بقلم: أحمد مولانا
(إن الأعمال العسكرية التي تُنفذ دون تقييم آثارها السياسية، تؤدي في أفضل الأحوال إلى انخفاض الفاعلية، وفي أسوأ الأحوال تكون غير مجدية).
الدليل الميداني للجيش الأميركي لمكافحة التمرد
تقدم تلك الجملة الموجزة عدة دروس مهمة، من بينها أن الاعتماد على القوة العسكرية فقط دون النظر لكيفية أو مألات استخدامها قد يجلب نتائج سلبية. ورغم أن أميركا هي أقوى دولة حالياً في النظام الدولي المعاصر، إلا أنها تحرص على تحقيق أكبر قدر من أهدافها بأقل قدر من التكلفة. وقد تعلمت من أخطائها في غزو العراق، فاعتنت بداية من عهد أوباما بنمط الاغتيالات الممنهجة لقيادات وكوادر التنظيمات التي تصنفها ضمن خانة الأعداء بدلاً من شن الحروب المكلفة ضدهم. حتى أن الجيش الأميركي أصدر دليلاً إرشادياً لعمليات الاستهداف بعنوان (ATP3-60–Targeting). ونُشرت آخر نسخة معدلة منه في مايو 2015.
بينما على الضفة الأخرى نشاهد كيف تضرب العشوائية جنبات معظم الحركات الإسلامية، فتتكبد تلك الحركات الكثير من التكاليف البشرية والمالية من أجل تحقيق أهداف ثانوية أو الحصول على نتائج غير مؤثرة في مسيرة الصراع مع الأعداء.
-خطورة الاغتيالات ودور الاستخبارات:
لا تنفذ أميركا اغتيالات أو عمليات قتل عشوائية لخصومها، وإنما تدرس كل عملية وفق معايير موضوعية محددة، وذلك لأن لعمليات الاغتيال والقتل تداعيات ينبغي حسابها جيداً، فينص الدليل الميداني للجيش الأميركي لمكافحة التمرد على أن (قتل أو أسر المتمردين يكون ضرورياً بالأخص عندما يعتمد التمرد على التطرف الديني أو الأيديولوجي. ومع ذلك فإنه يتعذر قتل كل متمرد. كما أن الشروع في تنفيذ ذلك قد يؤدي إلى نتائج عكسية في بعض الحالات، فهو يخاطر بإثارة غضب السكان، وقد يسفر عن ضحايا وشهداء يلتف حولهم المجندون الجدد، وينتج دوائر مغلقة من عمليات الثأر والانتقام).
وهنا يأتي دور أجهزة الاستخبارات التي ترسم خريطة واضحة للحركات المتمردة وقادتها وكوادرها، ودوافعهم للانخراط في التمرد. (فبدون استخبارات جيدة، ستبدو قوات مكافحة التمرد كملاكم أعمى يبدد طاقته ضد خصوم غير مرئيين، وربما تتسبب في أضرار غير مقصودة. بينما مع وجود استخبارات جيدة، ستكون كجراح يستأصل الأنسجة السرطانية ويحافظ على سلامة الأعضاء الحيوية الأخرى) وفقا لتعبيرات دليل الجيش الأميركي. فليس كل الخصوم تحركهم دوافع واحدة أو يمثلون خطراً متماثلاً (فقد تكون هناك مجموعات متعددة لديها أهداف مختلفة، وتحركها دوافع متنوعة. وتتطلب هذه الحالة مراقبة أهداف ودوافع كل مجموعة بشكل منفصل). بحيث (يتمكن القادة من تحديد أفضل طريقة لمواجهة كل جماعة، وهذا يشمل أيضاً تحديد الجماعات التي تتسم أهدافها بالمرونة الكافية لدرجة تسمح بإجراء مفاوضات مثمرة معها، وتحديد الكيفية التي يتم فيها التخلص من العناصر المتطرفة دون تنفير السكان).
ويقسم دليل الجيش الأميركي لمكافحة التمرد هيكل المتمردين إلى خمسة فئات متداخلة: زعماء الحركة، المقاتلون، الكادر السياسي، العناصر المساعدة (وهم الأتباع النشطون الذين يقدمون خدمات الدعم المهمة)، والقاعدة الجماهيرية. وينص الدليل على أهمية الاعتناء بزعماء الحركة، وجمع المعلومات التالية عن كل قائد منهم:
• دوره في التنظيم.
• نشاطاته المعروفة.
• شركاؤه المعروفين.
• خلفيته وتاريخه الشخصي.
• معتقداته، ودوافعه، وأيديولوجيته.
• تعليمه وتدريبه.
• طباعه (على سبيل المثال، حريص، مندفع، مفكر، عنيف).
• أهمية التنظيم الذي يعمل ضمنه.
• شعبيته خارج التنظيم.
ثم بعد ذلك تأتي عمليات الاغتيال التي تطلق عليها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عمليات الاستهداف عالي القيمة. (وهي عمليات مركزة ضد أفراد أو شبكات معينة تؤدي إزالتها أو تهميشها إلى تقويض فاعلية مجموعة المتمردين على نحو ملحوظ). وتعتبر السي آي إيه أن الآثار الاستراتيجية الإيجابية المحتملة لعمليات الاستهداف عالي الأهمية تشمل ما يلي:
– تضاؤل فاعلية المتمردين لتتسبب الاغتيال بارتباك يفوق قدرة المجموعة على احتوائه، وذلك عندما تكون الهجمات أكبر من قدرة المجموعة على تعويض القادة أو عندما تسبب الضربات فقدان الأفراد ذوي المهارات الحساسة – مثل خبراء التمويل واللوجستيات – والذين يكونون عادة محدودي العدد في أي جماعة. كما أنه عادة ما تجبر عمليات الاستهداف القادة المتبقين على زيادة احترازاتهم الأمنية.
– تفتيت أو تقسيم الجماعة المتمردة، فتصفية الزعماء الملتف حولهم يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الانقسامات داخل الجماعة وتشظيها، وتظهر إمكانية التقسيم هذه بشكل خاص عندما تتكون الجماعة من تحالفات بين المجموعات أو فصائل.
-إضعاف الإرادة خاصة في حالة عدم وجود مخطط واضح لدى الجماعة لاستخلاف القادة. وتغيير استراتيجية الجماعة أو هيكلها بطرق تخدم الحكومة، فضلاً عن تقوية معنويات الحكومة والمحسوبين عليها.
وعندما يرى القادة المختصون أن احتمالات تحقيق عملية الاستهداف لآثارها