد.
يوما ما مِن على هذا المنبر حدّثتكم عن أهل فيتنام الذين واجهوا أمريكا وقبلها فرنسا عشرات السنين بلا طائرات وبلا مدفعيّة وكانوا يحفرون الأنفاق تحت الأرض يختبؤون فيها وتأتي الطائرات الأمريكية فتمسح مدنهم مَسحا، تدمّرها تمحوها من على وجه الأرض، بقوا عشرات السنين في وجه أمريكا حتى أخرجوها من ديارهم مدحورة، وها أنتم اليوم في زماننا ترون المجاهدين الطالبان في أفغانستان لا يقاتلون روسيا فحسب! بل يقاتلون أمريكا التي تعجز الدول عن قتالها!! يتدرّعون بالأرض ويحاربون في الجبال، وها هي اليوم أمريكا تفاوضهم عن ذلّة وتفاوضهم على الانسحاب من ديارهم. أيُّها الأحبَّة عدّة الإيمان عدّة الإيمان أصل الثبات وأصل النصر (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).
إذا السلاح الأول سلاح الحقّ والسلاح الثاني سلاح الإيمان، أمّا السلاح الثالث -أيُّها الأحبَّة- فهو سلاح الأمل، سلاح الثقة بالله، نحن لا نيأس ولا نتعجّل ولا نستبق الحوادث، والعالِم فينا يعلم أنّ بناء الدول يحتاج حروبا تطول عشرات من السنين لا سنة ولا سنتين ولا عامًا ولا عامَين، نوقن بأنّ حربنا طويلة جدا كرٌّ وفرّ، يوم لنا ويوم علينا، وما تزيدنا هذه النيران إلا تحرّقا لمزيد من البذل والعطاء، تزيد لهيبنا وتزيد توكّلنا على ربنا، تأتينا المحن لكي نكفُر بما دون الله سبحانه ويتعلق القلب به وحده (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف: 110].
اللهم انصرنا بنصرك وأمدنا بمددك وافتح علينا يا كريم، ثبّت الأقدام إن لاقينا وأعنّا يا ربنا…
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله، خيرُ الوصايا وصيّةُ ربِّ البرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن، واعلموا إخوة الإيمان أنّ العدو إذا دهم أرض المسلمين فجهاد الدفع فرض على كل مسلم مستطيع، على كلّ قادر، إيّاك أخ الإسلام من أن تَدخُلك الشياطين، تزيّن لك الباطل تزين لك الفرار من المعركة، تأتيك الشياطين فتدخل لك من مدخل أهل بيتك، ومن مدخل عيالك، وتأتيك الشياطين لتبرر لك هذه الهزيمة بحجة الفصائل قد أساءت، وفلان فعل وفلان فعل، وكلّ يعمل على شاكلته… أخ الإسلام لا بأس أن تخرج النساء والعيال إلى مكان آمِن، أمّنها مع محارمك مع أبيك مع أبيها مع أخيها ولتتناوبو على ذلك، بعض الأُسَر يكون فيها أكثر من أخ، فليبق رجل مع النساء والأولاد يرعاهم ويكون الآخر في رباطه وفي جهاده أيّاما ثم يتناوبون، إياك أخ الإسلام أن تكون من المنافقين الذين ذكرهم الله تعالى (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا) [الأحزاب: 13]، (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا) [الأحزاب: 15]، ستُسأل يومًا ما أمام الله تعالى يوم تنصَب الموازين وتُنشَرُ الدواوين، ستُسأَل عن عهد الله -أيُّها الأخ الكريم.
اليوم -أيُّها السادة- كلّنا نسمع أن بعض القرى تتشكل فيها كتائب باسم القرية باسم المنطقة هذا الأمر فيه وجه خير وقد يكون فيه وجه شر؛ إذا كان مجرد دعاية وكلام فارغ ومجرد سبب لنزاع وشقاق فهذا باب شر، أمّا إن كان فعلا بنيَّةِ الدفاع عن الأرض والعِرض والثبات ومعونة المرابطين فحيّا هلا.
كلّنا نعلم أنّ هؤلاء المرابطين أبناؤنا من أبناء قرانا منهم من ثبّته الله تعالى يسد عادية الكفار علينا، ومنهم من ذهب مع عياله وقال إن بيوتنا عورة، فلا أقل من هذه المجموعات التي تتشكل في كل قرية أن تذهب لتعين المرابطين هناك.
أتظن أنّ العدو إن دهم قريتك ستبقى فيها أو ستستطيع أن تحارب فيها؟! إذا أردت أن تدافع عن قريتك فاذهب ودافع عنها هناك، فلتتشكل في كلّ قرية في كلّ منطقة مجموعات وليكن لهم رأس ينسّق لهم وليذهب إلى إخوانه في خطوط الرباط وفي غرف العمليات يقول لهم أنا معي عشرة عشرين معي كذا من العتاد نستطيع أن نرابط يوما ويومين خمسا أسبوعا عشرة أيام بقدر ما يعينك الله، والإخوة يرتبون لكم هذا.
أيُّها الأحبَّة الكرام الله تعالى خاطب من تحدّثه نفسه بالفرار فقال تعالى (قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا) [الأحزاب: 16]، أما أهل الإيمان، أمّا أهل الثبات (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب: 22]
من يومين كنت في صلاة العشاء في إحدى المناطق وقد خوت من أهلها فقال لي أحد الشباب الصادقين له معنا هنا من سنة 2012م قال لي: يا شيخ الآن لم أعد أرى إلا الذين بقوا أحياء ممن كانوا سنة 2012م قلت له: بإذن الله من حررها في ذاك اليوم ممن بقي حيًا ومن أتى جديدا من الشباب المؤمنين الذين كانوا صغارا وشبّوا في بيئة الجهاد على طاعة الله هم الذين سيدفعون عنها صولة العدو وسيثبتون فيها وسيتشبثون فيها.
العدو -أيُّها السادة- عجّل بمعركة إدلب حيث السهول المفتوحة حيث دباباته تسير وطائراته تزرع الأرض قتلا وتحصد الناس ولا يوجد هناك ملتجئ للناس، أما في مناطقنا حيث الجبال والتلال الوعرة، إن ثبّتنا الله تعالى وإن شاء الله تعالى ثابتون فبإذن الله ستكسر شوكته وسيندحر على عقبيه والعاقبة للمتقين.
اللهم ما قضيت لنا من أمر فاجعل عاقبته رشدا، إنّي داع فأمنوا