ليلة القدر ووداع رمضان
#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
خطبة ليلة القدر ووداع رمضان
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 23 دقيقة.
التاريخ: 26/رمضان/1440هـ
الموافق: 31/أيار/2019م
لتحميل الخطبة مكتوبة بصيغة PDF
الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
- ليلة القدر
- سبب تسميتها وعظيم شرفها
- كتاب الله وعلاقتنا به
- العلاقة مع الرسالة من مقام المرسل في ذهن المتلقي
- ثواب الرباط في سبيل الله أعظم من ثواب قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود
الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
- صدقة الفطر.. مقداره، ولمن تؤدى، ومتى تؤدى، وعلى من تجب، ولمن تعطى.
- إعطاء صدقة الفطر نقدًا لمن أراد.
- صلاة العيد والحث على إخراج النساء والولدان إليها.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فهو المهتد، ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشِدًا، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عبدُه ورسوله، وصفيُّه وخليله، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كُلِّه ولو كرِه المشرِكون… فصلوات ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المُحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهُداهم إلى يوم الدين.
أمّا بعد إخوة الإيمان:
يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر: 1-5].
أيُّها الأحبَّة الكرام وأيُّها الإخوة الأفاضل، مناسبة الساعة واليوم تدفعنا للحديث عن ليلة القدر، تلك الليلة التي أمرنا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن نتحرّاها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ولم يعيِّنها لنا الله تعالى ورسوله لكي نجتهد في العشر كلّها، وهي خير الليالي في العام بإجماع المسلمين، تلك الليالي التي أقسم الله تعالى بها (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1-2]. ومن هذه الليالي خصّ الله تعالى ليلةً بعظيم قدرٍ، وبعلوِّ شأنٍ، وبمضاعفة أجرٍ، فقال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي عبادة وقيام وقربات وطاعة، هذه الليلة خير من بضع وثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر.
قَصُرَت أعمار أمّة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- مقارنة بالأمم السابقة التي كان يعيش فيها الرجل مئات السنين بل أحيانا أكثر من ألف من السنين، فأكرم الله تعالى هذه الأمّة، خيرُ أمّة أخرِجت للناس أكرمها الله تعالى بخيرِ الليالي؛ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) تنزِل ملائكة السماء يقودها جبريل أمير الملائكة، تنزل إلى الأرض لتنشر البركة والرحمة للمؤمنين، (سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ)؛ سلام هي، خير كلّها، خير كلّها إلى مطلع الفجر، يجيب الله فيها الدعاء ويغفر الذنوب ويضاعف الحسنات ويكفّر السيئات، كلّ هذا في ليلة القدر، ليلة الشأن العالي والمقام الرفيع.
لماذا كانت هذه الليلة ليلة القدر؟ أي ليلة الشأن العالي ؟ليلة المقام الرفيع؟ أوّل السورة توضّح لنا سبب خيرية هذه الليلة (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) في مثل هذه الليلة -أيُّها الأحبَّة- نزل القرآن الكريم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك مفرَّقا منجما بواسطة الوحي جبريل على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في ثلاث وعشرين من السنين، نزل القرآن جملة واحدة فشَرُفَت هذه الليلة بذاك النزول العظيم، نزول كلام الله ربِّنا… ربُّ الأرباب ومسبِّب الأسباب، أنزل كلامه آخر رسالة للبشر قبل قيام الساعة، فشَرُفَت تلك الليلة من شرَف تلك الرسالة، وشَرُفَت تلك الرسالة بشرف المرسِل جلّ وعلا.
عندما نتحدّث عن رسالة -أيُّها الأحبَّة- لابدَّ أن نعي بأنّ شرف الرسالة وخطَرَ الرسالة يكون من شرَف مرسلها، أضرب لك مثلًا -أيُّها الأخ الحبيب-:
لو وصلتك الآن رسالة مكتوب فيها: “ألقاك اليوم الفلاني في الساعة الفلانية في المكان الفلاني”، ولم تعرف من المرسل، هل ستهتم بها؟ هل ستعيرها اهتمامك؟ قد تثير فضولك بعض الشيء ولكنك لن تهتم بها كثيرا…
تأتيك رسالة أخرى بنفس المحتوى “اليوم الفلاني الساعة الفلانية سألقاك”، المرسل فلان الفلاني من أصدقائك ممن يضيعون أوقتهم ولا قيمة لاجتماعاتهم ولا للقاءاتهم، كم تعيرها من اهتمامك؟ ليس شيئا كثيرا، أليس كذلك؟
تأتيك نفس الرسالة اليوم الفلاني الساعة الفلانية من مانح كريم معطي تتوقع لعلّك إن قابلته أن يعطيك ظرفا مليئا بالمال يكرمك به؟ ستهتم بالرسالة أم لا تهتم؟ ستذهب للموعد أم لن تذهب؟ بالتأكيد ستذهب وربما قبل الموعد حتّى!
