بقلم: د. وائل الشيخ أمين
أرجو من البداية أن أوضح أنني من أكثر الناس حذراً في تناول الرموز والمرجعيات، وعندما أقوم بنقد رمز أو مرجعية أو الطعن فيه، فإنني أقوم بذلك بشكل منهجي، لا بردة فعل نفسية محضة، وقد صورت حلقة طويلة في ذلك موجودة في الرسالة المثبتة أعلى القناة.
أيمن سويد ابن داريا المقيم في جدة في بدايات الثورة، لم يلحق بركب الثورة ولم يتخذ موقفاً تجاهها، على الرغم من سهولة ذلك عند السوريين المقيمين في السعودية في تلك الفترة.
وإن عدم اتخاذ موقف في الأزمات هو موقف سيء.
ولعل الحادثة التي حصلت قبل حوالي سنتين من موافقة أيمن سويد على وضع علم النظام السوري في مكان جلوسه في مسابقة لحفظ القرآن، يتم استحضارها اليوم عند من رأى صورته الأخيرة مع كهنة بشار الأسد.
وقد سمعت مؤخراً تبريراً مضحكاً مبكياً منه يقول فيه أنه أحرج في التقاط الصورة!
أي أن الموجودين معه من كهنة بشار قد أحرجوه ليلقتطوا له هذه الصورة، والمطلوب منا أن نعذره لأنه محرج!
سبحان الله !
والله عذر أقبح بكثير من الذنب.
فهو لم يعرف إلى الآن أين هو سقوطه الأخلاقي!
فليست المشكلة في اجتماعه الودّي الأخوي مع ثلة المجرمين المنافقين، بل المشكلة في توثيق هذه اللحظة.
أما من يبرر له فعله فلا يقل إجراماً عنه أبداً، فهو يريد أن يضلل الناس، ووالله لا أدري لماذا خرج هؤلاء في الثورة – أعني المبررين – ما داموا لا يرون حرجاً في الاجتماعات الودية الأخوية مع رؤوس الإجرام في سورية!
يا أخوة عندما نقول هذا الكلام فنحن لا نساهم في إسقاط الرموز، فأيمن سويد لم يكن يوماً رمزاً من رموز الثورة، بل كان رمزاً دينياً وقد سقط هو سقوطاً أخلاقياً كبيراً.
إن الخطورة الكبيرة ليست في سقوط الرجل بل في أن يبقى مثل هذا الرجل رمزاً عند عامة الناس، رمزاً لشبابنا وأطفالنا.
لن أطلب من ابني أبداً أن يحترم رجلاً كان يستطيع أن يقف مع الحق بسهولة، وامتنع لإرضاء أصدقائه من المجرمين!
بل سأقول لابني أن العلم لا يغني من الأخلاق شيئاً، وسأضرب بأيمن سويد له مثلاً.
لن أحترم ولن أطلب من أحد أن يحترم رجلاً ضغط عليه الاحراج الاجتماعي من إخوانه المجرمين أكثر من ضغط الواجب الأخلاقي عليه عندما تم تدمير بلده وقتل وتهجير شعبه.
لن أحترم رجلاً يرى أن جميع الناس الذين يتابعونه لا يستحقون منه أن يخرج ويبرر بشجاعة لهم موقفه.
لن أحترمه، ولن أبرر له موقفه، ولن أقول للناس:
لعل له عذر!
بل سأقول لقد كان أيمن سويد رمزاً وسقط، وثورتنا وديننا وأخلاقناأغلى منه بكثير لن نتزحزح عنها كي لا نؤذي مكانته.
* * * *
بقلم: معتز ناصر (جاد الحق)
كل فترة نُصدَم بشيخ كنا نظن فيه الخير، ونُفَاجَئ بتصريح، أو لقاء، أو تغريدة له تظهر وقوفه بجانب الطغاة الذين باتت عمالتهم وإجرامهم من أبجديات الحياة التي يدركها الطفل بفطرته قبل عقله.
