#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
سلسلة الأسرة المسلمة (12)
الطلاق
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 38 دقيقة.
التاريخ: 29/ربيع الأول/1440هـ
الموافق: 7/كانون الأول/2018م
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ إنّ كسرَها طلاقها.
2️⃣ فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرا.
3️⃣ طلاقٌ رجعيّ فلا تعجَل.
4️⃣ الطلاقٌ السُنِّي.
5️⃣ عِدَّة المطلَّقة الحِكمة والفهم الخاطئ لدى الناس.
6️⃣ متاع بالمعروف بالإضافة لكل الحقوق والمستحقات.
7️⃣ كتم الأسرار بعد الطلاق واجب كما هو قبله.
8️⃣ الأولاد وانعكاسات المشاكل عليهم.
9️⃣ لا تضارَّ والدة بولدها، النفقة على المرضعة.
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
🔟 جريمة الإضرار بالزوجة لإرغامها على التنازل عن حقوقها عند الطلاق.
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
- ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمَالنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه وخليلُه، أرسله ربُّه بالهدى ودينِ الحَقِّ ليُظهره على الدين كُلِّه ولو كَرِه المُشرِكون، فصلواتُ ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبِين الطاهِرين، وأصحابِه الغُرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربِهم واهتدى بِهُداهم إلى يوم الدين… ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) [النساء:1].
إخوة الإيمان، لقاؤنا بكم يتجدد في حلْقة جديدة من سلسلة الأسرة المسلمة، وما زال حديثنا عن أُسَرِنا، ما زال حديثنا على اللبنة الأساسية في المجتمع المسلم، وقد تطرقنا إلى ما يُصلِح حال أسرنا، مما أمرنا به الله تعالى وأوصانا به رسوله صلوات ربي وسلامه عليه، وكان فيما ذكرناه في خُطبٍ سابقة أن تحدثنا عن العلاجات القرآنية لحلِّ المشكلات الزوجية، وضَّحنا علاجاتٍ ذكرها القرآن الكريم، يعالج بها الرجل نشوزَ زوجته ومعصيتها له وعدم طاعتها، وذكرنا كذلك علاجات قرآنية وجه الله تعالى إليها النساء، لكي تُصلِح المرأة ما بينها وبين زوجها لو خافت من زوجها نشوزًا أو إعراضا، ومن شاء أن يرجِع إلى هذه الخطب فهي مسجَّلةٌ منشورة، واليوم أيّها الأحبَّة نتحدث عن أمرٍ خطير وعن شرٍّ مستطير، نتحدث اليوم فيما لو عجز الرجل عن إصلاح زوجته، نتحدث فيما لو استحالت الحياة الزوجية بين الرجل وامرأته، نتحدث فيما لو لم تُجدي كل العلاجات السابقة نفعًا، نتحدث اليوم عن أمرٍ أحلَّه الله تعالى وأبغضه، نتحدَّث اليوم عن الطلاق، نتحدث اليوم عن أبغض الحلال على الله تعالى، نتحدث اليوم عن كلمةٍ أدمعت مُقَل كثيرٍ من النساء والرجال، نتحدث اليوم عن كلمة شتَّت شملَ كثير من الأسَر وكانت سبب ضياع كثير من الأبناء والبنات، نتحدث اليوم عن الطلاق، نتحدث اليوم عن آخر العلاج وهو الكي، ذلك العلاج الذي أحلَّه الله تعالى وأبغضه «أبْغَضُ الحلال إلى اللَّه الطلاقُ» [أبو داود وابن ماجه]، أحلَّه الله تعالى وأبغضه ليكون عِلاجا أخيرًا عندما لا تنفع باقي العلاجات، فاستهتر به أقوام وجعلوه أوَّل علاجاتهم، وتساهلت ألسنتهم النُّطق به، فإذا بهم ينتقلون من مشكلة إلى مشاكل، ومن كربٍ إلى كُرُبات، نتحدث عن أمر استهتر به من لم يعِ معنى الزواج، ذلك الزواج الذي هو في الحقيقة تضحية وقبول للاختلاف وتحمُّلٌ للآخر، ذلك الذي ظنَّه بعض الرجال وبعضُ الشباب مجرَّد فُرصَةٍ لقضاء الشهوة والوطَر، لا يرى من أحدِهم تحمُّلٌ لزوجته ولا صبرٌ عليها، نتحدَّثُ عن الطلاق الذي يُكثرُ مِنه من لم يع وصية رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندما قال: ((إنَّ المَرأةَ خُلِقَت مِنْ ضِلَع، لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَريقة، فإن اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفيهَا عوَجٌ،
وإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَها، وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا)) رواه مسلم.
