ملخص كتاب
الاغتيال الاقتصادي للأمم
(اعترافات قرصان اقتصاد)
للكاتب الأميركي “جون بيركنز”
تعريف بالكاتِب والكتاب:
“جون بيركنز” ولد في 28 حزيران 1945م في هانوفر بنيوهامشير في الولايات المتحدة الأمريكية، عالم اقتصاد وكاتب وناشط سياسي وعالم بيئة، ومؤسس جماعة ” الحالمون بالتغيير”.
اشتُهِر بيركنز بعد تأليفه كتاب ” اعترافات قرصان اقتصاد “، الذي تربَّع عرش الكتب الأكثر مبيعاً، صدَر بالإنكليزية وترجِم إلى ثلاثين لغة أجنبية منها اللغة العربية تحت عنوان ” الاغتيال الاقتصادي للأمم “ –وهو موضوع مقالنا اليوم- حيث يروي خلاله بيركنز الدور الذي لعبه في عمليات الاحتلال الاقتصادي لبلدان العالم الثالث، وكيف كان يَتم ذلِك.
الكتاب صدر عام 2004م، والنسخة التي بين أيدينا هي طبعة عام2012، مِن إصدارات مكتبة الأسرة في القاهرة – سلسلة إنسانيات-، ترجمة: مصطفى الطنانى، وعاطف معتمد، تقديم: شريف دلاور. تقع في 275صفحة.
ملخَّص أهم أفكار الكتاب
مصطلح الاغتيال الاقتصادي:
- يقول جون آدامز ثاني رئيس للولايات المتحدة الأمريكية: ”هناك طريقتان لقهر واستعباد أمة، الأولى بحد السيف، والثانية عبر الديون“.
- مصطلح “الاغتيال الاقتصادي” لم يشتهر إلا بعد أن أطلق الخبير الاقتصادي الأميركي “جون بيركنز” كتابه “اعترافات قاتل اقتصادي” “Confessions of an Economic Hit Man” عام 2004م. وقد أثار الكتاب حين صدوره ضجة كبيرة بسبب فضحه لأقوى أسلوب تستخدمه الإدارة الأمريكية في إخضاع الدول وقهر الشعوب، وإلقائه الضوء على ممارسات نخبة رجال الأعمال والسياسة في الولايات المتحدة لبناء إمبراطورية عالمية تسيطر عليها “الكوربورقراطية Corporatocracy“ أي سيطرة منظومة الشركات الكبرى على اقتصاد العالم.
- يطرح الكاتب حقيقة أن الإدارة الأمريكية ليست هي من يصنع القرار، بل هي أداة لتنفيذ سياسات تقررها الشركات الأمريكية الكبرى، والتي تمتلك أكثر من نصف مال العالم وموارده، ويتحكم بها أشخاص لا يتعدى عددهم 400 شخص.
- يقوم مبدأ “الاغتيال الاقتصادي” على استبدال الغزو العسكري العنيف والمُكلف، بالغزو الاقتصادي الناعم الأقل كلفة، وذلك عبر إعطاء الدول الفقيرة والنامية “قرض” من “البنك الدولي” مع فائدة ربوية، ثم إجبار هذه الدولة عبر الضغط على قيادتها بالترغيب والترهيب على إعطاء عقود استثمارية للشركات الأمريكية، فالأموال بهذه الطريقة لا تغادر الولايات المتحدة بل تتحول ببساطة من حسابات بنوك واشنطن إلى حسابات شركات في نيويورك أو هيوستن أو سان فرانسيسكو، وتعود بشكل فوري إلى أعضاء في “الكوربورقراطية” فإنه يبقى على الدولة المتلقية سداد أصل القرض والفوائد.
الخبراء الاقتصاديون الجواسيس الجدد:
- عرّابو هذه الغزوات الاقتصادية هم “الخبراء الاقتصاديون” ، الذين يدَّعون محاولة مساعدة الدول من خلال المنظمات العالمية، والمؤسسات الاستشارية.
