صيانة الأحكام الشرعية : الحل والحرمة
((وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ))
ليبقى للأحكام الشرعية مكانتها وجلالها وهيبتها في النفوس ، ليس من اللائق أن تستدعى هذه الأحكام عن طريق الفتاوى الشرعية مهما كانت صوابيتها الاجتهادية لتطلق على تصرفات وسلوكيات ومواقف ينغمس فيها الناس ، أو يختلفون فيها ، أو يتصارعون عليها ..
تستطيع أن تكتب مجلدات في مضار التدخين ، وخبثه ونتنه وتداعياته الصحية وآثاره الاجتماعية والاقتصادية دون أن تلجأ إلى سيف التحريم فتمتشقه ، ويجد آخرون في ذلك فرصة للرد ، والجدال وتصبح قضية سلوك مجتمعي قضية خلاف شرعي بين مدارس من الفقهاء بعد أن كانت قضية من قضايا الصحة والاجتماع والاقتصاد . وتلوك الأفواه أحكام الشريعة كما لاكتها يوم أفتى قوم بحرمة القهوة والشاي واقتناء جهاز التلفزيون أو لبس ثوب وخلع آخر .
ضربنا في التدخين مثلا على كثير من قضايا السياسة والاقتصاد والاجتماع . ففي لغة العرب مندوحة وغنى والحمد لله . وصيانة الحكم الشرعي عن مواطن الزلل والجدل والأخذ والرد مطلوب لذاته . بل إن إطلاق حكم الحرمة حيث تعلم أنه سيخالفك الناس ، فيه ما فيه ، من الدفع في اتجاه الاستهتار بأحكام الشريعة ، فمن حكمت عليه بارتكاب الحرام بتدخين سيكارة سيهون عليه أن يتحمل الوصف نفسه في جرعة من كأس وهكذا نكون كمن قيل فيه : يريد أن يعربه فيعجمه .
نستطيع أن نصف الفعل المرفوض بأوصاف كثيرة تليق بسياقه الاجتماعي أو الاقتصادي أو الصحي أو السياسي دون أن ندخل أنفسنا دائرة الأحكام الشرعية في أمور مشتبهة نعلم أنه سيخالفنا فيها بعض الناس . والحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات كما أخبرنا رسول الله ..
نقول على الصعيد الاجتماعي هذا فعل فيه مفسدة كبرى ، ويشيع العداوة والبغضاء بين الناس ، يفصم العرى ويقطع الأرحام . ونقول على الصعيد الاقتصادي هذا فيه ضرر للمجتمع وفيه إضرار بالناس . وفي الصحة تضيف هذا مضر بالصحة مدمر للبدن وقد قال فيه الكثير الأطباء . نقول في الفعل السياسي ، بحسب موقعه من الحياة العامة ، في هذا مفسدة كبيرة ، وله انعكاسات خطيرة ، وضره أكبر أو أقرب من نفعه. ونقول في الحكم على من يشارك في مهزلة الانتخابات في هذا الفعل قطيعة مع المجتمع ، ومشاركة في جريمة قتل الأطفال والنساء وانتهاك الأعراض وتدمير العمران . بل هو جريمة قائمة بنفسها في تكثير سواد المجرمين وشد أزر القاتلين ..
الحل والحرمة أحكام شرعية ينبغي أن تحفظ وتصان عن لغة الجدل تبادل الاتهام . والأحرص عليها هو الأولى بصيانتها …
في كتب التاريخ أن الحاكم بأمر الله الفاطمي بدا له يوما فحرم العنب على الناس وأمر بقلع دواليه من أرض مصر . وبدا له أخرى فحرم ( الملوخية ) فمنع زراعتها وتعقب آكليها ..
ضعف الحجة ، وقصور البلاغ هو الذي يجعل البعض يمتشق سيف الفتوى يستعين به ، وكم من جريمة مدنية هي في ميزان الله أبهظ وأثقل ، ورب كلمة من سخط الله لا يلقي لها صاحبها بالا تخر به في جهنم سبعين خريفا ..
إن لم تكن كلمة نعم للقاتل المبير بشار الأسد فما عساها أن تكون ؟!