المرأة -أيُّها الرجل- خلَقها الله تعالى فيها عِوَج لكي تستمتِع بها، لأنّها إن كانت مستقيمة الفكرِ قويمةَ العقلِ ستشعر بها وكأنَّها رجلٌ أمامك ولن تستمتع بها، فأكرمك الله تعالى بهذا النقص الذي يُزيِّنُها لكي تكون مُحبَّبةً إليك، ولكي لا تنفر مِنها، لكي لا تشعر بها رجُلًا أمامك، فإن استمتعت بها، استمتعت بها وبها عِوَج،
وإن أخذت تقومها كسرتها وإن كسرها طلاقها، هذا الطلاق الذي يكون عندما تنقلب الحياة إلى جحيم لا يُطاق. هذ الحياة تنقلب إلى جحيم عندما لا نرى إيجابيات في الطرف الآخر ورسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (( لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا غَيْرَهُ )) رواه مسلم.
لا يفرَكْ مؤمِنٌ مؤمِنَة أي لا تَبغض زوجتك، لا تحقِد على زوجتك، فزوجتُكَ ليسَت عدوَّةً لك، الآن نرى في وسائل التواصل الاجتماعي كثيرًا من النكت تتندَّرُ بالزوجات وكأنَّ الزوجة عدوّة، حتى غدى في أذهان الناس أن الزوجة عدوة، وأن الحماةَ عدوة… أيّها الأحبّة رسول الله يقول: (( لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا غَيْرَهُ ))، إن أتاك الشيطان يُضخِّم لك مشكلة، ويعظِّم لك البغض تجاه هذه المرأة، كذا وكذا وكذا تذكَّر أن لها إيجابياتٍ أُخرى، تذكَّر أنّها أمّ أولادك، تذكر أنها تطعمك وتطعم بنيك، تذكّر أنها تعتني بك وبِهم، تذكّر مِنها الجانب المُشرق لألّا تنقلب الحياةُ جحِيمًا، والله تعالى يقول وقوله الحق: ((فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)) [النساء:19].
ولكن رغم كلِّ ما ذكرنا أيها الأحبة نرى أنَّه في المجتمع قد نرى حالاتٍ تصل لمرحلة تستحيل فيها الحياة بين زوجين، وقد كان هذا من الصحابة الكرام ومِن غيرِهم، الصحابة الكرام عديدٌ منهم طلَّق زوجته، بل إنَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- طلَّق امرأة قبل أن يدخل بها وقبل أن يبني بها، لذلك أيّها السادة الطلاق موجود، والطلاق جعله الله تعالى رحمة ومزيِّةً لهذه الأمة، فمن كان قبلنا من النصارى حرَّم الله عليهم الطلاق، لذلك النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لما أمرنا بالصبر على الزوجات ذكرنا بالنصارى قال: «إنَّ اللهَ يوصيكُم بالنساءِ خيراً، فإنَّهن أمُّهاتُكم وبناتُكم وخالاتُكم، إنَّ الرجلَ مِن أهلِ الكتابِ ليتزوَّجُ المرأةَ ما تُعلِّقُ يَداها الخيطَ فما يرغب واحدٌ مِنهما عن صاحبِهِ». [السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني 2871].
هذا شأن الأمم قبلنا، فكان ذلك فيه شدة على الناس، أحيانا تستحيل الحياة، فقد يضطر ذلك الرجل -والعياذ بالله- إلى الحرام وقد يضطر المرأة إلى الحرام، فجُعِل الطلاق آخر العلاجات، وجعل هذا العلاج كما هو الكي على ما فيه من ألم جعله علاجا أخيرًا عندما تستحيل الحياة، ولكن الله تعالى ولكنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أعطانا من التوجيهات ما يجعل هذا العلاج علاجًا حقيقيًا، لكي لا يصبح هذا العلاج نقمة على المجتمع، لذلك كان لا بدّ من وصايا لمن يُطلِّق زوجته أو لمن تطلبُ الطلاق من زوجها.
