كتب الأستاذ #محمد_خير_موسى:
“قبلَ ستّ سنواتٍ ودّع المجاهد الفلسطينيّ السّوريّ الشيخ الدكتور عطية الوهيبي “أبو حفص السوري” ابنه عبدالله شهيدًا حيثُ قضى في مقارعة الظّالمين في مدينةِ أريحا مقبلاً غير مدبرٍ وضمَّت بلدةُ تفتنازُ جثمانه الطَّاهر.
واليوم يودّع ابنه الشّهيد المجاهد القائد محمّد “أبو عبدالله” الذي قضى على أيدي الميليشيات الطّائفيّة في بلدتي نبّل والزّهراء في ريف حلب.
الشّيخ الدّكتور عطيَّة الوهيبي هو ذلك النَّسرُ الفلسطينيُّ السُّوريُّ الذي ما يزالُ محلِّقاً في فضاءاتِ الجهادِ منذُ عقود.
مخيَّمُ درعا وجَنَبَاتُ حورانَ تفتقدهُ منذُ ثمانينيَّاتِ القرن الماضي حيثُ هاجرَ بعدَ أن أرعبَ نظامَ حافظ الأسدِ بنشاطه الدعوي وهمَّته العالية وصوته الصدَّاحِ بالحقِّ حتى غدا مجرّد حضور حلقاتِه الدّعويّة ومجالسته جريمةً يُزَجُّ بفاعلِهَا في سجن تدمر السَّنواتِ الطّوال هذا إن لم يكن القتلُ هو العقابُ الأعجل.
كانَ النَّاسُ يتهامسونَ باسمه ويتلفَّتونَ حولَهم ذعرًا من الحيطانِ التي لها آذان، والتقيتُه في صنعاءَ قبلَ أربع عشرةَ سنةً للمرَّةِ الاولى بعدَ طولِ اشتياقٍ للّقاءِ وقد رسمتُ له في مخيَّلتي صوراً شتَّى منسوجةً من خيوطِ البطولةِ والهيبةِ والرُّجولةِ والثبات فرأيتُ فيه ما يفوقُ ذلكَ بكثير.
وعندَ عودتي إلى درعا لم أبُح لأحدٍ بأنَّني التقيتُه أو رأيتُه، كما أنني نفيتُ بقوَّةٍ أمامَ المحقِّق في فرعِ الامن العسكري في السويداء الذي ألحَّ عليّ بالسؤالِ أيّ لقاءٍ به بل نفيتُ مجرَّد معرفتي أصلًا، وقد عاينتُ يومها كم أنَّ هذا الشّيخ مرعبٌ لهم رغم انقضاءِ عقودٍ على هجرتِه.
الشَّيخ عطيَّة لا يملك من يعرفُه إلَّا أن يحبَّه، هيِّنٌ لينٌ لا يحبُّ الظّهورَ ولا يسعى إلى شهرة، ويبتعدُ عن مواطن التّنافسُ عن لعاعة الدّنيا الزّائلة.
شاعرٌ لا يُجارى وخطيبٌ لا يُشقٌّ له غبار، تعرفُه مواطنُ الجهادِ وتعشقُه ساحاتِ الوغى.
سَلْ عنه حلبَ وإدلب وأريافهما والمجاهدينَ فيها كيفَ كانَ يتنقَّلُ بينَ الجراحِ يبلسُمها، وبين الالام يمسحُ بروحه عليها فيخفِّفُ وطأتَها ويأخذُ بناصيةِ البندقيَّةِ نحوَ السدادِ والرَّشاد.
وقد تركَ أهلَه وجامعتَه وكلَّ شيءٍ ليكونَ هو وأبناءه في الصّفوف الاولى حيثُ يليقُ بالكبار الكبارِ أن يكونوا.
الشَّيخ عطية يودِّع بعد ابنه عبدالله ابنَه محمّد شهيدًا ليضيفَ إلى سجلِّ شرفه وفخارِه شهادةً عظيمةً إلى سجلِّه الحافلِ بالمفاخِر؛ لكنَّها الشَّهادةُ الأغلى لأنَّها ممهورةٌ بالدَّم؛ دم الأبناء الشّهداء”.