نفس الرسالة قد تأتيك والعياذ بالله -كما كنّا سابقا- من جهة أمنية مجرِمة متسلِّطة على رقاب الناس، ممن لا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة، تقول لك في الساعة الفلانية في الموعد الفلاني، في ذاك الزمان زمن الرعب والخوف يوم لم يكن هناك ملجئ تهرب إليه، تجرؤ على أن تخالف الموعد؟ بالطبع لا.
تأتيك رسالة من حبيب؛ شب بعثت له خطيبته حبيبته رسالة قالت له في الساعة الفلانية تكون في الشارع الفلاني، هل سيذهب أم سيتجاهل الموعد؟
أيُّها الأخ الحبيب عندما نتحدّث عن رسالة لابدَّ أن تعلم بأنّ موقفك من الرسالة يختلف ما بين: إهمال وتجاهل أو ما بين رغبة ورهبة ومحبّة، من أين أتى التجاهل؟ ومن أين أتت الرغبة أو الرغبة أو المحبة؟ من موقفي من مرسل الرسالة؛ فبحسب موقفي من مرسل الرسالة تكون ردة فعلي من الرسالة.
نحن -أيُّها السادة- ندّعي بأنّنا نحب الله، وندّعي بأنّنا نرغب ونريد ما عند الله من الرحمة في الدنيا والآخرة، وندّعي بأنّنا نَرهَب من عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة، إن أردنا أن نعرف صدق ادعائنا هذا فلننظر علاقتنا مع رسالة الله سبحانه، تلك الرسالة التي أرسلها لنا لكي نتّبع الهدى فننال الفلاح في الدنيا وننجو في الآخرة (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ) [طه: 123]، تلك الرسالة لمّا أعرضنا عنها خسرنا في الدنيا ونسأل الله السلامة من خسارة الآخرة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ * وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ) [طه: 124-127]…
لمّا أتتك رسالة من بشر طمعت فيما عنده من المال قرأتها ونفّذتها، لمّا أتتك رسالة ممن خفت من بطشه قرأتها ونفّذتها، ملكُ الملوك، ربُّ الأرباب، مسبِّبُ الأسباب، العزيز الجبّار القهّار… سبحانه وتعالى أرسل لك هذه الرسالة فانظر إلى حالك مع رسالة الله سبحانه؟!
انظر إلى حالك، ورسول الله تعالى يقول مشتكيا كما أثبت ذلك القرآن الكريم (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) [الفرقان:30]، لعلّ أحسنهم حالا من يقرأ القرآن من رمضان إلى رمضان ويهجر القرآن أحد عشر شهرا، لعلّ البعض -والعياذ بالله- يقرأ القرآن سنين طويلة فلا يتفكّر ولا يتدبّر، والله تعالى يقول (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24]، هذا القرآن الذي بُعث به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بشيرًا ونذيرًا، انظر إلى حالك معه تعرف صدق علاقتك وصدق إيمانك بالله تعالى.
هذا القرآن -أيُّها السادة- هو سبب شرف ليلة القدر، نزول القرآن في هذه الليلة، نزول كلام الله تعالى إلى خلقه شرَّف هذه الليلة الدهرَ كُلّه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
قضى الله أن تكون هذه الليلة خيرًا من ألف شهر لذلك قال -صلّى الله عليه وسلّم: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدم من ذنبه”. [رواه البخاري ومسلم].
ليلة القدر كما قلنا إنّ النبيّ أمرَنا أن نلتمسها في الوتر من العشر الأواخر أي من الليالي الفردية، ليلة الواحد والعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبعا وعشرين وتسعا وعشرين، ولكنّ جمهور العلماء وكثيرٌ من العلماء ممن جمع بين الأحاديث على أن الغالب على أنّها ليلة السابع والعشرين…
الغالب؛ لا نقول الأكيد لأن ّالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لم يحددها والله تعالى لم يوضحها في أي ليلة لكي نجتهد في كلّ هذه الليالي الفضيلة فنكثر من القيام، نكثر من الصلاة، نكثر من تلاوة القرآن، نكثر من الاستغفار، نكثر من الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ [بماذا أدعو ربي؟] فقال لها -صلّى الله عليه وسلّم: “قولي اللهم إنّك عفوُ تحب العفو فاعفُ عني”. [صحيح رواه أحمد وغيره]. اللهم إنّك عفو تحب العفو فاعفُ عني، أكثر من هذا الدعاء في هذه الليالي المباركة فإذا عفى الله عنكَ وفّقكَ، ورزقك، وأسعدك، ويسّر أمورك، ونلت الفلاح في الدنيا والآخرة.
هذه الليلة -أيُّها الأحبَّة- على علو قدرها وعظيم شأنها هناك ليلة خير منها وهناك فعل أعظم من قيامها، أي ليلة تلك؟ يقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الذي رواه النسائي في السنن الكبرى وأحمد في مسنده وأخرجه الحاكم في مستدركه قال: “ألا أنبئكم بليلة خير من ليلة القدر؟ (هذه الليلة التي هي خير من ألف شهر) رسول الله يقول: ” ألا أنبئكم بليلة خير من ليلة القدر؟ قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: حارس حرس في أرض خوف لعلّه ألا يرجع إلى أهله”. حارس مجاهد مرابط يحمي حدود المسلمين يحرس ثغور المسلمين لألى يظهر العدو على ديارهم ونسائهم وأعراضهم ليلته في الحراسة والرباط خير من ليلة القدر.
” ألا أنبئكم بليلة خير من ليلة القدر؟ قالوا: بلا يا رسول الله؟ قال: حارس حرس في أرض خوف (يخاف العدو من كل جانب، يخاف على روحه، يخاف على عياله الذين تركهم وراءه) قال: “حارس حرس في أرض خوف لعلّه ألا يرجع إلى أهله”. فما بالكم بمن اجتمعت له هذه الخيرات كلها فقام ليلة القدر وهو يحرس مرابطا في ليلة القدر في سبيل الله، ما أعظم أجره؟! وما أعلى قدره؟! وما أعلى مكانته؟!
اللهم لا تحرمنا أجر إخواننا، ولا تفتنا بعد من استشهد منهم يا رب العالمين، اللهم تقبل منا ما كان صالحا وتجاوز عنّا ما كان فاسدا، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله، خيرُ الوصايا وصيّةُ ربِّ البرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن، واعملوا -أيُّها السادة- ونحن نودع هذا الشهر الفضيل، ونحن في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، اعلموا أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كما في الحديث الصحيح الذي رواه ابن عباس قال: “افترض رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- زكاةَ الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث وطُعمة للمساكين، من أبداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة (أي بعد صلاة العيد) فهي صدقة من الصدقات”.
هذا الشهر الفضيل لابدَّ أن تختمه بزكاة الفطر، هذه الزكاة التي لا تتعلق بالمال، بل تتعلق بالشخص، هذه الزكاة التي افترضها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- طُعمة للمساكين لكي يستغنوا عن السؤال وعن ذل المسألة في أيّام العيد، وطُهرة للصائم مما قد يشوب صومه من اللغو والرفث والكلام غير المناسب… هذه الذنوب الصغائر التي ارتكبتها في أيّام رمضان تكون زكاة الفطر كفّارة لها.
هذه الزكاة في الحديث الذي رواه ابن عمر يقول: “افترض رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- صدقة الفطر صاع من طعام على الحرّ والعبد والذكر والأنثى والكبير والصغير، يؤديها الرجل عن أهل بيته عمن يعولهم؛ يعني أنت تؤدي زكاة الفطر عن نفسك وعن نسائك وعن أولادك وعمن تعولهم، يعني إذا أمك وأبوك كبار في السن مقيمين عندك وأنت تنفق عليهم واجب عليك أن تؤدي عنهم صدقة الفطر.
