كانت عائشة رضي الله عنه تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يشكل عليها من أمور الدين ..
سمعته عليه الصلاة والسلام يقول: من نوقش الحساب عذب.
فقالت: أليس يقول الله تعالى: (فسوف يحاسب حساباً يسيراً)؟
فقال: ذلك العرض.
ولما سمعته عليه الصلاة والسلام يقول:
(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه).
قالت : يا رسول الله، كلنا نكره الموت. قال : (ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله، وكره الله لقاءه).
وثم سؤالات اخرى لها ولغيرها من الصحابة رضي الله عنهم.
وهو يوصلنا إلى نتيجة مهمة، وهي أن المشكلة ليست في ذات السؤال، بأن يسأل المسلم عما يشكل عليه من أمور دينه، ويبحث عما يجيب عن استشكالاته، ويزيل ما يظنه من تعارض.
بل هذه السؤالات قد تزيده ايماناً، وتفتح له باب الفقه في الدين، ومعرفة كمالات الشريعة وحسنها.
الإشكال يأتي في كيفية التعامل مع الأسئلة والاستشكالات، فالخلل في ذلك هو الذي يوقع بعض الشباب والفتيات في انحرافات، ويجرفهم في التيه والحيرة، بسبب استشكالات لم يحسنوا التعامل معها.
ومن نماذج الخلل في التعامل مع الاسئلة والاستشكالات:
-ترك سؤال أهل العلم، واعتناق الأفكار والمباحث الدقيقة من دون سؤال أو مناقشة لهم.
-الاستعجال في حسم النتائج، فما أن يرد أدنى سؤال حتى تعقبه النتائج الضخمة سريعاً من دون ترو ولا تأن.
-ترك البحث والاطلاع، والاكتفاء بالتفكير العقلي أو البحث السريع اليسير.
-الاعجاب بالنفس، والاعتداد بالرأي.
-التسليم لأصول بدعية منحرفة وجعلها حاكمة على الشرع.
-الخضوع لضغط الانطباعات والأحوال النفسية والتجارب الشخصية.
هذه جوانب من الخلل الذي يصاحب أسئلة بعض الشباب والفتيات في عصرنا فيكون لها أثر سلبي رديء في افساد قلوبهم والعبث بيقينهم.
مع أن منشأ بعض هذه الاسئلة يسير جدا، فهو قد يستشكل حديثاً في صحيح البخاري، لو فتح أقرب كتاب لوجد نقاشاً موسعاً حوله، يزيل عنه الإشكال، بل ويوسع نظره على إشكالات اخرى لا يعرفها.
لكنه بسبب الخلل في الاسئلة اخذ يضرب يمنة ويسرة حتى يتخلص من هذا السؤال، ثم أخذ يفكر بضرورة إعادة قراءة التراث، وتجديد الوعي، والكشف عن ما تراكم على الفكر الاسلامي من تصورات دخيلة ..
كسر بسببه في الاصول وشكك في السنة، ولم يستطع بعد كل هذا الدمار الذي أحدثه من الجواب عن السؤال اليسير الذي اشكل عليه!
الإشكال اذن هو في منهج التعامل مع الأسئلة، فقد تكون هذه الاسئلة سبباً لزيادة الايمان، ومحفزاً للتعلم، وطريقاً لتلمس محاسن الشريعة وجمالها، كما قد تكون سببا للانحراف والضلالات، والعامل المؤثر فيها هو “منهج التعامل”.
وهو الذي يفسر ظاهرة “التحولات السريعة” التي تعصف ببعض الشباب والفتيات، فيتلقف الافكار والشبهات سريعاً، ويتبنى التصورات المنحرفة تحت تأثير مجلسٍ حضره، أو برنامج شاهده، أو صديق تعرّف عليه، فجاءته اسئلة جرفته بعيداً، لم تكن ذات الاسئلة هي السبب، وإنما من خلل التعامل معها.