يتداول بعض السوريين هذه الأيام وثائق ودعوات تطالب بعض دول العالم بوضع الدولة السورية والشعب السوري تحت الوصاية ، على نحو ما كان عليه الأمر في مرحلة في فترة ما بين الحربين .
وبغض النظر عن خلفية هذه الدعوات وبواعثها ، والقراءة السياسية للذين يتبنونها ويدعون إليها ويقدمون مبرراتها ومعاذيرها ؛ فإن الدعوة إلى مثل هذا لا تليق ولا تستقيم ..
فهذه الدعوات ، ومرة أخرى بغض النظر عن بواعثها وخلفياتها ، لا تليق بشعب وارث حضارة وصانع ثورة ستكون عندما تدرس في الغد القريب مضرب المثل في المضاء والنقاء والتضحية والفداء …
ولن يستطيع أحد كائنا من كان أن يشوش علينا الرؤية في جمال ثورتنا ونقائها ومضائها وتعاليها وإنجازاتها وأثر الآخرين في تشويهها ، وكلما قائل قائل فيها تذكرت قول سيدنا يوسف ” أنتم شرٌ مكانا والله أعلم بما تصفون ”
وهذه الدعوات إلى وضع سورية تحت الوصاية تتجاهل أن عهد الوصاية والانتداب الأول هو الذي أسس لسورية الحاضرة ، سورية الطائفية “عبر جيش الشرق وحزب الطوائف ، والتعبير للمرحوم منيف الرزاز الأمين العام الثاني للحزب المذكور ، في شهادته المعنونة بالتجربة المرة .
الذين يدعون إلى فرض وصاية على سورية بأي أسلوب من أساليب الوصاية ، يشهدون على أنفسهم ، بوصفهم سوريين ، وضمنا على شعبهم أنهم فاقدون لأهلية التفكير المستقيم ، والتدبير السديد . وهي حالة عنون لها القرآن الكريم بالسفه ، وما كان السوريون بجمعهم ، يوما عاجزين ولا قاصرين ولا سفهاء ..وهم في الوقت نفسه يشهدون للآخر – أيا كان هذا الآخر – أنه يريد صلاحا وفلاحا ونجاحا للسوريين !! وهل أورد السوريين هذه الموارد ، وأدخل ثورتهم هذه المضائق ؛ إلا ثقة بعض الناس “بالآخر ” واتكالهم أو تواكلهم عليه .
العجيب أن بعض الذين يؤيدون الدعوة لوضع سورية تحت الوصاية ، لا ينسون أن يفذلكوا دعوتهم وأنها بشرط وبقدر وكان الذي يقرر أن يسلم قياده للإخرين ينتظر منهم أن يطيعوه في تحديد طريقتهم كيف يقودون ؟!
قد تكون الدعوة إلى وضع سورية تحت الوصاية تعبيرا عن يأس أو عن إحباط أو محاولة من الهروب من مخرجات واقع يتخبط فيه الكثير من المتخبطين .
وكل ما سبق من قول لا ينكر الواقع الصعب والأليم الذي انتهى إليه المشهد الوطني في سورية . سورية التي أصبحت الدولة الرابعة في الهشاشة والفشل على مستوى العالم وبعد السودان والصومال واليمن وحسب معايير وإحصاءات مؤسسة ” الصندوق الأمريكي للسلام ”
نحن في سورية لا ينقصنا ” عقل ” ولدينا من العقول أكثر بكثير مما كان لدى رجال المؤتمر السوري العام ” 1920 ” ربما الذي يفصلنا عنهم هو خلفية نفسية متسربلة في مثقفينا ” بثقافة الانتظار ” ثقافة الذين ينتظرون من الآخرين أن يفعلوا ولو بالوصاية يفرضونها علينا ، وكم قرأنا في كتب تاريخ حالات لأرقاء يستطيبون الرق ويرفضون الحرية ..
ونحن في سورية لا تنقصنا ” الإرادة ” وإن شعبا ضحى أبناؤه بمئات الألوف من الشهداء ، وبأمثالهم من المعتقلين وبملايين المشردين لا يحتاجون إلى ” آخر ” جديد يفرض عليهم نفوذه وهيمنته ، ويسوسهم كما يريد ..
الموقف ضنك ، والمعادلة صعبة ، والمخرج عسير ؛ ولكن أول الطريق إلى ” سفر الخروج ” أن نعيد التأسيس على حقيقة أننا يجب أن نتحمل ، وأننا قادرون ، وأننا مستعدون . وبين العجز الذي يفرضه علينا العاجزون وبين الضعف الذي نعيشه بفعل عوامل كثيرة أهمها ” الأوصياء ” الظاهرون والمستترون ، أمداء كثيرة ؛ يمكننا أن نعتمد عليها في الاستئناف إلى غدنا الجديد ..
أيها السوريون السوريون السوريون ..
وكيف إذا تحدث الناس أن الثوار السوريين يطلبون فرض الوصاية على بلادهم من مستعمر جديد ؟!
إن المخرج الأول لما نحن فيه كما تعلمه سنوات الثورة العشر أن يستغرق قلوبنا حال صوفي ينادي على كل الأغيار : ارفعوا أيديكم عن سورية الوطن والإنسان . وأن يكون هذا الشعار حالا قبل أن يرتفع شعارا ومقالا . وأن يكون الجنب السوري للسوري ألين .
أيها السوريون ..السوريون ..السوريون ..
بالثورة على نظام الوصاية ” الوظيفي ” خرجنا ، ومن أحب أن ينافس على هذا المقام فإن هذا مستنقع ماله عند زمرة الأسد من قرار ..
أيها السوريون السوريون السوريون ..
تذكروا وثيقة العار التي وقعها قوم طالبوا فيها المستعمر الفرنسي بالبقاء وما زلتم عن عارها تتحدثون..
” يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا “