بقلم: أبو حامد السوري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
إخوة الإيمان والعقيدة يا من خرجتم ابتغاء مرضاة الله وجهاداً في سبيله لقد علمنا العلماء الصادقون وأكدوا لنا مراراً وتكراراً ضرورة أن يتعلم الإنسان الأحكام الفقهية التي تتعلق بعمله أو كل ما يقدم عليه حيث ينقلب حكم تعلمها في حقه من فرض الكفاية غلا فرض العين لألا يقع في الحرام والمحظور فيضيع تعبه ويذهب ثواب عمله ولئن كان هذا هو الحكم بالنسبة لأمور الحياة الاعتيادية فهو بالنسبة لمسالة الجهاد أهم وآكد لأن المجاهد قد يتعرض للخوض في الدماء ولأنه يبذل جهدا عظيماً لا يجب أن يضيع ثوابه هكذا لجهله بأمر الله ومن ذا الذي يُعذر بالجهل وهو في دار إسلام وعلم.
ولعل من المسائل المهمة التي أثارت حفيظتنا في الأيام الأخيرة جهل كثير من الأخوة بحكم الغُلول من الغنيمة سواءً كان الغُلول سلاح أو غير ذلك مما قل شأنه أو كثر لذا كان لا بد من إيضاح مختصر علمي لهذه المسألة.
تعريف الغُلول لغة :
الغلول في اللغة هو الخيانة ، يقال : غلَّ من المَغْنَمِ غُلولاً، أي خان. قال أبو عبيد: الغُلولُ في المغنمِ خاصَّةً . (الصحاح في اللغة ، الجوهري ، 2/24)
الغلول شرعا :
الأَخْذُ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْل الْقِسْمَةِ (الموسوعة الفقهية الكويتية 16/318)
وَالْغُلُول فِي الْجِهَادِ الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ بِأَنْ يُخْفِيَ مَا وَقَعَ فِي يَدِهِ (الموسوعة الفقهية الكويتية 16/151)
وَعَرَّفَ ابْنُ قُدَامَةَ الْغَالَّ بِأَنَّهُ : الَّذِي يَكْتُمُ مَا يَأْخُذُهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ ، فَلاَ يَطَّلِعُ الإمَامُ عَلَيْهِ وَلاَ يَضَعُهُ مَعَ الْغَنِيمَةِ .( والمغني 8/470)
حكم الغلول :
قَال النَّوَوِيُّ : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الْغُلُول ، وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ رَدَّ مَا غَلَّهُ
.(صحيح مسلم بشرح النووي 12/217)
أدلة التحريم من القرآن الكريم:
قوله تعالى : {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (161سورة آل عمران)
جاء في سبب نزولها أقوال منها :
ما رواه عكرمة عن ابن عباس أن قطيفة من المغنم فقدت يوم بدر ، فقال ناس : لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها ، فنزلت هذه الآية ،. وروى الضحاك عن ابن عباس: أن قوماً من أشراف الناس طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصهم بشيء من الغنائم ، فنزلت هذه الآية .وقول :أن رجلاً غلَّ من غنائم هوازن يوم حنين ، فنزلت هذه الآية ( تفسير زاد المسير لابن الجوزي 1/444 باختصار )
أدلة التحريم من السنة :
الأدلة من السنة كثيرة ، نختار منها :
– حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْغُلُولَ، فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، قَالَ: لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ؛ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ؛ وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ؛ أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ.(صامت:المال الذي لاروح فيه كالذهب والفضة والسلاح وغيره، رقاع:الثياب وماشابه)(أخرجه البخاري في: 56 كتاب الجهاد:189 باب الغلول)
– عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ :لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ قَالَ فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ .( أخرجه مسلم برقم 165)
– وفي جزء من حديث عنه صلى الله عليه وسلم :(… وَلاَ تَغُلُّوا فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ، وَعَارٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. (غاية المقصد فى زوائد المسند رقم 2630 و سنده جيد )
عقوبة الغال :
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْغَال مِنَ الْغَنِيمَةِ يُعَزَّرُ وَلاَ يُقْطَعُ ؛ لأِنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْغَنِيمَةِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قَطْعِهِ ؛ لأِنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ .وَوَافَقَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَا كَانَ قَبْل الْحَوْزِ أَوْ دُونَ النِّصَابِ.
مسائل متفرقة :
– لَيْسَ مِنَ الْغُلُول أَخْذُ الْغُزَاةِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ ، أَوِ الاِنْتِفَاعُ بِالسِّلاَحِ مَعَ إِعَادَتِهِ عِنْدَ الاِسْتِغْنَاءِ عَنْهُ (الموسوعة الفقهية الكويتية 16/318)
لحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه:” كُنَّا نَصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَل وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلاَ نَرْفَعُهُ ” أخرجه البخاري ( فتح الباري 6 / 255 )
وَلأِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ، وَفِي الْمَنْعِ مِنْهُ مَضَرَّةٌ بِالْجَيْشِ وَدَوَابِّهِمْ . و مَا فَضَل مِمَّا أَخَذَهُ قَبْل الْقَسْمِ يرُدُّه إِلَى الْغَنِيمَةِ .
– ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْغَال يَسْتَحِقُّ سَهْمَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَقِيل : يحْرم سَهْمُهُ.( شرح السير الكبير 4 / 1208 ، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 4 / 185 ط التراث)
– إِذَا تَابَ الْغَال قَبْل الْقِسْمَةِ رَدَّ مَا أَخَذَهُ فِي الْمَغْنَمِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ ؛ لأِنَّهُ حَقٌّ تَعَيَّنَ رَدُّهُ لأِصْلِهِ، فَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ أَنْ يَرُدَّ خُمُسَهُ إِلَى الإْمَامِ وَيَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي ، وَهَذَا قَوْل الْحَسَنِ وَاللَّيْثِ وَالزُّهْرِيِّ وَالأْوْزَاعِيِّ
الخلاصة :
خلاصة القول أن الغلول محرم بنص الكتاب و السنة بل إنه من الكبائر الواجب الحذر منها. فكيف يليق بمن خرج جهادا في سبيل الله و ابتغاء مرضاته أن يفسد عمله بالغلول، لينتفع بعرَضٍ من متاع الدنيا كأن يسرق سلاحا أو غيره من حطام الدنيا مما قد يقع في يده ، ثم يلقى الله يوم القيامة و بيده ما قد غلَّه و سرقه ، بل الواجب في مثل هذه الحالة أن يرد ما وجده إلى الإمام و من ينوب منابه كالأمير أو قائد السرية أو المجموعة التي يقاتل معها وأمير تلك الجماعة يتصرف في ما غنمته المجموعة بما يرضي الله وفق توجيهات القيادة العليا التي يتبع لها وبالذات أننا في دار إسلام فلا غنيمة عندنا إلا ما نغنمه من سلاح العدو ومن الضروري لهذا السلاح ان يصل إلى يد القيادة الحكيمة التي توزعه بما ينفع المسلمين في جهادهم للأنسب والأكفأ والمكان الأكثر احتياجاً .
اللهم اجعل جهادنا خالصا لوجهك الكريم ، و أكرمنا برضاك يوم نلقاك يا كريم ، آمين ، و الحمد لله رب العالمين .