#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
القدس والوعد القرآني
من هرتزل إلى صفقة القرن
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 31 دقيقة.
التاريخ: 25/شوال/1440هـ
الموافق: 28/حزيران/2019م
الأفكار الأساسية في الخطبة الأولى
1️⃣ صفقة القرن وأخطر ما سُرِّب عنها.
2️⃣ شرف بيت المقدس وأكناف بيت المقدس
3️⃣ شرف الجهاد في الشام
4️⃣ علوّا اليهود في الأرض كما حدث القرآن
5️⃣ خطأ المفسرين عند ربط الآيات بالأحداث التاريخية
6️⃣ جوار اليهود من أهم أسباب ما يجري في سوريا
7️⃣ قصة السلطان عبد الحميد الثاني وعرض اليهود عليه ومن ثم خلعُه.
8️⃣ مَن وكيف تآمروا على تمزيق الدولة العثمانية.
9️⃣ عندما لا تدافع الأمة عن سلطانها؛ محمد مرسي نموذج ثاني أيضا.
الأفكار الأساسية في الخطبة الثانية
🔟 الدعوة إلى المشاركة بالرباط
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
- ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فهو المهتد، ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشِدًا، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عبدُه ورسوله وصفيُّه وخليله، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كُلِّه ولو كرِه المشرِكون، فصلوات ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المُحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهُداهم إلى يوم الدين… أما بعد إخوة الإيمان:
طالعتنا وسائل الإعلام العربية والعالمية في الأسبوع الماضي وهي تتحدث عن ما سُمي صفقة القرون، صفقة أصحاب قرون العمالة والدياثة والخيانة والنذالة، تلك الصفقة التي أسماها القائمون عليها صفقة القَرن، صفقة تعين المتصدِّرين من حكّام العرب على الانتقال من العمالة والعمل مع اليهود سِرًّا إلى الانفتاح عليهم علنًا وجهرًا، صفقة تقوم على إعطاء مدينة القدس كاملةً عاصمةً للكيان الصهيوني (إسرائيل)، وتهجير الفلسطينيين إلى شمال صحراء سيناء، صفقة تقوم على تطبيع الدول العربيّة مع إسرائيل، فأيُّ دولة في العالم مهما بلغت من رقي علمي وتقدم اقتصادي لا يمكن أن تحيا بازدهار ما لم تنفتح على الدول المجاورة سياحةً وتجارةً وانتقالا، وإسرائيل وإن كانت مُنفتِحةً بتجارتها واقتصادها على دول الأرض عبر البحر فهي لا تزال محاصرة من بعض الدول العربية، لا تدخل بضائعها ولا تدخل منتجاتها ولا يتحرك أفرادها… طبعًا وكلُّ هذا بتمويل منافقي دول الخليج من العرب، كلُّ هذا؛ تهجير المسلمين واستباحة محرَّماتهم ونقلهم من بلادهم… سيكون بتمويل حكَّام العرب الذين يتحكَّمون بنفط الإسلام وعِّز المسلمين واقتصاد المسلمين، وما المقابل؟
المقابل فقط أن يبقى أولئك الضعاف على كراسيِّ التسلُّط على المسلمين، لأنَّهم من غير قوَّة تبقيهم في سلطانهم لا سُلطان لهم ولا عزَّ ولا تمكين، يُضحُّون بالقدس، يضحُّون بأوُلى القبلتين وبثالث الحرمين، يُضَحوّن بمسرى النبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- بل بقضيَّة فلسطين كاملة.
القدس -أيُّها السادة- مسرى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [الإسراء: 1]…
القُدس أولى القِبلتين. رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان في مَّكة يصلّي فيجعل الكعبة أمامه والقُدس من بعدها، فلمَّا هاجر إلى المدينة غدت القُدس وغدى المسجد الأقصى إلى الشمال والكعبة إلى الجنوب فكان يصلّي إلى المسجد الأقصى قرابة ستةَ عشر شهرًا ويستدبِر الكعبة من ورائه إلى أن أتى أمر الله بتحويل القِبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرَّفة.
القُدس والمسجد الأقصى الذي حدَّث عنه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إذ قال: “لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا”. (أي مسجد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم). [متفق عليه]
(الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)، وقال عنه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم: “إيتوه فصلُّوا فيه فإنَّ صلاة فيه كألف صلاة في غيره“.