كم مقدارها؟ قال: صاع من طعام. الصاع -أيُّها السادة- مكيال وليس وزن، يعني يختلف وزنه باختلاف المادة التي فيه، يعني مثلا صاع التمر وزنه كيلين تمر، أمّا صاع الرز وزنه قرابة الكيلين وسبعمئة غرام، ووزن الصاع يتراوح من كيلين وثلاثمئة غرام إلى ثلاثة كيلو، من أخرج ثلاثة كيلو من الطعام برئت ذمّته قطعا.
يُشترط في زكاة الفطر أن تُؤدّى من القوت، أي ما يُؤكل ويُدخر، فلا تصح من الخضار مثلا لأنّها تفسد، مما يُؤكل ويُدخر، نحن قوت بلادنا الأرز، البرغل، الحنطة، هذه تسمى قوتا تُؤكل وتُدخر تموّن.
هل يجوز أن أخرجها نقدا؟ نعم، كثير من أئمة التابعين -رضي الله عنهم- عمر بن عبد العزيز، سادة المذهب الحنفي جميعا، أئمة العلماء الإمام البخاري وغيره قالوا لا بأس بأدائها نقدا إن كان في ذلك مصلحة الفقير.
كيف يعني مصلحة الفقير؟ لأنّي قد أعطيه الآن أرز فيكثر عنده، أنت وتعطيه وأنا أعطيه، فيذهب ليبيعه بنصف قيمته، أمّا في الأماكن التي يندر فيها الطعام كالأماكن المحاصرة مثلا فلا وجه لإخراجها نقودا، لا تخرج إلا طعام.
ما يُشترط لإخراجها؟ هل يُشترط أن أكون غنيّا، عندي إيصال زكاة؟ لا، صدقة الفطر تجب على كل من ملك قوته وقوت عياله ليلة ويوم العيد، يعني أنا لو كنت فقيرا عندي شوية مواد غذائية في البيت بعيف ما يكفيني ليلة يوم العيد، كم سأطبخ برغل ليلة العيد ويوم العيد أضعه جانبًا، وأخرج صدقة الفطر مما فاض عندي ولو مما أعطاني الناس إيّاه،
شخص فقير، الناس أعطوه زكاوات، أتاه رز، أتاه برغل، أتاه كرتونة معونة، يضع جانبًا ما يكفيه من طعامه وطعام من يعول يوم العيد وليلة العيد، وما زاد يخرج منه صدقة الفطر.
أسأل الله تعالى أن يتقبّل منا ومنكم جميعا، نختم صيامنا بصدقة الفطر التي كما قلت لابدَّ أن تُؤدّى قبل صلاة العيد، من اليوم ممكن تؤديها كون أنّه صرنا بآخر رمضان لكي ندرك الفقير، لو مثلا أديت له نقودا أو كذا يستفيد منها، صرنا اليوم 26 وغدا 27 رمضان، في هذه الأيّام قبل صلاة العيد يجب أن تُؤدّى، فإذا ختمت شهرك بصدقة الفطر بزكاة الفطر كان ذلك كفارة وطُهرا لصيامك من اللغو والرفث.
حتى إذا كان يوم العيد، حتى إذا كان يوم الجائزة أتى المسلمون لحضور صلاة العيد والنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أمر بإخراج النساء وأمر بإخراج الأولاد إلى صلاة العيد، وقال في الحديث: أمرنا النبيّ أنّ من لا عندها جلباب أن تعطيها أختها من جلبابها. فكم في مصلى العيد رحمات تنزل ودعوات تستجاب، لا تحرموا نسائكم ولا أولادكم منها، والحائض في زماننا لا تحضر للصلاة لأنّنا نصلي في المسجد، أمّا في زمن النبيّ لمّا كانت صلاة العيد في مصلى خارج المسجد أمر حتى بإخراج الحائض إلى الصلاة، لا تصلي، ولكنّها تحضر دعوة المسلمين، في زماننا الحائض لا تأتي إلى المسجد، ائتوا بأبنائكم وبنسائكم، وبإذن الله مصلى النساء في مسجدنا مفتوح جاهز بمساعي الإخوة الكرام القائمين على المسجد نأتي ونحضر صبيحة يوم العيد الساعة السادسة صباحا إن شاء الله تعالى.
أسأل الله تعالى أن يتقبّل منّا الصيام والصّلاة والزكاة وتلاوة القرآن، وأن يجعلنا منن يغتنمون هذه الليالي المباركة، إنّي داع فأمّنوا.