- “الخبراء الاقتصاديين” قاموا بتطويع اللغة لتغليف استراتيجيتهم في النهب الاقتصادي، وذلك باستخدام مفاهيم مثل “الحكم الرشيد” و “تحرير التجارة وحقوق المستهلك” بحيث لا تصبح السياسات الاقتصادية جيدة إلا من خلال مخططات الشركات الكبرى.
وعلى الدول التي تقبل هذه المفاهيم خصخصة الصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء… أي أن تبيعها للشركات الكبرى، وهي مضطرة بعد ذلك إلى إلغاء الدعم وجميع القيود التجارية التي تحمي الأعمال الوطنية، بينما عليها القبول باستمرار أميركا وشركائها من الدول الصناعية الكبرى في تقديم الدعم لقطاعات أعمالها وفرض القيود لحماية صناعاتها!.
- ولا تريد النخبة الأميركية بالفعل قيام الدول بسداد ديونها، لأن ذلك هو السبيل إلى تحقيق أهدافها بعد ذلك، من خلال مفاوضات سياسية واقتصادية وعسكرية، ويفترض بيركنز “أن حرية طبع النقد الأميركي دون أي غطاء هي التي تعطي لإستراتيجية النهب الاقتصادي قوتها، لأنها تعني الاستمرار في تقديم قروض بالدولار لن يتم سدادها!”.
- والمثير في اعترافات المؤلف فهو تأكيده بأن “مقياس نجاح الخبير الاقتصادي” يتناسب طردًا مع حجم القرض الذي سيدفع ويشجِّع ويقنِع قيادة الدولة الضحية بطلبه، بحيث يجبر المدين على التعثر بعد بضع سنوات!
- بعد توقيع العقود ستكتشف تلك الدولة الضحية أنها لا تستطيع سداد الدين بسبب تضخمه الربوي، وكبديل عن السداد تُجبَر على توقيع معاهدات تتخلى فيها عن سيادتها وقرارها الوطني لصالح أميركا، إما عبر رهن ثرواتها الاقتصادية كالنفط وغيره للشركات الأمريكية وتنتظر هذه الشركات لترمي لها بالفتات، أو عبر قبولها ببناء قواعد أمريكية على أراضيها، أو دخولها حرب وإرسالها لقوات تقاتل لصالح أميركا، بالإضافة إلى ضمان تصويت الدولة المدينة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المحافل الدولية… ومن يرفض يتم اغتياله، أو إسقاط حكومته إما بانقلاب، أو بغزو عسكري إن اضطر الأمر.
- يحدد المؤلف “نماذج التنبؤ” التي يستعين بها الخبير لدراسة تأثير استثمار مليارات الدولارات في بلد ما على النمو الاقتصادي المتوقع لسنوات قادمة ولتقويم المشروعات المقترحة، كاشفا عن “خداع الأرقام” ، فنمو الناتج الإجمالي القومي -على سبيل المثال- قد يكون نتيجة استفادة أقلية من المواطنين النخبة على حساب الأغلبية بحيث يزداد الثري ثراءً ويزداد الفقير فقراً. ورغم ذلك فإنه من الناحية الإحصائية البحتة يعتبر تقدماً اقتصادياً.
- وفي هذا المقام يكشف المؤلف عن الجانب غير المرئي في خطة القروض والمشروعات، وهي تكوين “مجموعة من العائلات الثرية” ذات نفوذ اقتصادي وسياسي داخل الدولة المدينة تشكل امتدادا للنخبة الأميركية ليس بصفة التآمر، ولكن من خلال اعتناق نفس أفكار ومبادئ وأهداف النخبة الأميركية، وبحيث ترتبط سعادة ورفاهية الأثرياء الجدد بالتبعية طويلة المدى للولايات المتحدة.
