لطالما مثّلت الاتجاهات الإسلامية العاملة على الساحة خطرًا على أعداء الإسلام، باعتبارها حاملة لراية أهل السنة والجماعة، ولذا شرعوا في ضرب هذه الاتجاهات من الإخوان والسلفية وتيار الصحوة والأزهر وغيرها، إما بصورة مباشرة، أو بعِصِيِّ الأنظمة العربية المستبدة.
هكذا فعلوا عندما شيطنوا الإخوان ورشقوا تلك الجماعة بتهمة الضلال المنهجي والفكري، وحاربوها باعتبارها ضالعة فيما يعرف بالإسلام السياسي، واستخدموا التيار السلفي في تلك الحرب فاندفع أفراده دونما إدراك وخصّصوا منابرهم لمهاجمة الإخوان تحت دعوى حماية العقيدة، وتناسوا حكمة الثور الأخير: (أكلتُ يوم أكل الثور الأبيض)، علمًا بأن الإخوان لهم وعليهم، قدموا وبذلوا نعم، ولكن لا تخلّو دعوتهم من خلل كحال البشر أجمعين.
ولما تفرق دم الدعوة الإخوانية بين الأنظمة الديكتاتورية التي أسهمت بسطوتها وسلطتها في تصفية الأفكار والأجساد، بدأت مرحلة شيطنة السلفية التقليدية أو ما يعرف بالوهابية، فنسبت لها كل نقيصة، فهم رجعيون متخلفون سوداويون، والسلفية الحق كمنهج صافٍ من ذلك براء، ولن يضير المنهج السلفي الحقيقي أن حاد عنه حاملوه، ولطالما كان حملة الأفكار أحيانا عبئًا على أفكارهم.
لقد انبرى لهذه المهمة كتاب ليبراليون أخذوا من الليبرالية عوارها البيّن، ودعاة للديموقراطية لا يرون تحققها إلا بدوام حكم الطغاة، فهاجموا الدعوة السلفية لتحييدها عن المشهد خاصة في الخليج، وحشدوا ضدها وعليها، حتى صار خيرة دعاة الأمة خلف القضبان.
كانت بلاد الحرمين منارة لنشر التوحيد والعلم، لكن أبى سفهاء وصبيان الأقلام إلا أن ينزعوا عن تلك البقاع دعوتها المباركة التي لطالما أضاءت لأهل المشارق والمغارب طريقهم إلى خالقهم.
ولست هنا في معرض الدفاع عن الوهابية والإخوان، وإن كان دفاعي عنهم في بعض المواقف ينطلق من كونهم جزءًا من جسد أمتي، ولكني أندهش لهؤلاء الذين يحاربون تلك الفصائل السنية ويرونها خطرًا على الأمة، بينما يغضون أبصارهم عن القبوريين الذين أساؤوا للإسلام بتقديمه بصورة كهنوتية ، يتربع فيها الولي المزعوم حيًا أو ميتًا على رؤوس الجهال، يطلبون منه قضاء الحاجات ويدعونه من دون الله، وفاتهم أن تلك الطرق القبورية – التي أستحي أن أنسبها للصوفية حتى لا أجرح الزهاد الأوائل الذين استقاموا على السنة ووافق تصوُّفهم سُنَّة نبيهم- كانت جسرًا للمحتلين يعبرون عليه إلى جسد الأمة بتلك الاتكالية والتواكل والرضا الزائف بالقضاء والقدر ، الأمر الذي يقتل روح النضال في الأمة، أو بطريق التآمر مع الغزاة، بينما تلك الاتجاهات السنية التي تُحاكم اليوم تنهض لصيانة التوحيد ونشر العلم ومواجهة الغزو الفكري.
لقد أُسندت مهمة شرعنة هذا الاستبداد ضد تلك الجماعات إلى علماء السلطة الذين يصنعون من المستبد القاتل قديسًا، يطوعون النصوص لخدمة سياساته، ويجعلونه في مصاف عمالقة الصدر الأول كالفاروق وخالد بن الوليد، بل وبعضهم يجعل ولي أمره الطاغية كموسى وهارون، هؤلاء الذين صنعوا سهامًا مسمومة لقتل كل جميل في ديننا.