المسجد الأقصى الذي باركنا حوله بارك الله حوله من سيناء مصر إلى فُرات بلاد الشام، ولعل من أعظم بركة للمسجد الأقصى بقاء أهل الإيمان وأهل الحقِّ وأهل الجهاد وأهل الإسلام حوله على مدى التاريخ رغم شدَّةِ المكر والمِحَن، ورغم ما فعله الأعداء، وفي هذا يقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- : “لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إلا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ” (أي إن ما يصيبهم من شَظَف العيش وضيق في العيش وهم في جهادهم)، “لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إلا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ (أين أولئك القوم الظاهرون على الحقِّ حتى يأتي أمر الله؟) قَالَ روحي فداه: “بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ”. [رواه أحمد].
ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس؛ أي وما حول بيت المقدس من بلاد المسمين، ولعلَّ رواية أبي يَعلى توضِّح لنا أين يكون أكنافُ بيت المقدس، إذ قال -صلّى الله عليه وسلّم-: “لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها (اللهم اجعلنا منهم) وعلى أبواب المقدس وما حوله لا يضرهم من خذلهم ظاهرين على الحقِّ إلى أن تقوم الساعة”. ظاهرين على الحقِّ إلّا أن تقوم الساعة.
من قرأ التاريخ -أيُّها الأحبُّة- عرف أن أكناف بيت المقدس من فرات بلاد الشام إلى سيناء مصر كانت عبر التاريخ إمّا أرض عِزٍّ للمسلمين أو أرض جهاد يقاتل فيها المسلمون عدوَّهم، إمَّا أن تكون لنا بعزٍّ وتمكين أو تكون أرضَ جهاد؛ لا ينقطع فيها الجهاد إلى أن يرِث الله الأرض ومَن عليها وإلى أن تقوم الساعة.
لذلك -أيُّها الأحبَّة- لابدَّ أن تعلموا أن جهادكم في أرض الشام هو هذا الجهاد الذي أخبر عنه رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- هو هذا الجهاد الذي سيقهر اليهود الذين أخبرنا الله تعالى عن علوِّهم في الأرض مرتين وعن نهايتهم.
لابدَّ أن تعلموا -أيُّها السادة- أنَّ كثيرا ممَّن انغش بسلوك اليهود الظاهر هذا شخص عمي بصره وعميت بصيرته عن الحقيقة، كثيرٌ من الناس في ثورتنا وفي جهادنا تراهم يتحدثون يضربون الأمثال قائلين: “اليهود لم يفعلوا ذلك” اليهود لم يفعلوا ذلك! اليهود وقد استقبلوا بعض الجرحى في المنطقة الجنوبية من درعا وما حولها يوم كان فيها ثورة وجهاد.. اليهود واليهود!!!
لابدَّ أن تعلم أخَ الإسلام أنَّ كلَّ من يقاتلنا في بلاد المسلمين، وأنَّ جلَّ الأنظمة العميلة وما تجرمه بعباد الله المؤمنين إنَّما هو بتوجيه اليهود وخدمةً لليهود، ما يجري في بلاد الشام من استباحة لدماء المسلمين ومعونة دول الأرض قاطِبة للمجرمين في أرض الشام إنَّما هو لأنَّ اليهود لم يجدوا بديلا يخدمهم خيرا مما خدمهم به آل الأسد وطائفتهم النصيرية الحاقدة على الإسلام والمسلمين، لم يجدوا بعمالتهم ولا بسفالتهم ولا بنذالتهم ولا بحقدهم على الإسلام والمسلمين، لذلك كانوا دائما يقفون عقبة في وجه أي قوة ستعين المسلمين في الشام على تغيير حالهم…
ما تعيشه أنت في الشام وما يعيشه المسلمون في مصر وفي غيرها من بلاد المسلمين إنَّما هو عمالة مباشرة وخدمة مباشرة وتوجيه مباشر من اليهود الذين وجدوا من يُجرِم بالنيابة عنهم، فلماذا يباشرون ذلك بأيديهم؟!
هؤلاء اليهود الذين غدا لهم أول علوٍّ في الأرض، الله تعالى -أيُّها السادة- أخبرنا عن علوٍّ لبني إسرائيل في مطلع سورة الإسراء التي قال فيها الله سبحانه وتعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا * وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) [الإسراء: 1-8].
