#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
الشتاء وأحكام فقهية تتعلق به
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 24 دقيقة.
التاريخ: 9/ربيع الآخر/1441هـ
الموافق: 6/كانون الأول/2019م
🔴 الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ رخصة الأصل طهارة ما يصيب الثياب من وحل الشتاء.
2️⃣ رخصة المسح على الخفين والجوربين وشروطها ومدتها وكيفيتها.
3️⃣ رخصة التيمم خشية المرض بدل الاغتسال وشروط جواز ذلك وكيفيته.
4️⃣ رخصة جواز تجفيف الأعضاء بعد الوضوء.
5️⃣ رخصة جمع صلوات الجماعة في المسجد وشروط جواز ذلك.
🔴 الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
6️⃣ تحذير: النبي لنا من النوم والنار مشتعلة.
7️⃣ وصية: المسلم بمن يلوذ به من المسلمين المحتاجين.
8️⃣ بشارة: نبوية بوقتٍ من أوقات الدعاء المستجاب في الشتاء.
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
- ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فهو المهتد، ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشِدًا، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عبدُه ورسوله وصفيُّه وخليله، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كُلِّه ولو كرِه المشرِكون، فصلوات ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المُحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهُداهم إلى يوم الدين. أمّا بعد إخوة الإيمان:
فإنّ من قواعد الإسلام العظيمة أنّ الأمر إذا ضاق اتسع، وأن المشقّة تجلب التيسير، وأنّ الله تعالى لا يُكلّف نفسًا إلا وُسعها، لذلك -أيُّها الأحبَّة- الكرام جاءت الرُخص التي سنّها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لرفع الحرج عن النّاس، ولترسيخ مبدأ اليُسر والتيسير، قال تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة: 6].
لذلك -أيُّها السادة- بعد أن ذكرنا في لقاءنا الماضي فصل الشتاء وما سنّه النبيّ من أذكار فيه وتحدّثنا عن حال سلفنا الصالح فيه، كنت قد وعدتكم أن نتحدّث اليوم بإيجاز واختصار عن أكثر الرُخص الفقهية التي يحتاجها المسلمون في فصل الشتاء مما يسأل النّاس عنه ويجب أن يتعلموه.
أمّا أوّل تلك الرُخص -أيُّها الأحبَّة: فكثير ما يسأل النّاس عمّا يصيب الثياب من الوحل والطين وغيرها في فصل الشتاء، بعض النّاس -أيُّها الأحبَّة- ترى أحدهم يُوسوس دائمًا؛ يشكّ في طهارة ثيابه، وقد يتحرّج عن الدخول للصلاة بحجة أنّ ثوبه أصابه شيء من بلل الشتاء من الطين أو الوحل، أقول لك أخ الإسلام أنّ الأصل في هذا الماء الملوث بالطين والتراب الطهارة، ولا يجب أن توسوِس أبدا بنجاسته إلا إن تيقنت النجاسة بأن رأيتها أو شمَمت رائحتها رأيتها وقد أصابت ثوبك، أمّا عدا ذلك فالأصل فيما يصيب الثياب من وحل الشتاء الطهارة.
أمّا الرُخصة الثانية -أيُّها الأحبَّة- والتي يكثُر السؤال عنها في فصل الشتاء فهي رُخصة المسح على الخفّين والجوربين. الخفّ -أيُّها الأحبَّة- كالجورب لكنّه يكون من الجلد؛ كالجلد الذي تصنع منه الأحذية أو من غير ذلك كهذا الذي انتشر في زماننا، والخفّ والجوربان -أيُّها السادة- أجاز لنا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن نمسح عليهما في الوضوء يومًا وليلة للمقيم وثلاثة أياما بلياليها للمسافر، يمسح لأجل الوضوء أمّا لأجل الجنابة لا يوجد مسح على الخف والجوربين، لأجل الجنابة لابدَّ أن يغتسل الإنسان.