أول تلك الوصايا ما ذكرناه من وجوب أن تتذكر الحسنات وأن تعرض عن السيئات، لا تُعمِل المقارنَة كثيرًا في عقلك. أيّها الأحبّة من أعمل في عقله المقارنة بين النساء لن يستطيع أن يعيش مع زوجته ولو كانت ملكة جمال الكرة الأرضية، ولو كانت في قمة الأخلاق المحمَّدية، لن تعيش معها، متى ما أعمل عقلك المقارنة لن تعيش من زوجتك، لذلك أيها السادة نرى أن من يغض بصره عن الحرام يكون سعيدًا مع زوجته أما من يُطلِقُ بصره على أجهزة التلفاز وعلى الموبايلات يشاهد هذه وتلك فلن تعجبه زوجته مهما كانت جميلة أو حسنة الخلق، فأول الأمر، الله عزَّ وجلّ يأمرُك قائلًا: ((وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) [البقرة:237]. قبل أن تفكر بالطلاق تذكر الجانب الآخر تفكر بالأولاد تفكر بعقلية المودّة والرحمة، تذكَّر أولادا سيُشرَّدون وأطفالا لن تجد من يعتني بهم، أعمل عقلك في هذا…
فإن عزمتَ الطلاق فإنَّ الله تعالى جعل لك الطلاق على هيئة تُمكِّنُك من التراجع، لما قال الله تعالى: ((فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ … )) [البقرة:229]. جعل الله رحمة بنا الطلاق على مراحل فقال تعالى: ((الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ……. فَإِنْ طَلَّقَهَا [أي الثالِثة] فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا [أي الزوج الثاني] فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا [هي والأوَّل] إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) [البقرة: 229-230]. لمّا يطلقها الثالثة لا بد أن تتزوج شخصا آخر زواجا حقيقيا لا يكفي العقد، تعتدُّ من الأول، فيتزوجها الثاني زواجًا حقيقيًّا ويبني بها ويدخل عليها “ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته” كما قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فإذا طلقها الثاني وانقضت عِدَّتها من الثاني فللأول أن يُراجِعها.
مِن رحمة الله بك أيّها الرجل أن جعل الطلاق على مراحل، لذلك فإنّ مِن السفاهة، وإنَّ من الجهل وإنَّ مِن قِلّة الأدب مع الله تعالى ما نراه من تسرع الرجال بنطق ألفاظ الطلاق ثلاثة، يقول لها أنت طالق بالثلاثة، طالق طالق طالق!! ثم يأتي بعد ذلك: “يا شيخي ابحث لي عن فتوى”، يأتي نادِمًا، ويأتي شاكيًا وباكيًا، هذا قليل أدب مع الله تعالى قبل أن يكون مع الخلق، أحلَّ الله له ذلك ليكونَ على مراحل لعلّه يتراجع إن ظنا أن يقيما حدود الله، فيتعجَّلُ البلاء على نفسِه!!
والشيء بالشيء يُذكَر، لابدَّ أن أنبِّهكم أيُّها السادة إلى أنَّ جمهور الفقهاء على أنَّ مَن طلق زوجته ثلاثا دفعة واحدة، فإنها تقع ثلاثًا ولا تقع واحدة. وخالف في ذلك مَن خالَف، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، ولفجورِ النَّاس في هذا الزمان، ولقلة عقولهم وسفاهة أحلامهم، اضطرت المحاكم في العصر الحديث للأخذ بالقول الذي قال به شيخ الإسلام ابن تيمية، فغدو يوقِعون الثلاثة في مجلسٍ واحد، واحِدَةً لسفاهة الناس، أمّا عِند الجمهور فكما أسلفنا: الثلاثة تقع ثلاثا لو طلقها ثلاثا في مجلس واحد.