يخبرنا القرآن الكريم -أيُّها السادة- عن عُلوَّين وظهورَين لبني إسرائيل في الأرض، الأوَّل تنتهي به دولتهم في القدس ولكن ما يلبَث ُأن يعودوا ويظهروا، فيكون الثاني الذي ينهي وجودهم في القدس وما حولها.
كثير من المفسرين على أن العلوَّ الأوَّل هو ما كان في ماضي الزمان زمنَ مُلكِ نبيِّ الله سليمان ومِن قبله أبيه داود وأنَّ الذي نشهده في زماننا اليوم من اليهود هو العلوُّ الثاني وبعده نهايتهم، فإذًا على كل حال إن كان هذا علوَّهم الأَّول أو علوَّهم الثاني ستكون لهم نهاية قريبة إن شاء الله فكلُّ آت قريب، ولكن -أيُّها الأحبَّة- للدِّقة ولكي أوضح لكم، فقد أخطأ المفسِّرون الذين اعتبروا أنَّ الظهور الأَّول كان علوًّا لبني إسرائيل وهو خطأ فادح، أصاب وصدق كلام الله وأخطأَ المفسِّرون في ربط الآيات بالسياق التاريخي لأنَّ الله تعالى يخبرنا عن علوٍّ في الأرض لبني إسرائيل، أي ستكون لهم سلطة وقوة على كل الأرض وعلى دول الأرض قاطبة وهذا لم يحدث في التاريخ، كانوا دائما ضِعافا أذلاء مستضعفين وعندما كانت تقوم لهم دولة لم يكن ظهورها على مستوى الأرض قاطبة حتّى لمّا قامت لهم دولة في أقوى قوَّتها زمن ملك نبي الله سليمان وداود كانت سلطتهم على مستوى الإقليم لم يغلبوا دولة فارس ولم يغلبوا دولة الإغريق ودليل ذلك أن دولة فارس أتت غزتهم فدمَّرت مملكتهم قاطبة وشرَّدتهم في ما سُمّي بالسبي البابلي الشهير لليهود أخذوهم سبايا للعراق، الله تعالى يقول: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)، وفي المرَّة الأولى لم يأتهم عباد مؤمنون موحدون صادقون، الله تعالى أخبرنا عن علوٍّ في الأرض لم يكن لهم علو في الأرض، لأوَّل مرة في زماننا يعلو اليهود على مستوى الأرض الآن إسرائيل واليهود في العالم يتحكَّمون باقتصاد الأرض ويتحكَّمون بإعلام دول الأرض، ويسيطرون بالقرار السياسي على جلِّ دول الأرض، حتّى أمريكا وروسيا الدول العظمى الدائرة الضيقة التي تسيطر عليها ساسة واقتصادا واجتماعا هم من اليهود لأول مرة في التاريخ، (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) هذا الأوَّل، (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) هذا العلوِّ الأوَّل، (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا) ؛ نبوخَذ نصَّر البابلي كان وثنِيًا يعبد الأوثان من دون الله، لم يكن ينطبق عليه وصف الله تعالى (عِبَادًا لَّنَا) أي مؤمنين موحدين، بعض المفسرين قالوا هو عمر بن الخطاب لمّا دخل المسجد الأقصى وهذا أيضا خطأ تاريخي كبير لأنَّ عمر بن الخطاب لمّا دخل المسجد الأقصى أخذه من الرومان النصارى ولم يكن به يهود أصلا بل كان اليهود مذلولين زمن الدولة الرومانية، لذلك الله تعالى يخبرنا والقرآن ينبئنا عن علٍّو في الأرض يبعث الله عليهم عبادا لنا، أخفُّ صفاتهم ما هي؟ أولي بأس شديد، الصبر الصبر ثم الصبر ثم الصبر (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10]، (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ) أي يدخلون عليهم ديارهم أوّلها فيخرجون بآخرها، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل أهل الشام منهم يدخلون عليها من شمالها فيخرجون من جنوبها، (عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا)، ثم يخبرنا القرآن أنه ستكون لهم كرَّة، سيأتيهم مددٌ ومعونة (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) أي على المؤمنين، (وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ) سيأتي من يمدُّكم بالمال وبالعدد، (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) يأتيهم امتحان جديد، (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا)، فتأتي الكرَّة الثانية لعباد الله الموحدين (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) يَدخُل عبادُ الله الموحِّدين عليها ثانية ولكن في المرَّة الأولى قال المفسرون لمّا ذكر الله المسجد دلَّ ذلك على أن المسلمين في الأولى سيدخلون الأقصى وقد لا يأخذوا كل دولة اليهود، أمّا في الثانية (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) أي يدمروا بنيانكم تدميرا وتختفي دولتكم من المسجد الأقصى وما حوله.