هذا المسح -أيُّها السادة- له شروط وله كيفية: أمّا شرطه فلابد أن يكون هذا الخفّ أو هذان الجوربان طاهرين، ثانيًا: أن يكونا ساترين لمحلِّ الفرض (فإذا كان أقصر من الكعبين من كعبي القدم لا يصح المسح عليه)، ثالثًا: أن يُلبسا على طهارة أي يتوضأ ثم يلبس الخفّ أو الجوربين، رابعًا: ألا يُوصِلا البلل إلى الرِجل، أيُّها الأحبَّة- النّاس في ذلك وقعوا بين مشدّد فوّت الرخصة على النّاس أو متساهلٍ لدرجة لم يعرفها الفقهاء الأولون، فالبعض لا يُجيز المسح إلا على الخفّ أو على الجورب إذا كان من الجلد والبعض متساهلين جدا الذين أتوا بشيء لم يعرفه الفقهاء الأوّلين هم من أجازوا المسح على الجورب الرقيق جدا. أيُّها الأحبَّة أنا أعطيكم ضابطًا بسيطا لكي تعرفوا متى يجوز المسح، أقول لك متى مسحت فلم يصل البلل إلى رجلك فهذا المسح جائز، أمّا إن كنت تمسح على جورب تضع يدك تمسح فإذا بك تشعر بالبلل على رجلك فهذا جمع بين المسح والغُسل لم يقل به أحد من الفقهاء، عدا أنه مُضرّ جدا بالصحة، فإذا كان الجورب يوصل البلل إلى الرجل يسبب أمراضا، وكثير من الناس يصابون بفطور على أقدامهم بسبب أن البلل يصيبهم وهم يرتدون جوربا رقيقا.
كيف يكون المسح؟ المسح -أيُّها الأحبَّة- يكون مرّة واحدة تمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى، والرجل اليسرى باليد اليسرى، ولا حرج لو مسحت الرجلين بيد واحدة، ويكون بمقدار ثلاثة أصابع على ظاهر الخفّ أو الجورب بهذا الشكل تمسح ظاهره أعلاه (من أطراف أصابع القدم باتجاه الساق) لاحظوا كيف لا علاقة للمسح بأسفله ولا بجوانبه لأنّ هذا الدين توقيف ليس اجتهاد عقل، ولو كان الدين بالعقل لكن مسح أسفل الخفين أولى من مسح ظاهرهما، لكن هكذا ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- تمسح ظاهرهما بمقدار ثلاثة أصابع،[هنا: الشيخ أخرج على المنبر خُفًا وأرى الناس كيف يكون المسح] وهذا يا أخي بمجرد أنّك مسحت عليه متى خلعته لابدَّ أن تغسل رجلك.
يسألني بعض الشباب وهذه تجري كثيرا مع الإخوة المرابطين يكون يرتدي الجزمة (البوط العسكري)، هل يصح أن أمسح عليه؟ طبعا إذا كنت أرتديه على طهارة، توضأت ولبست البوط العسكري يجوز أن تمسح عليه ولكن بشرط أن تصلي به. فبعض الشباب يرتدي الجزمة أو البوط العسكري على طهارة فيأتي ليتوضأ فيترخّص فيمسح عليها كما يمسح على الخف أو الجوربين، فيدخل مثلا إلى غرفة الحرس ليصلي فإذا به يخلع الجزمة هذا لا يصح، متى ما خلعت ما مسحت عليه وجب عليك أن تغسل رجلك أخا الإسلام.
إذن -أيُّها الأحبَّة- المسح بشرط أن يكون سميكًا لا يُوصل البلل على الرجلين، وأن يكون أعلى من الكعبين، وأن يُرتدى على طهارة.
المسح كم مدته؟ يوما وليلة. متى تحسب هذه اليوم والليلة؟ منذ أول مرة تنقِض بها وضوؤك بعد الوضوء الأوّل؛ يعني أنا توضأت وغسلت رجلي قبل صلاة الظهر الساعة الحادية عشر ولبست الخفين أو الجوربين أو البوط العسكري وبقيت متوضئا حتى الساعة الرابعة، وفي الساعة الرابعة نقضت وضوئي من هذا نقض الوضوء الأوّل بعد أن غسلت رجليك تبدأ بعد أربعًا وعشرين ساعة، فأنا الساعة الرابعة توضأت أوّل مرة نقضت وضوئي فذهبت لأتوضأ فمسحت على الخفين أو الجوربين أحسب أربعا وعشرين ساعة لليوم التالي، إلى نفس الوقت يجوز أن أبقى مرتديا للخفين والجوربين أمسح عليهما. هذه الرخصة الثانية -أيُّها الأحبَّة- مما يكثر السؤال عنه في الشتاء.