إذن أول آداب الطلاق أن تتفكر في الجانب الإيجابي وأن لا تنس فضل الزوجة، ثُمَّ إن عزمتَ الطلاق لا تتعجَّل على نفسك، أعطِ فُرصَة لنفسك وطلِّقها طلاقا رجعيًا، ولكن لا يكفي أن يكون الطلاق رَجعيًّا إذ لابُدَّ أن يكون طلاقا سُنِّيًا، أفي الطلاق سنة وبدعة؟! نعم في الطلاق هناك طلاق سُنِّيّ وطلاق بِدعيّ، لأنّ النبيّ
-صلّى الله عليه وسلّم- نهى أن يُطلِّق الرجلُ زوجتَه وهي حائض، ونهى أن يُطلِّق الرجل زوجته وهي نفساء، ونهى أن يُطلِّق الرجل زوجته وهي حامل، فهذا وإن كان يقع فإنّه طلاقٌ بِدعي، أمّا طلاق السُّنَّة:
فأن يُطلِّقها في طُهرٍ لم يُجامِعها فيه، والحديث في الصحيح أن ابن عمر رضي الله عنه قال طلقت امرأتي وهي حائض فحكى عمر بن الخطاب للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك: فقال له النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: «مُره فليراجعها فإن حاضت وطهرت ثم حاضت فطهرت إن شاء أن مسكها وإن شاء طلقها في طهر لم يجامعها فيه». انظروا أيُّها السادة إلى هذا التوجيه النبوي وإلى الحكمة العظيمة من ذلك.
أحيانًا كثيرة لما تكون المرأة في حيضها وفي نفاسها، لأنّ الرجل يكون بعيدا عن زوجته ويفوته أن يقضي شهوته منها قد يؤدي ذلك إلى تفاقم المشاكل بينها فيحقد عليها، أمّا عندما تكون في طُهرها قد يتشاجر معها فتدفعه غريزته وتدفعها غريزتها لأن يصلحا بينها ويتصالحا، فإن كانت في حيضها ونفاسها قد يفوت ذلك فيطلقها ظالما لها، والمرأة -أيّها السادة- في حيضها ونفاسِها يكون فيها من الأمراض وتكون الهرمونات في جسدها مختلِطة مما يؤثر على أعصابها وعلى إرهاقها الذهني فيجعلها ذلك متوتِّرةً عصبية، فالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- نهاك أيها الرجل عن أن تطلق في هذه الحالة، وأمرك أن تُطَلِّق في طُهرٍ لم تجامعها فيه، لماذا في طهر لم تجامعها فيه؟ خشية أن تحمل المرأة فتطول عليها العِدّة.
أيها السادة، عدة المرأة المطلَّقة في القرآن الكريم: ((الْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [عِدَّة المرأة إذا طلقها زوجها ثلاث حيضات] وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [البقرة:228]. عدة المطلقة ثلاث قروء -ثلاث حيضات- أمّا الحامل فالله تعالى قال في عِدَّتِها: ((وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)) [الطلاق:4]. فإذا كانت المرأة حاملًا لا تنتهي عِدتها حتى تضع ولدها، لذلِك أُمِر الرجل أن يطلِّقها في طُهرٍ لم يجامِعها فيه، فلو واقعَها في طُهرٍ فحمَلت منه قد تطول عدتها تسعة أشهر وهذا فيه إضرار بالمرأة.
إذن أيها السادة الطلاق السني يكون دافعا للرجل والمرأة لكي يعودا إلى رشدهما وليراجِعا نفسيهما، فإذا طلَّقت هذه المرأة وجلَست المرأة في عدتها فمن الأخطاء الشنيعة في مجتمعنا أنّ الرجل إذا طلَّق امرأته يصرفها إلى بيت أهلها أو أنّ الوالِد إذا طُلِّقَت ابنته تراه يأخذها من بيت زوجها والله تعالى يقول وقوله الحق: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا )) [الطلاق: 1]. لا يجوز أن تخرج المرأة من بيتها قبل أن تنقضي عدتها، إن كنت رجلا طلَّقت امرأتك لا يحل لك أن تُخرِجها قبل أن تنتهي عِدتُها، وإن كنت والِدا أو أخًا طُلِّقَت ابنتك أو أختك فلا يحلُّ لك أن تُخرِجَها من بيتها قبل أن تنقضي عِدتُها ((لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا )) [الطلاق: 1].
لا تدري أيُّها الأب، ولا تدري أيّها الأخ، ولا تدري أيّها الزوج، لعلَّ الله يُحدِث بعد ذلك أمرًا فيصطلِحا.
أيّها السادة، المرأة في عِدة الطلاق الرجعي مأمورةٌ أن تتزين لزوجِها، لا كما يظُنُّ العوام، يظنُّ العوام الجهال عكس ذلك ويسألون: “يا شيخي بيتهم صغير غرفة واحدة كيف ستقضي العِدة وتتحجب منه”؟ ومن قال أنّها في العِدَّة ستتحجب مِنه، المرأة في الطلاق الرجعي مطلوبٌ مِنها وهي مُطلَّقة في العِدّة قبل ثلاثة حيضات، أن تنزين وأن تتجمل وأن تتعطر لزوجها… “طيِّب يا شيخي، لعلَّه يقربها بالحرام”؟! ومَن قال لكم أنَّه حرام؟!!
