لا يخفى على أي متابع أن تحالف أستانة بأطرافه الثلاثة كان تحالفا وقتيا فيما يخص الشأن السوري . وأن مرحلية هذا التحالف أقصر مدى بالنسبة للطرف التركي ، الذي ألجأته ظروف دولية وإقليمية للعمل مع غريميه الروسي والإيراني على الساحة السورية . مرحلية التحالف لم تكن تركية – روسية إيرانية فقط ، بل كانت بقدر ما روسية – إيرانية أيضا . وهذا ما بدت نذره الوقتية وما ستكشفه الأيام القادمة لمن وعى .
كان اللقاء على “خفض التصعيد ” هو جوهر التحالف في استانة وقمتها في سوتشي . وهو أقصى ما استطاع الطرف التركي تقديمه لأصدقائه السوريين . مع العلم أن الشريكين الآخرين لم يكونا في أي وقت أوفياء لقواعد هذا التحالف وتوافقاته ؛ إلا أننا لا بد أن نقول بأنه – أي التحالف – خفف من حجم الكارثة التي كان يعدها الطاغية بوتين للشعب السوري ؛ ابتداء من كارثة تدمير حلب وانتهاء بما جرى في الغوطة ودرعا وغيرها .
الروس نقضوا كل الاتفاقات حول خفض التصعيد في ظل حالة من الاختلال الدولي والصمت الأمريكي على الجريمة بكل أبعادها . ولم يسلم من هذا النقض مع كثير من الحشف ، غير منطقة الشمال . وإذا كانت السياسة كما يقولون فن الممكن فإن ما استطاع الطرف التركي الحصول عليه من خلال هذه الشراكة كان هو كل الممكن المعقول حتى اللحظة .
وكما أشرنا إلى الاختلال في الموقف الدولي لا يجوز أن ننسى الاختلال الذي تسببت به الاستقالة العملية لفصائل الثورة السورية بشكل عام وللهيئات السورية السياسية التي تناست دورها ، ولم تعد تقدر أهميتها في إدارة الصراع .
وربما كان هذا الاختلال هو العامل الأكبر فيما آل إليه الوضع السوري اليوم !!
بعد الإتيان على قاعدة خفض التصعيد في الجنوب السوري في حوران . أعلن وليد المعلم أن الدور قد وصل إلى منطقة الشمال ، الشمال وليس الشمال الشرقي ، أي ريف حماة الشمالي وإدلب وريف حلب المحيط بها . ومنذ ذلك الإعلان الذي صدر بتنسيق وتفويض من الطرف الروسي بلغ تحالف أستانة غايته ، وبدأ المتحالفون يعملون على عامل الوقت ، يلتمسون الذرائع ، ويتبادلون الاتهامات والقبلات معا وما لبثت السياسات الأمريكية الرجراجة ولاسيما حول المنطقة الآمنة أن دخلت على الخط بإعلان ترامب انسحاب قواته من سورية وسط ضباب كثيف مما زاد في طين التحالف المترنح بلة .
على الصعيد السياسي يلحظ المتابعون غياب الموقف الروسي الواضح من عدة أمور أهمها :
سورية التي ستجلس على طاولة الحل السياسي – المزعوم – والسوريون الذين سيشاركون فيما يسمى الحوار السوري = السوري …وهذا موضوع يستحق وقفة منفردة .
المنطقة الآمنة : حدودها – ومن سيأمن فيها – وبيد من ستكون ..
الموقف الروسي الحقيقي من الميليشيات الإرهابية المناوئة لتركية .
كما يلحظ كل السوريين أن عمليات نهش ما تسمى منطقة خفض التصعيد في إدلب وما حولها تتصاعد يوما بعد يوم مخلفة مئات من الضحايا الأبرياء ودون أن تحد منها التصريحات والتعزيزات التي ما تزال متوازية معها منذ زمن غير قصير .
كل هذه الأمور تجعل التحالف الثلاثي يترنح ، ولاسيما مع استعجال الكيان الصهيوني الرغبة في الحد من نفوذ شريكه الإيراني في سورية ، مما سيعجل عملية الطلاق .
دعوة بوتين إلى مجموعة دولية لدفع ما يسميه العملية السياسية في سورية هو إنذار عاجل لشركاء أستانة وسوتشي .
يضاف إلى ذلك مطالبة بيدرسن في مجلس الأمن بمنتدى دولي لدفع العملية السياسية في سورية .
يدرك كل العقلاء أن انهيار هذا التحالف ، قبل نضج البديل – وفي ظل المستقرات الدولية والإقليمية الحالية ليس في صالح الثورة ولا هو في مصلحة السوريين .
وحين يجد بشار الأسد غطاءه الروسي والأمريكي لابتلاع آخر قلاع الثورة السورية ، وحين يعبر سيد الدبلوماسية الأميركية بومبيو : إن سورية بحاجة إلى إصلاحات دستورية . فقط إصلاحات دستورية !! فإن على الثوار السوريين أن يدركوا أنهم بحاجة إلى ثورة عاجلة على أنفسهم كما ثاروا على بشار الأسد من قبل …
الوسومأستانا إيران تركيا روسيا