أمّا الرخصة الثالثة -أيُّها الأحبَّة- فهي رخصة التيمم من شدة البرد إذا خشي الهلاك على نفسه: في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود في سُننه عن عمرو بن العاص – رضي الله عنه- قال: «احتَلَمتُ في ليلةٍ باردةٍ في غَزوةِ ذاتِ السَّلاسِلِ فأشفَقتُ أنْ اغتَسِلَ فَأهلِكَ، [في غزوة بالفلا في الصحراء نام فاق وجد نفسه جُنبا قال فخشيت إن اغتسلت بهذا البرد في الصحراء أن أهلك] فتَيَمَّمتُ، ثمَّ صَلَّيتُ بأصحابي الصُّبحَ، فذكروا ذلك للنبيِّ – صلى الله عليه وسلم -, فقال: “يا عَمرو، صَلَّيتَ بأصحابِكَ وأنت جُنُبٌ؟ ” فأخبَرتُه بالذي مَنَعَني مِنَ الاغتِسالِ، وقلتُ: إني سمعتُ اللهُ يقولُ: ((وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّة كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)) [النساء: 29]، فضَحِكَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -ولم يَقُل شيئاً».
طبعا ضحك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كانت تبسُّمًا وليس قهقهةً كما يفعل عوام الناس، ضحك رسول الله ولم يقل شيئًا هذا دليل إقرارا لأن هذا الفعل لو كان خاطئا ما كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليسكت بل كان نبهه وحذّره ووجّهه إلى الصواب، ولذلك استدل الفقهاء -أيُّها السادة- من هذا الحديث بجواز التيمم عن الوضوء أو عن الاغتسال إذا خشي الإنسان على نفسه الهلاك حيث يكون خارج العمران.
لماذا خارج العمران؟ يعني بالفلا شب مرابط الآن في الخنادق غفل أو نام فاستيقظ فوجد نفسه على جنابة ولو الماء موجود لكن هذا قد يؤذي نفسه قد يمرض بالاغتسال، لماذا استثنى الفقهاء وقالوا خرج العمران؟ قالوا لأنّه داخل العمران لا يعدم أن يجد وسيلة يُسخِّن بها قليلا من الماء لكي يغتسل. فإذا فرضنا جدلا أنه داخل العمران لم يجد وسيلة لتسخين الماء، منطقة محاصرة؛ مثل لما كانوا الناس محاصرين ما عندهم أي وسيلة يسخنون فيها لا حطبة يسخن عليها الماء لا غاز ولا غيره… حينها يجوز له ولوكان داخل العمران إذا كان بهذه الصفة إذا كان عدم أي وسيلة لتسخين الماء يجوز له أن يتيمم خشية الهلاك على نفسه، خشية أن يمرض، فالله عزّ وجلّ ما جعل علينا في الدين من حرج.
وهذا التيمم -أيُّها الأحبَّة- كما شرحنا سابقا ضربتان أو ضربة على خلاف بين الفقهاء ضربة للوجه والكفان كما في البخاري؛ تضرب بمجرد ضربت التراب بهذا الشكل فقد ضربته إذا علق كثير من التراب بيدك تنفخ عليه لكيلا تلوّث نفسك، فتمسح ظاهر يدك اليمنى بيدك اليسرى وظاهر اليسرى بيدك اليمنى ثم تمسح بباطن كفيك وجهك، هذا الفعل فقط، فقط هذا يجزئك عن الاغتسال وعن الوضوء، ما ترجع تسألني يعني أنا إذا فقت جُنُب لازم أمسح جسمي –أتمردغ- بالتراب كما يفعل بعض الجُهَّال؟ هذا الفعل يا إخواني هذه الضربه كما في البخاري كما علّمها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لعمّار بن ياسر، تضرب التراب هكذا ضربة واحدة وتنفخ إذا علق فيه كيلا تلوّث نفسك وتمسح ظاهر يدك اليمنى باليسرى وظاهر اليسرى باليمنى وباطن كفيك تمسح به وجهك، هذا الفعل فقط هكذا يُجزِئك عن الاغتسال ويجزئك عن الوضوء، وهذه أيضا من الرُخص التي رخصها لنا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إمام منهج اليُسر والتيسير، إنّ هذا الدين يُسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، وقلنا أنّ هذا يكون أين؟ خارج العمران، داخل العمران بشرط واحد، نسأل الله عزّ وجلّ ألا يوصلنا إليه أبدا، إذا انعدمت أيّ وسيلة لكي نسخّن الماء، نسأل الله ألا نصل لهكذا حالة داخل العمران وحينها يجوز التيمم خَشية الهلاك.