في الطلاق الرجعي بمجرّد أن يقع عليها زوجُها ترجع إلى عصمته، حتى ولو من غير أن يقول لها أنه أرجعها بلسانه، هذا هو شرعنا، هذا هو الإسلام، هذه الحكم العظيمة التي نفوِّتُها على أنفسنا بجهلنا.
لمّا تأتي لتأخذ ابنتك أو تأخذ أختك من بيت زوجها فأنت تقطعُ فرصةً، إذ قد يرجعها، قد تدفعه شهوته إلى أن يواقِعها فترجع إلى عصمته، وقد تدفعها شهوتها لأن تتجمل له وتتحبب له وتعتذر منه فيرجِعها.
والله أيُّها الأحبَّة، جُلّ مشاكلنا من معصيتنا لله تعالى، ومن جهلنا في ديننا، الله تعالى في القرآن الكريم لعظيمِ شأنِ الأسرة أرسلَ لنا كلَّ هذه الآيات تتحدثُ عمَّا يُصلِح أُسَرَنا، لذلك كان لا بد مِن أن تلتزم شرع الله، لا تخرِجها من بيتها حتى تنقضي عِدَّتُها، واجب عليك أن تنفق عليها وهي في العِدة، وواجب عليها أن تعتني ببيتها وأن تنظِّفه وأن تتجمَّل وأن تتزين لك لعلَّ الله يُحدِث بعد ذلك أمرًا…
فإذا انقضت عِدتُها، وإذا قسَت القلوب، وإذا استحالت الرجعة، كان التوجيه من الله تعالى بقوله سبحانه: ((وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)) [البقرة:241]، كم هذه المتعة قال تعالى في آية أخرى:
((… وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)) [البقرة:236].
أيُّها الأحبّة نحن أردنا أن يكون الطلاق عِلاجًا لا أن يكونَ فاتحة مشاكل أكبَر، كثيرٌ من النّاس ممَّن يبتليه الله تعالى بتطليق امرأته أو يبتليها الله تعالى بتطليقها من زوجها، تكون المخالفات الشرعية في الطلاق سببا لتدمير مستقبلهما، مُستقبلِ الرجل ومستقبل المرأة، كيف هذا؟ لاحظوا الآية القرآنية ((وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)) يعني ما عدا مهرها وما عدا مقدَّمها ومأخَّرِها، وما عدا كل مستحقّاتها، عندما تنتهي عِدَّة هذه المرأة التي كانت زوجتَك، الله تعالى يأمرُكَ أن تعطيهَا هديَّةً، عدا المهر وعدا كلِّ مستحقاتِها وفوق ذلك المتاع ((مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)) وفي الآية الأخرى ((حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)) يأمرك الله تعالى بأن تُحسِنَ لهذه المرأة، لماذا؟ هل تعرفون الحكمة من هذا أيّها الأحبّة؟
لمّا تعطيها كامل حقوقها، وفوق ذلك تأتي بمبلغ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره (الغني يدفع كثيرا والفقير يدفع القليل) تأتي وتعطيها مُتعَة تقول لها هذه هدية، هذه مُتعَة تتمتَّعين بها لحين ما ييسرُ الله أمرَكِ، هذه المرأة لو أرادت أن تتكلم عليكَ بسوء أمام الناس، أو أن تهتِك سِترك أمام الخلق، سيلجمها الناس، سيقولون لها ويحَكِ، الرجلُ أعطاكي حقوقك وأعطاكي فوق ذلِك مِنها هديَّةً، مُتعَةً، وما زلت تتكلمين عليه؟!!