حرص الطغاة على تحريفهم لمفهوم العلم ووسائله، حيث حولوه لآلة من العبودية والسير الأعمى خلف الشيخ المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإن فرضنا جدلا أنه أتاه فعلى من خلفه الترقيع له بدافع من العاطفة المتسترة بكم مهول من الآيات والأحاديث وأقوال السابقين عن حرمة وخطورة انتقاد “العلماء”.
الأمر ليس فقط مسألة نفاق وإيمان، بل هو معقد أكثر من ذلك نحتاج فيه لدستة من العلوم الإنسانية لتفسيره، ومن أبدع من فسّره من منطلق علمي إنساني هو ابن خلدون رحمه الله ( مؤسس علم الاجتماع ) ..
فسَّر ابن خلدون ضعف شأن الإسلام بتحول تعليمه إلى “سلطنة قهر” من الشيخ في الكُتَّاب للتلاميذ، مما أفسد بأسهم وأنشأ فيهم الذلة.. وقد كان رسول الله يعلم الصحابة الإسلام في ظل تربية قيادية تنشئ رجال دولة ذوو شخصيات قوية مشبعة بالثقة وبالتالي كان صلى الله عليه وسلم حريصا على عزة نفوسهم!
يقول ابن خلدون: “ونجد أيضا الذين يُعانون الأحكام (السلطة) وملكتها من لدن مَرْبَاهم في التأديب والتعليم في الصنائع والعلوم والديانات ينقص ذلك من بأسهم كثيرا ولا يكادون يدفعون عن أنفسهم عادية بوجه من الوجوه، وهذا شأن طلبة العلم المنتحلين للقراءة والأخذ عن المشايخ والأئمة الممارسين للتعليم والتأديب في مجالس الوقار والهيبة، فيهم هذه الاحوال وذهابها بالمنعة والبأس”.
ويردُّ ابن خلدون على تساؤل: لماذا إذن لم يذهب بأس الصحابة رغم أنهم تأدبوا وتعلموا الدين وأخذوا العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
فيقول: لأنهم لم يأخذوا الدين كما يأخذه الناس بالتأديب والتعليم الذي هو مهنة وصنعة، بل تلقوه وهم أحرار النفس مقبلون عليه متحركون إليه فلم تنكسر نفوسهم، أو بتعبيره “كان وازعهم فيه من أنفسهم لما تُلِي عليهم من الترغيب والترهيب، ولم يكن بتعليم صناعي ولا تأديب تعليمي إنما هي أحكام الدين وآدابه المتلقاة نقلا، يأخذون أنفسهم بها بما رسخ فيهم من عقائد الإيمان والتصديق، فلم تزل سَوْرَة بأسهم مستحكمة كما كانت ولم تخدشها أظفار التأديب والحكم”.
وأيضا قبل سبع قرون كتب “ابن خلدون” في مقدمته فصلا بعنوان “أن العلماء من بين البشر أبعد عن السياسة ومذاهبها” ذكر فيه أن العالِم المنعزل بعلمه عن شأن السياسة يتعامل مع المسألة تعاملا رياضياً نظرياً، لأنه تمرَّن أن يجرد المسألة في صورة نظرية عامة ثم يُفرِّع منها الفروع، وهو إذا فعل ذلك فإنه يشتبه عنده ما ظاهره التشابه بينما يغفل عن الفروق التي يدركها السياسي، بل ربما أدركها العامي الذي لم يتكوَّن عقله على هذه الصورة الرياضية الهندسية التي تنحو إلى التجريد والتأصيل.
ولهذا كله ندرك تماما كيف نحفظ أسماء أحمد بن حنبل، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية وغيرهم ممن قرن علمه بفعله وقوله، وننسى ملايين غيرهم اشتغلوا بالعلم فقها وتفسيرا وحديثا، وغيرها من ضروبه وألوانه، لأن الحالة العامة للعلماء ومع كل أسف هي الحياد والانعزال، إن لم يكن الوقوف بالصف الخطأ، وذلك بسبب الطريقة الخاطئة التي تلقوا فيها العلم، على عكس ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه.
( ملاحظة هامة: فكرة المنشور وجزء كبير منه اقتبستهم من منشورات للمؤرخ محمد إلهامي مع بعض الإضافة مني )