هذا ما أخبرنا به القرآن الكريم -أيُّها السادة- لذلك إن رأينا في زماننا من عمالة العملاء وخيانة الخوَنة ما يُساعد اليهود على العلوِّ في الأرض فنحن على يقين على أنَّ اليهود ومن معهم وإن كان لهم علوٌّ سيكون لهم ضربةٌ قاصمة بأيدي مؤمنين موحدين يجوسون خلال الديار بأيدي مؤمنين .أخبرنا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والحديث في الصحيح بأنه سيصيبهم بعض لأواءِ العيش، الآن أهل بلاد الشام، الآن أهل غزة المحاصرين النبي أخبرنا -صلّى الله عليه وسلّم- سيصيبكم بعض شظَفِ العيش، ستجوعون قليلا ستعطشون قليلا، ستكون في معيشتكم مشقَّةٌ قليلا فيكونُ صبركم مفتاح نصرِكم، يكون منكم من يصبر على الحقِّ إلى أن يأتي أمر الله، يأتي أمر الله بأمر قدري لا نعرفه، يهيئ الله تعالى أقدارًا تنصر المسلمين الصابرين فيجوسون خلال الديار وكان وعدًا مفعولا.
اليوم -أيُّها السادة- عندما نرى أولئك الخونة الذين يريدون التطبيع مع اليهود والذين يريدون بيع قضية القدس وفلسطين وما جاور ذلك – فقضية بلاد الشام إنَّما هي فرع من قضية القدس واليهود، ونحن ما نعيشه إنَّما هو بسبب جوارنا لأولئك اليهود لعنهم الله وأخزاهم الله- نتذكر في مثل هذا الموقف ونترحّم على من كان صادقا ووقف موقف عزَّة أمام اليهود، نتذكر مثلا السلطان عبد الحميد الثاني -رحمه الله- لمَّا أتى ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية العالمية وعمل مؤتمر بال في سويسرا سنة 1897م وصدر بقرار مفاده إقامة وطن لليهود لكي يتخلصوا من القهر والقمع، كل دول أوروبا -أيُّها السادة- لتاريخ اليوم الأوربيون جميعا يكرهون اليهود ويحقدون عليهم وإن كانت حكوماتهم مضطرة لمسايسة اليهود لأنَّ اليهود يسيطرون عليها، فخرجوا بفكر وطن قومي لكي يهربوا من الاضطهاد من أوروبا، والله لم يعرفوا عدلًا إلَّا في بلاد المسلمين، مئات السنين وهم يعيشون عدلًا في بلاد المسلمين، فأرسل إلى السلطان عبد الحميد وكانت الدولة في ضائقة ماديَّة أرسل له عرضًا بقرض للدولة مقداره عشرين مليون جنيه إسترليني ذهب مقابل أن يعطيهم قطعة أرض في فلسطين وليس فلسطين كاملة، فماذا كان رد السلطان؟ قال لهم: هذه أرض اشتراها أجدادي بالدماء لا تُمنَح إلا بالدماء وإني أنصحكم أن تتركوا ملايينكم في جيوبكم ولكن إذا قدَّر الله وقُسِّمت هذه السلطنة لعلَّكم قد يأتي من يعطيكم فلسطين بالمجان!!
وحصل فعلا ما توقعه السلطان، قُسِّمت بلاد المسلمين سَرَت فيها نعرة القوميَّة الجاهليَّة، حرَّكوا عليه في تركيا من نادى بالقوميَّة في تركيا وكان اسمهم “جمعية تركيا الفتاة”، ثمَّ أصبحوا فيما بعد يُسَمَّون الاتحاد والترقي. طبعا أين أُسِّست جمعية تركيا للفتاة؟ أُسِّست من طلاب كانوا يدرسون في فرنسا، وقابلتها في دمشق جمعية أخرى سمّوها الجمعية العربية للفتاة، أين أُسِّست؟! أيضا أُسَّست في باريس في فرنسا من طلّاب يدرسون هناك في معقل الماسونية، ونادى أولئك بالقومَّية الجاهليَّة التركيَّة، ونادى أولئك بالقومية العربية الجاهلية واقتتلوا وقُسِّمَت السلطنة ووُزِعت البلاد وأُعطِيت فلسطين بوعدٍ بريطاني لليهود (وعد بلفور)، ثم يأتي الآن العربان الذين قاتلوا مع الإنجليز ضد المسلمين لكي يكملوا ملف عمالتهم وخيانتهم.