أمّا الرخصة الرابعة -أيّها السادة- أيضا ممّا يتشدّد بعض النّاس فيه عن غير علم فهو جواز تجفيف الأعضاء بعد الوضوء تراهم دائما ينفّرون النّاس عن التنشيف بعد الوضوء، وفي الحقيقة -أيُّها السادة- كان جمهور التابعين وكثير من الصحابة كانوا يتنشّفون بعد الوضوء، وفي الترمذي وغيره أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان له خرقة يتنشّف بها بعد الوضوء، على خلاف بين العلماء بجواز ذلك أو كراهيته لكن الأصل فيه والراجح فيه الجواز، وهذا فعل كثير من الصحابة والتابعين فلا تُشدِّد على نفسك ولا غيرك في برد الشتاء إذا توضأت تنشّف ولا حرج في ذلك.
أما الرُخصة الخامسة -أيُّها السادة- والتي يذكّرنا بها أيضا فصل الشتاء: فهي رخصة الجمع بين صلاتي الجماعة للظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت إحداهما وهو سنّة إذا وجد سببه والسبب ما هو؟ وهو المشقة الشديدة من مطر أو وحل أو ريح شديدة عاصفة مقتلعة، هذه -أيُّها الأحبَّة- هذه الموانع تجيز للمسلمين أن يجمعوا صلاة الجماعة -فالمنفرد في البيت لا يجمع الصلاة- ولكن لو حصل مطر شديد وجرت الطرق به بحيث تكون هناك مشقة شديدة على من يأتون لصلاة الجماعة، فيجوز للإمام أن يُصلي الظهر مثلا فيجمع معها يصلي فورا ثم يقيم صلاة العصر فإذا أذن المصلي لصلاة العصر ينادي أن صلّوا في رحالكم.
ما شرط ذلك؟ شرط ذلك المطر الشديد المانع من السير في الطرقات أو الثلج الذي يمنع من مسير الناس أو الريح المقتلعة يخاف الإنسان على ثيابه، يخاف على نفسه رياح شديدة، أمّا ما يفعله بعض قليلي العلم من التساهل، بعض البرق، بعض المطر، ثلج خفيف، تراه يتساهل في ذلك فيجمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء فهذا فعل خاطئ ولا يصّح.
إذا -أيُّها السادة- خمس رُخصٍ رخّصها لنا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-
رُخصة الأصل في طهارة ما يصيب الثياب، ورخصة جواز المسح على الخفين والجوربين، ورخصة التيمم خشية البرد الشديد خارج العمران، ورخصة التنشيف بعد الوضوء، ورخصة جمع صلوات الجماعة في المسجد إذا كان القدوم إلى صلاة الجماعة فيه مشقة شديدة على الّناس بسبب المطر أو الثلج أو الرياح الشديدة…
أحببت أن أذكّركم بهذه الرخص، أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من أهل اليُسر والتيسير، والبِشرِ والتبشير، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله، خيرُ الوصايا وصيّةُ ربِّ البرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن…
قبل أن نختم حديثنا اليوم -أيُّها السادة- أحببت أن أذكّركم ونفسي، أذكّركم ونفسي -أيُّها الأحبَّة- بتحذير وبشارة ووصيّة من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم.
أمّا التحذير -أيُّها الأحبَّة- فيتعلّق بالنار وبوسائل التدفئة في البيوت وفي المقرّات وفي الورشات وفي المصانع وفي غيرها، فلكم وقعت حوادث مأساوية مُفجعة احترقت فيها بيوت واختنق فيها صغار أو كبار بسبب التساهل في نهي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ» [متَّفق عليه]، وصيّة ونهي وتحذير من النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- “لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون” كثير من النّاس ينام بقرب النار أو يترك النار مشتعلة يقول لك تطفأ من تلقاء نفسها، ولكن قد تتسرب النار وتسبب حريقا أو قد لا تشتعل بشكل جيد فيحرج غاز سام كثاني أكسيد الكربون ويخنق النّاس وهم نيام، النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون”.