فيكون ذلك سببًا لأن تُلجِم لِسانها، فإذا ألجمت لسانها عن ذكرِ مساوئك وعيوبِك، يكون ذلك منك أيضا لأنّك لا تريد أن تستفِزَّها لتتكلم عليك، فأنت أيضا تكتم ذلك عنها، فييسِّرُ الله أمرَك وييسِّرُ أمرَها، والله تعالى قال وقوله الحق: ((وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)) [النساء:130]. يغنيك الله من سَعتِه ويغنيها أيضًا من سَعتِه، لذلك أيّها الأحبّة، هذا المَتاع صمام أمانٍ لمستقبلك ولمستقبل أبنائك، لماذا؟
لأن به تُلجِمُ لِسانَ المرأةِ عن ذِكرِ أسرارِك وعيوبك ولكي تُلجمَ لسانَك عن ذلك، لذلك أيّها الأحبّة كان من الأمور المهمة التي أوصانا الشرع بها: أن نكتم ما بيننا وبين زوجاتنا اللواتي طلقناهنَّ أو اللواتي هُنَّ معنا الآن، رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والحديث في صحيح مسلم قال: «إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سِرها» وفي رواة أبي داود قال: «إنّ من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سِرها».
هذا الأمر أيّها الأحبّة ليس فقط للمتزوجين، قليل الناموس وقليل الشرف يفضي إلى زوجته وتفضي إليه ثمّ ينشر سِرَّها ويتحدّث أمام أصدقائه بما يحدث بينه وبين زوجته!! هذا قليل ناموس وقليل شرف، رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها» أي الذي يفضح سِرَّ زوجته أو التي تفضح سِرَّ زوجها، هذا الأمر يكون قبل الطلاق ويكون بعد الطلاق.
رجلٌ من الصالحين أراد أن يُطلِّق امرأته فقالوا له ما بها؟ ما البأس؟ لماذا تريد طلاقها؟ قال ويحكم أويتكلم الرجل عن امرأته، -عيب أحكي عن امرأتي- فلما طلقها قالوا له: قل لنا لماذا طلَّقت فلانة قال بنت الناس لم تعُد زوجتي، وقد تتزوج رجل آخر، وأنا لا أتكلم عن أعراض المسلمين، صارت بحالها وأنا بحالي، تكتم سِرَّها فيدفعها ذلك لأن تكتُمَ سِرَّك ولأن تحفظ مستقبل أولادك وبنيك، إذ لمّا تنشُر سِرَّها وتنشُرُ سِرَّك، الأولاد المساكين حين يكبرون يعيرهم الناس [بزمانه أبوك قال كذا عن أمك، وبزمانه أُمك قالت كذا عن أبوك] يعيرُهم الناس وتكون المصيبة على الأولاد وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الطلاق أيّها السادة، كان مِن الصحابة وطلَّق النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، ولكنه طلاق المؤمنين، طلاقٌ لا إضرار فيه، إذ لا يجوز لك أن تضار المرأة بالأولاد ولا بغيرِهم، قال تعالى وقوله الحق: ((لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ)) [البقرة:233]، أنت أُمِرتَ بعد الطلاق أن تُنفِق على امرأتك لو أرضعت لك، قال تعالى: ((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ..)) [البقرة:233]. هذه المرأة عندما سترضع الولد ألا تحتاج إلى أن تأكل وتشرب وتكتسي؟ تريد أن ترضِع ابنكَ لكي يكبر ويصير ابنك وهي تتعب في ذلك، الله تعالى عز وجل ماذا قال لك: ((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ…)) [البقرة:233].
هذه المرأة إن طلقتها وخلصت عدتها طالما أنّها تُرضِع لك ولدَك، ولو تزوجت واجب عليك، طالما ابنك باق عندها ترضعه أن تنفق عليها، وأن تعطيها نفقتها وكسوتها لأنها ترضع لك ولدك، ولابدّ أن تتذكر دائمًا أنّ الطلاق علاجٌ الغاية منه حلّ مشكلة تأزَّمت ولم تعد تُجدِ معها الحلول ((لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ)) إيّاك إيّاك أن يكون منك الاضار بالمولود أو بالمرأة فيكون ذلك وبالًا عليك، تكون عاقبة ذلِك أضرارا نفسية تظهر نتائجها في سلوك أولادك فيحقدون عليك حين يكبرون.