- ويدلل المؤلف على ذلك بأن مديونية العالم الثالث وصلت إلى 2.5 تريليون دولار، وأن خدمة هذه الديون بلغت 375 مليار دولار سنويا في عام 2004، وهو رقم يفوق ما تنفقه كل دول العالم الثالث على الصحة والتعليم، ويمثل عشرين ضعف ما تقدمه الدول المتقدمة سنوياً من مساعدات خارجية.
لكن كيف بدأت هذه الفكرة الشيطانية؟
- بدأت هذه الفكرة في عام 1953، حين استلم محمد مصدق رئاسة الوزراء في إيران، أراد مصدق تأميم صناعة النفط، في حال رفضت الشركات الأجنبية أن تعطي إيران حصة أكبر من نفطها الوطني.
أثار طرح مصدق غضب الولايات المتحدة، والتي كانت تخشى التورط بحرب عسكرية لإسقاط حكومة مصدق، فاستعاضت عن ذلك عبر إرسال عميل للمخابرات الأمريكية اسمه “كيرميت روزفلت” الذي ذهب لإيران مزودا ببضعة ملايين من الدولارات، اشترى بها ذمما رخيصة لسياسيين وعسكريين، حركوا الإعلام والرأي العام الإيراني ضد مُصدَّق، مما أدى لإسقاطه، وعودة نظام الشاه المقرب من أميركا.
- لكن كان هنالك مشكلة فيما لو اكتُشِفَ أمر العميل كيرميت، فهذا سيسبب حرجا شديدا للإدارة الأمريكية، فتم لاحقا استبدال شخصية عميل المخابرات، بشخصية خبير اقتصادي تابع للقطاع الخاص، يقدم الاستشارات والدراسات الاقتصادية لأصحاب القرار، في الدول المستهدفة.
هل هناك من دول أخرى تم استعمال أسلوب الاغتيال الاقتصادي ضدها؟
- يقتفي مؤلف الكتاب خطى المفكر اليساري الأميركي “نعوم تشومسكي” في البحث عن كل شرور النظام الاقتصادي الحالي في “الحديقة الخلفية” للولايات المتحدة التي تمثلها دول أميركا اللاتينية.
- لكن المؤامرات الاقتصادية في أميركا اللاتينية ليست كلها نفطا. فقد أنشئت شركة الفواكه المتحدة “يونايتد فروت” الأميركية في أواخر القرن التاسع عشر، ونمت لتصبح من القوى المسيطرة على أميركا الوسطى بما لها من مزارع كبرى في كولومبيا ونيكاراغوا وكوستاريكا وجامايكا والدومينيكان وغواتيمالا وبنما. وحين حاول بعض الزعماء الوطنيين المساس بهذه الشركة لقوا حتفهم في ظروف غامضة.
- جواتيمالا عام 1954م: كانت شركة الفواكة المتحدة الأمريكية تسيطر على البلد الزراعي، وبعد انتخاب الرئيس رابينز عمل على الحد من سيطرة الشركة، وإعادة الأرض لأصحابها، مما دفع هذه الشركة إلى القيام بحملة إعلامية مكثفة ضد رابينز وإظهاره بمظهر الديكتاتور الشيوعي، حتى تجهّز الرأي العام للتدخل ضده بذريعة حرب الشيوعية مما أدى إلى إسقاطه بانقلاب عسكري من تدبير الاستخبارات الأمريكية.
- الإكوادور 1981م: تعاقب على حكم الإكوادور الكثير من الطغاة الموالين لأميركا، إلى أن حصلت انتخابات حرة ذات مرة، فاز بها الرئيس “جايمي رالدوس” والذي انتهج سياسات وطنية معادية للمصالح الأمريكية، ورفض كل عرض أميركي لاستمالته، فتم لاحقا اغتياله في حادث تحطم طائرة.
