جناية النظام :
هناك جرائم ارتكبها النظام غائبةٌ عن الحسبان, رغم خطورتها وظهور أثرها السلبي الآن في ثورتنا.
فقد استخدم أجهزةَ الدولة وغيرها من : إعلام وتعليم وتربية وآداب وفنون .. بالإضافة لسلطة القمع, في مدة تزيد على نصف قرن .. لأجل ألا يدرك الشعبُ :
١- أهمية التنظيم.
٢ – حبّ الانتماء.
– فالأولى : نجد أنّ الشاب السوري نشأ هو وأبوه بحيث لايدركان أهمية ” تنظيم ” الجهود والطاقات ..
سواء بسبب القمع أو بسبب الجهل, والاثنان يتفاعلان مع بعضهما البعض.
ومثالُ القمع هو ما حصل مع شباب من ( داريا ) عام ٢٠٠٣, وتأثّراً ببرنامج تلفزيوني, حين أحبوا المساهمةَ الاجتماعية التطوعية, ” فنظّموا ” أنفسَهم لأجل تنظيف شوارع مدينتهم, فما كان من النظام إلا القمع والاعتقال ! خشيةَ أن يتطور ذلك إلى ما يخشاه..
هذا لا محالة – منذ سيطرة البعث على السلطة – سيؤدّي إلى عدم تحبيذنا للتنظيم أيّ تنظيم, بل تجذّر ذلك في وجداننا وتفكيرنا وسلوكنا إلى درجة الرفض له, إن لم نقل المحاربة ! وهو ما أوجد الجهلَ بأهميته..
والآن في ثورتنا نحصدُ ما زرعه النظام, من تشتت الطاقات وعدم التكتل في بوتقة واحدة, رغم صعوبة الموقف وشراسة المعركة !!.
– أما الثانية فهي ناتجة إلى حدّ ما عن الأولى, مضافاً لها نتائج تغوّل الدولة ..
فجميعنا يذكرُ أيام المدرسة كيف كان يأتي المسؤولُ الحزبي طالباً منّا ” الانتماء ” للحزب الواحد الأوحد , كنّا حينها لانجرؤ على القول : ( أنا محايد ) رغم سلامة ذلك في العلوم السياسية.
إنما كنا نقول : ( أنا غير منتمٍ ) , وربما : ( أنا لا شيء ) أو ( أنا غير موجود ) ..
مع العلم أنّ الانتماء, كما يقول بعضُ علماء النفس, مسألةٌ غريزية لابدّ منها .
ولهذا حين يخاف منها الطاغيةُ العربي يحوّلها إلى ما لا يزعجه, وهي الأندية الرياضية, الذي يكون الانتماءُ لها لا مشكلةَ فيه البتة, وإن وصل لدرجة التعصب !
و ( هوشة ) مباريات كرة القدم في الثمانينات بعد مجزرة حماه, وفي الألفية الجديدة بعد ربيع دمشق , شاهدٌ تاريخي على ما نقول .
والشباب العربي المحيط لنا – لكي لانذهب بعيداً إلى الدول العريقة في الديمقراطية – لايرون غضاضةً في الانتماء للتكتلات والتنظيمات, وإلا فدونكم لبنان وفلسطين والأردن وكذلك الكويت واليمن .. سترون الشابَ هناك غيرَ مشتت أو مجردَ إنسان سلبي, فهو إما ينتمي لتيار ما تنظيمياً, أو على الأقل ينتمي له فكرياً أو عاطفياً.
والسبب هو وجود أحزاب عريقة وقديمة فيها, نعم هي دون الفاعلية المطلوبة, لكن لها حضور, وظلمُ البعث وآل الأسد الذي عشناه ما شابهه ظلم.
من زاوية أخرى إضافية, تصوروا لو أن رؤساء العالم قال أحدهم:
(أنا لا أنتمي لأيّ شيء).
حينها لن يصيرَ أيُّ واحد منهم من صناع القرار العالمي.
و /طوني بلير / في مذكراته, كان مشغولاً بتطوير حزبه وتقويته أكثرَ من أيّ شيء آخر ..
هذا ما بدا لي, والله تعالى أعلى وأعلم
علاء البيطار
مدينة الباب_حلب