هؤلاء هم الذين طعنوا الأمة في الخاصرة، وكرسوا للاستبداد، وليس الإخوان ولا الوهابيون هم من فعل.
وهناك منهم من يصطاد في الماء العكر، ويسعى لاستثمار الخلاف الخليجي مغازلًا قطر بشتم السعودية والدعوة لمحاربة الدعوة الوهابية الضاربة في جذور المجتمع القطري والتي تعد جزءًا من نسيج ذلك البلد الذي لم يمنعه ذلك عن التقدم والازدهار والنجاح على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومع ذلك لم يتهم أحدٌ قطريًا أو كويتيا أو بحرينيا أو إماراتيا بالتكفير والظلامية والجمود، فلماذا يسعى المُتملّقون إلى إذكاء نيران الخلاف عبر لمز الوهابية والنيل منها؟
يا إخوتي، دعوة ابن عبد الوهاب ليست هي السعودية، والسعودية ليست هي الدعوة، فإذا كان الخلاف مع الأشقاء السعوديين فما الداعي لإقحام الدعوة بالشأن السياسي؟
لو كان مبرر هذه الحملة على الوهابية هو الرد على ظلم القيادة السعودية، فليعلم الجميع أن هذه الوهابية صارت مستهدفة داخل المملكة من قبل الزمرة الليبرالية المتسلطة المُتنفّذة المسيطرة على دوائر صناعة القرار.
واجب المرحلة هو مساندة تلك الدعوة في محنتها، بل ومناصرة كل الدعوات المستهدفة من قبل هذا التيار الليبرالي الدخيل على ثقافتنا .
يا أبناء الدين حين تكتبون تذكروا قول الله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا}.
أعلم معنى مرارة ظلم ذوي القربى، ولكن حتى المكْلوم ليس بمقبولٍ منه أن يخلط الأوراق، فهي جريمة الضمير الإنساني، بل يجب أن تبقى الخلافات السياسية حبيسة إطارها، لا تمتد إلى الأرضيات المشتركة، فمن الظلم أن ننسف ما كنا نشترك فيه بالأمس لمجرد أننا اختلفنا اليوم.
فنحن بالإسلام منهجا وفكرا وروحا وتشريعا، وللإسلام نعيش ونكتب ونذود ونقدم ونضحي، شعارنا مقالة الصحابي بن رواحة حين قال: حتى يقولوا إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا
فيا ابن الدين تنبّه، كُن على وعي لما تقرأ وبمن تستقي منه، وخذها من السباعي رحمه الله :” كل مؤلف تقرأ له، يترك في تفكيرك مسارب وأخاديد، فلا تقرأ إلا لمن تعرفه بعمق التفكير، وصدق التعبير، وحرارة القلم، واستقامة الضمير.. “، وهل سنغدو نتساءل يهمس أحدنا في أذن الآخر..
” منْ سيُنْزلُ أَعْلامنا: نَحْنُ، أم هُمْ؟
كُلُّ شَيْءٍ مُعَدُّ لنا سلَفاً..
منْ سينْزعُ أَسْماءنَا عنْ هُويَّتنا: أَنْتَ أمْ هُمْ؟“
يا ابن الدين احذر! .. فلا يؤتينّ الدين من قبلك، ولا تردد ما زرعه الأعداء عن إخوانك.. اختلف في الأفكار مع من تشاء كيفما تشاء، ولكننا اليوم في معركة المصير المشترك لتصفية الحق وأهله ليتسيد فيها الضلال من جديد على ربوع بلادنا، فكن أنت القنديل الذي يُسرج بالحق فيضيء للعابرين الطريق.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
=======
الكاتبة: إحسان الفقيه
* كتبتها بمناسبة مقالات دنيئة منشورة في موقع الجزيرة نت ..