- بنما 1981م: عمر توريخوس رئيس بنما ذو الشعبية الكبيرة، والذي استفتح عهده بإغلاق مدرسة عسكرية أمريكية في بنما، كانت تُعِدّ العسكريين الموالين لها وتزرعهم في جيوش ومخابرات دول أميركا الجنوبية.
أراد توريخوس تأميم قناة بنما المائية، ورفض كل محاولات الإغراء والاستمالة والتهديد، التي عرضها عليه “جون بيركنز” مؤلف الكتاب، وتصارع جدا مع الرئيس الأمريكي “جيمي كارتر” حتى تم توقيع اتفاقية تأميم القناة بين توريخوس وكارتر، وبعدها تم اغتيال توريخوس في حزيران عام 1975، وعادت بنما للسقوط بالمصيدة الأمريكية.
- نموذج آخر لعمل الاستخبارات الأمريكية في أميركا الجنوبية: “في بداية الثمانينات اكتشفت الشركات الأمريكية المرتبطة بالحكومة احتياطيا هائلا من النفط في “حوض الأمازون بجمهورية الاكوادور” لكنها اصطدمت بعقبة وجود سكان محليين من الهنود الحمر الوثنيين الذين يرفضون بيع أراضيهم لنا، أو دخولنا لها. جرَّبنا معهم في البداية سلاح مباشر وهو الحملات التنصيرية، لكنهم قاوموها بشراسة، فاضطررنا للتغيير من تكتيكنا وسحبنا الحملات لنعيدها باسم ” المعهد الصيفي للغات “، وهو مؤسسة بحثية غايتها دراسة اللهجات المحلية من أجل إيجاد طريقة لكتابتها، ونشر كتب بلغتها لتثقيف وتحضير السكان المحلِّيين.
وبعد دراسة لغة السكان المحليين وعاداتهم وديانتهم، قمنا بإرسال منظمات إنسانية لهم تحاورهم بلغتهم لتقنعهم أنهم إن تركوا أراضيهم لنا، وذهبوا لأراض أخرى حددناها لهم، فسنقدم لهم خدمات مجانية كالصحة والتعليم وغيرها، وغايتنا من ذلك تحويلهم لمجتمع استهلاكي نستطيع استغلاله. أيضا رفض السكان المحليون ذلك، حينها أطلقنا مشروعا استخباراتيا يسمى عيون وآذان، ” eyes and ears ” ، وهو عبارة عن مركز تنصت وتجسس يراقب كل حركة أو سكنة في قبائل الهنود، وكنا نرمي لهم عبر المروحيات سلالا غذائية مزدوجة القعر، فيها آلات تنصت حساسة جدا، ونسجل ما يتحدثون به، فما إن يحصل عندهم حريق أو حالة إسعافية، نقوم بإرسال مروحية لهم فيها فريق طبي، وحين يسألوننا باستغراب كيف عرفتم!؟ كنا نجيبهم الإله من أخبرنا، فيزيد استغرابهم!!
ثم صرنا نرمي لهم موادا غذائية تحوي سموم، وبعد أن ينتشر التسمم بينهم، نرسل لهم الفريق الطبي ليعالجهم، ونخبرهم أن الإله هو الذي أخبرنا وطلب منا علاجكم، ولو انضممتم لنا ونفذتم ما نقول لحلّت عليكم بركة هذا الإله.
مرّة فكر السكان المحليون بمهاجمة أحد مواقعنا، فأرسلنا قوات عسكرية حاصرت قريتهم، وأخبرناهم أن الإله قد أطلعنا على نواياهم العدائية ضدنا، حينها فقط انهاروا وصدقوا أن هناك إلها فعلا يخبرنا، ورضوا بأن يتنصروا ويسلمونا أرضهم، ونجحت حيلتنا..!!”