أعطيكم معلومة يجهلها الكثيرون، عندما حصلت الحرب العالمية الأولى وحصل ما سُمّي بالثورة العربية الكبرى لم يقاتل أهل بلاد الشام ولا أهل العراق ولا أهل مصر ضد الدولة التركية في ذاك الزمان كانت تسمى بعد خلع السلطان، من قاتل فقط هم أهل نَجد وأهل الحجاز ومن لف لفهم من القبائل حتى لما دخلوا بلاد الشام دخلوا دمشق مع الجيش الإنجليزي لم يكن معهم أحد من بلاد الشام، وأهل دمشق وأهل حلب وأهل حمص كانوا يتفرَّجون وهذا من أعظمِ أخطائهم، جلسوا يتفرجون يأتيهم مرة الإنجليز غازين يتفرجون، أتاهم الفرنسيون غازين يتفرجون مُلتَهين بتجارتهم وصناعتهم وهذا كان شأنهم، لم يقاتلوا المسلمين، أتى أولئك الذين يأتي أحفادهم اليوم لكي يُكمِلوا ملف العمالة والخيانة الذي بدأه آباؤهم لكي يطبِّعوا مع اليهود. أيُّها السادة: لم يأتي في زماننا المعاصر بالذات في الثلاثين سنة الأخيرة بعد السبعينات والثمانينات من وقف في وجه اليهود إلا رحمه الله الرئيس المصري محمّد مرسي في سنة حكمه الوحيدة لمّا حصل الاعتداء على غزَّة قال: لن نترك غزّة لوحدها فالعرب اليوم ليس كالعرب الأمس”. فما كان من عربان الخيانة والعمالة والدياثة إلّا أن وضعوا أموالهم وسلّطوا عملاءهم حتى خلعوه وماتَ شهيدا -نسأل الله عزَّ وجلَّ ذلك- في السجن، كما خلعوا السلطان عبد الحميد، السلطان عبد الحميد أيقن اليهود أنَّه إذا بقي لن يكون لهم دولة في فلسطين، ماذا فعلوا؟ حرَّكوا عليه عملاء من بني جلدته خلعوه سنة 1909 وبقي حتى توفي سنة 1918 منفيًّا معزولا عن النّاس. لمّا خلعوه للسلطان أتاه أربعة لكي يبلغوه بقرار خلعه لم يكن منهم واحد عربي ولا واحد تركي أبدا، أربعة من الأقليَّات واحد منهم أرمني وواحد يهودي كان رئيس الوفد اسمه عمانوئيل قراصوه يهودي قال له: الشعب خلعك، قال له (السلطان): وين الشعب؟! ولا واحد تركي ولا واحد عربي أتى وأخبر السلطان بخلعه.
لما تعجَز الأمّة عن حماية سلطانها الناطق بحقوقها هكذا تكون النتيجة، تقاصرت جيوش السلطان عن نصرته بعد عمالة لواء واحد من ألوية الجيش العثماني هم الذين أتوا وخلعوا السلطان كانوا من العملاء والخونة، وفي زماننا تقاصرت باقي ألوية الجيش المصري عن قمع من انقلبوا على الرئيس الشرعي المنتخب الذي يُمثِّل الأمة، فماذا كانت النتيجة؟
النتيجة أن تُدَاس حُرُماتنا وأن تُنتَهك أعراضنا وأن تُسفَك دماؤنا حتّى نتعِظ من دروسنا فنعرف كيف نحمي سُلطانًا ينطق بمصلحتنا، رسول الله قال: “الإمام جُنَّة يُقاتَل من ورائِه ويُتَّقى به”. [صحيح مسلم]، وحتى تنكشف الغشاوة عن أعيننا وحتى يأتي أمرُ الله بنصرة الصابرين المحتسبين المرابطين في بيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس وفي الشام وفيما حول الشام كما قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم: “ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن في الشام”. [رواه أحمد]. اللهم اجعلنا من أهل الإيمان المرابطين الثابتين على الحق…
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.