وفي حديث آخر صحيح أيضًا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: “احْتَرَقَ بَيْتٌ عَلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَّا حُدِّثَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَأْنِهِمْ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ» [مُتَّفَق عليه]. إنّ هذه النار عدوّ لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم، فيها مضرّة، متى كنت نائما لا تشعر ما يجري من حولك قد تشتعل نار قد تتسرب نار قد يخرج دخان وغاز يخنق النّاس وهم نيام فلابدّ أن تلتزم وأن توصي أهل بيتك بالتحذير الذي حذّرنا إيّاه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم.
أمّا الوصية -أيُّها الأحبَّة- فأوصيكم وأوصي نفسي بأن نتعاهد إخواننا في هذا الفصل؛ فصل فيه الشدة وفيه البرد وفيه إن شاء الله خير وغيث وكرم من الله تعالى، وحتى يُكرمنا الله تعالى لابدّ أن يكون منا الكرم والرحمة: «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». [رواه الترمذي وأبو داود]، ساهم ولو بالقليل، بكسوة مسلم عاري، بتدفئة مسلم بردان، بإطعام مسلم جائع، أخا الإسلام حتّى يخفّف الله المحنة علينا جميعا وحتى يرحمنا االله تعالى ويسقينا بإذنه سبحانه سقيا رحمة لا سقيا عذاب.
وأود أن أنبّهكم بأنّنا إن شاء الله في هذا الأسبوع في مسجدنا لن نجمع تبرعات للمسجد سيكون الجمع للفقراء والمساكين القاطنين في حيّنا، فمن أراد أن يساهم بصدقة، من أراد أن يساهم بزكاة لأنّها ستوضع أيضا في مصارف الزكاة للفقراء والمساكين فليساهم، لا تحمل معك الآن لجنة المسجد موجودة مثلا نحن الآن في نهاية العام الشمسي أغلب التجار يخرجون زكاة أموالهم على رأس السنة يجردون مستودعاتهم ويخرجون زكاة أموالهم، بإمكانك أن تتبرع في صناديق الفقراء والمساكين في مسجدنا والتي سنساعد بها الفقراء والمساكين من جيراننا عسى أن ينوبك منهم دعوة صالحة وعسى أن ينالنا جميعا دعوة صالحة من فقير مسكين: «رُبّ أشعث أغضر إذا أقسم على الله لأبرّه». [رواه مسلم].
والآن -أيُّها الأحبَّة- سأختم بالبشارة بشارة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «ثِنتانِ لا تُردَّان، أو قلَّما تُردَّان، الدعاء عند النداء، وتحتَ المطَر». [صحيح أخرجه أبو داود]. قال ثِنتان قلّما تردان أو لا تردان الدعاء عند النداء والدعاء تحت المطر، فاكسب في فصل الشتاء إذا كنت تحت المطر أكثر الدعاء، فما بالك لو كنت تسمع النداء وأنت قادم إلى المسجد تحت المطر أكثر من الدعاء لنفسك ولأهل بيتك ولجيرانك وللمسلمين جميعا، أكثر من الدعاء -أيُّها الأخ الحبيب- رسول الله قال: “«ثِنتانِ لا تُردَّان، أو قلَّما تُردَّان، الدعاء عند النداء، وتحتَ المطَر».
أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يُجيب دعاءنا وأن يفرّج كربنا وأن يجمعنا جميعا حيث لا حرّ مزعج ولا برد مزعج وهذا من كمال نعمة الله تعالى على أهل الجنة قال: (مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) [الإنسان: 13]، هناك -أيُّها السادة- يكون هناك نور بلا شمس ويكون الجوّ لا بردا ولا حرّا (مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا)، جمعنا الله وإيّاكم جميعا على سُرُر متقابلين حيث لا شمس ولا زمهريرا، في جنة عالية قطوفها دانية… اللهم آمين آمين…
إنّي داع فأمنوا.