- فنزويلا: وعلى سبيل السخرية يشير المؤلف إلى أن رئيس فنزويلا “هوغو شافيز” الذي شق خطًا اقتصاديًا وطنيُا مدين بالفضل للرئيس العراقي الأسبق “صدّام حسين” في إنقاذه من الغزو والتدمير، لأن الولايات المتحدة انشغلت في العراق في 2003م ولم تتمكن من إكمال انقلابها المدبر بإبعاد شافيز عن البلاد، فعاد بمساندة الجيش بعد أقل من 72 ساعة.
الدول العربية والاغتيال الاقتصادي
- بالطبع البلاد العربية أيضا لم تسلم من الاغتيال الاقتصادي، والأمر أشهر من أن يدلل عليه، ومما ذكره الكاتب مثلا:
- المملكة العربية السعودية: تبدأ قصة المؤلف مع السعودية في عام 1974م، حين عرض عليه أحد دبلوماسيي المملكة صورا فوتوغرافية لمدينة الرياض، ومن بينها صور لقطيع من الأغنام يرعى بين أكوام القمامة خارج مبنى حكومي.
وحين سأل بيركنز ذلك الدبلوماسي عنها، صدمته إجابته حين قال “إنها وسيلة التخلص من القمامة إذ لا يمكن لمواطن سعودي كريم الأصل أن يجمع القمامة. نحن نتركها لقطعان الأغنام”.
- بهذه الطريقة يعرف المؤلف قراءه على أكبر منتج للنفط والحليف الأول للولايات المتحدة في العالم العربي، لكنه لا ينسى أن يستعير بعضا من طرق الاستشراق القديمة، فيعرِّج على ما يسميه: (مشاهد قطع الرؤوس والأيدي في ساحات القصاص ووضع المرأة في السعودية، والفكر السلفي -ملحًا على الحركة الوهابية- المؤسس للدولة والظروف التي نشأت فيها أفكار أسامة بن لادن، وحظر النفط السعودي إبان حرب 1973…)
- يعتقد المؤلف أن العائدات الإضافية التي حصلت عليها السعودية من ارتفاع أسعار البترول كانت نعمة أكثر شبها بالنقمة. فقد امتلأت خزائن الدولة بمليارات الدولارات، ما أدى إلى تقويض بعض المعتقدات السلفية الصارمة.
فقد سافر أثرياء السعودية حول العالم والتحقوا بالمدارس والجامعات في أوروبا والولايات المتحدة، اشتروا سيارات فارهة وأثثوا منازلهم على الطرز الغربية. فحل شكل جديد من الانغماس الدنيوي بدلا من المعتقدات الدينية المحافظة. قدمت هذه النزعة الاستهلاكية الحل للمخاوف المتعلقة بتكرار أزمة حظر البترول مستقبلاً.
- فقد بدأت واشنطن -تقريبا بعد نهاية عملية الحظر مباشرة- بالتفاوض مع السعوديين، فعرضت عليهم مقايضة المساعدة التقنية والمعدات والتدريبات العسكرية مقابل دولارات البترول، وأهم من ذلك مقابل ضمان عدم تكرار حظر البترول مطلقا.
- أسفرت المفاوضات عن إنشاء وكالة التنمية الأكثر غرابة في التاريخ، وهي “اللجنة الأميركية السعودية للتعاون الاقتصادي” التي اشتهرت اختصارا بـ (JECOR).
أنفقت هذه اللجنة سنويا مليارات الدولارات، دون رقابة من الكونغرس. لأن الموضوع لم يكن به أموال حكومية أميركية، فلم يكن للكونغرس أية سلطة للتدخل في الأمر، رغم دور وزارة الخزانة كوسيط، وبدأت رحلة طويلة من تحويل عائدات النفط السعودية إلى الشركات الأميركية.