أسأل الله تعالى أن يحفظ أسرنا من كل شرٍّ وبَليَّة، وأن يديم السعادة على كل المتزوجين، وأن يزوِّج كلَّ العُزّاب، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله، خيرُ الوصايا وصيّةُ ربِّ البرايا:
((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)) [النساء:131]، فاتَّقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامةُ من المِحَن، واعلموا عباد الله أنَّ الله تعالى، جعل لنا في هذا الشرع القويم ما يُصلِح حالنا في الدنيا، وما يُسعِدُنا فيها كما ينجينا ويسعدنا في الآخرة، فلزموا عباد الله شرعَ الله وإيّاكم ومخالفة أمره فتجدوا ذلك على أنفسكم وبالا في الدنيا والآخِرة، ولأن الحديث اليوم عن الطلاق أبعده الله تعالى عن أُسَرِنا جميعا وعن أبنائنا وبناتنا لا بدَّ أن ننبه إلى أمرٍ خطير نراه في مجتمعاتنا:
أحيانا يفقد الرجل الأمل في أن يُصلِح فيما بينه وبين زوجته، وتغدو حياتهما جحيمًا لا يُطاق، ويريد أن يطلقها وتريد أن تتطلق عسى الله تعالى أن يُكرمها من فضله ومن سعة رحمته، فإذا بالزوجِ يُمسِكُها ولا يطلِّقُها، بل يُضارُّ بها ويؤذيها ويعضُلها فيتركها كالمعلَّقة، لا ذات زوجٍ يرعاها ويُعِفُّها، ولا مطلقة فتُخطب وتتزوج!!
يضار بها لماذا؟ يريد منها أن تتنازل عن جميع حقوقها، بل بعضهم يريد أن يبتزها لتعطيه فوق حقوقها، والله تعالى يقول في ذلك: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20))) [النساء: 19-20].
هذا الذي يُضار زوجته لكي تتنازل عن مهرها وقد أفضى إليها وأفضت إليه ((أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21))) [النساء: 20-21]. أَفضيتَ إليها وأفضَت إليك، ثُمَّ تُضارُّ بها لكي تتنازل لك عن مهرها وعن حقِّها، تأخذه بهتانا وإثما مبينا؟!!
ولو تنازلت لك ولو أعطتك من مهرها، فهذا الذي أعطتك إياه وهي مُكرهة وهي مُضطرة وقد أسأت إليها تأخذه بهتانا وإثما مبينا، تأخذه حراما، لينقلب نارا وشنارا عليك في حياتك ولتطير الناس بسمعتك السيئة، فعندها تأتي لتتزوج فلا يزوِّجُك الكرام، يقول الناس لهم: “هذا ضارَّ بزوجته الأولى لكي لا يعطيها مهرها”،
فلا يزوجك الكرام وتتزوج من أراذل الناس، نعم، لماذا؟ لأنّك أخذت مالًا ليس لك بعد أن أفضيت إلى تلك المرأة، أخذته بهتانًا وإثما مُبينا.
أيّها السادة هذا الذي قسمه الله تعالى للزوجات حقٌ مكفولٌ لهنَّ، وواجب لا بد أن تؤدِّيهُ، هذا الحق أحيانا أحل الله للمرأة أن تتنازل عنه كلَّه أو بعضًا منه، فالمرأة لها إن أرادت أن تخلع زوجها أن تتنازل عن شيء من حقوقها مقابل أن يطلقها ولكن هذا لا بد أن يكون بعذر مقبول فالله عز وجل يقول: ((إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)) يعني والعياذ بالله الزنا، تيقَّنَ بدليلٍ أنّ امرأته تزني -والعياذ بالله- فمثل هذا قد يكون إذا ما أردا ألا يرفع أمرها للقاضي لتقتل، وقتها قد يكون له حجة أي يضار بها كي تُرجِعَ له مهره لأنّها أساءت في حقه إساءة لا تغتَفَر، أو أحيانا تأتي امرأةٌ فتطلب الطلاق من زوجها دون سببٍ مُقنِع، فمثل هذا له أن يطالبها بما دفع لأنّها قد تكون ألعوبة، زوجوه البنت وبعدها يقولون له: طلّقها، كي يأخذوا منه المال، ورسول الله
-صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «أيّما امرأة سألَت زوجها طلاقًا من غير بأس، فحرامٌ عليها رائحة الجنة» [صحيح أبو داود والترمذي].
نعم أيها السادة، هذا هو شرعنا وهذا هو ديننا، وهذا ما فيه صلاح حالنا في دنيانا ومعادنا، أسأل الله تعالى أن يحفظ الأزواج والذرية وأن يرزقنا في كل أعمالنا إخلاص النية، وأن يغيِّر حالنا إلى ما يُحبُّ ويرضى… إنّي داع فأمنوا