غسيل الأدمغة والاحتواء
- أدى تركيز سلطة اتخاذ القرار في أيدي القطاع الخاص في الحياة الأميركية إلى استخدام آليات السوق لتوجيه وضبط الأفكار والمشاعر العامة، بحيث اقتصر دور رجل الشارع في كونه مستهلكاً ومتفرجاً وليس مشاركاً، وحيث إن صوت الشعب يجب أن يسمع في المجتمعات الديمقراطية فلقد تمكن أصحاب المصالح الأميركية من تجاوز هذه الإشكالية من خلال غسيل أدمغة مستمر.
- “هندسة الموافقة”: تؤدي عملية “غسيل الأدمغة” إلى أن يصبح حديث المواطن العادي متمشياً تماماً مع مفاهيم النخبة الاقتصادية والسياسة، ضمن ما عرف باسم “هندسة الموافقة”، فعمليات السيطرة على العقل العام الأميركي تتم بشكل مستمر ومتكرر وتصل إلى ذروتها في فترات الأزمات بحيث يساق الشعب بشكل دائم إلى إدراك أن الحرب لم تنته وبأن بلاده تحارب (وهي بالأحرى ترتكب مجازر) من أجل قضية نبيلة.
- “الاحتواء”: ويقابل “غسيل الأدمغة” في الداخل عملية “الاحتواء” في الخارج، وهما عمليتان متكاملتان ومتشابكتان حيث يلزم تعبئة المواطنين بالداخل لدفع فاتورة سياسة الاحتواء الخارجية.
- وإلى جانب الاحتواء تسعى الإدارة الأميركية إلى “تقسيم العالم إلى مناطق اقتصادية” نوعية تخدم كل منها أغراض الشركات الأميركية: فنزويلا والمكسيك والخليج العربي لشفط النفط، أميركا الوسطى والكاريبي لاستعباد العمالة الرخيصة وتجميع المنتجات، الصين للاستهلاك وترويج المنتجات الأميركية.
- وعلى هذا النحو فإن ما يريده النظام الأميركي في حقيقة الأمر ليس التجارة الحرة، بل احتكار المستقبل لصالح منظمة “الشركة الأميركية” في حرية دخول الأسواق واستغلال الموارد واحتكار التكنولوجيا والاستثمار والإنتاج العالمي، فهي تطالب لشركاتها بحقوق الملكية في مجال الدواء والزراعة (البذور، المبيدات … الخ) والتي سيدفع ثمنها الفقراء في الدول النامية متجاهلة الأرباح التي تحققها شركاتها من خلال الحصول “مجاناً” على أسرار أدوية الأعشاب وطرق العلاج الطبيعية الأخرى التي تراكمت خبراتها لدى العالم النامي عبر مئات السنين.
- متناسية أن الدول المتقدمة لم تطبق نظم براءة الاختراع في مجال الدواء إلا حديثاً (إيطاليا في عام 1982م واليابان في عام 1976م وألمانيا في عام 1966م) بل إن الولايات المتحدة نفسها رفضت في القرن التاسع عشر دعاوى حقوق الملكية بحجة أنها ستعوق التطور الاقتصادي.
وفي النهاية فإن حالة من الإحباط قد تتسرب إلى نفس القارئ من تلك الشبكة العالمية المهيمنة على مستقبله ومن التآمر الذي يحيق به من كل جانب، غير أن هذا لا يمنع من أهمية الكتاب وما به من معلومات تكشف عن كثير من التفاصيل، ربما تفيد لتجنب ما هو مقبل من أحداث.
* المُلخَّص مجموع ملخصين أحدهما من إعداد المدوِّن السوري جاد الحق (معتز ناصر)، والثاني من إعداد موقع الجزيرة، بزيادة وتصرُّف.
القاتل الاقتصادي مترجم (فيلم كرتون قصير)
https://www.youtube.com/watch?v=R0nmfc6j7Qk
القاتل الاقتصادي جون بركنز يشرح كيف تقوم أمريكا بقتيال الدول اقتصادياً
https://www.youtube.com/watch?v=wH_I9HjlUmQ