#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
عاشوراء الحسين
حقائق وأباطيل
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 34 دقيقة.
التاريخ: 11/محرم/1440هـ
الموافق: 21/أيلول/2018م
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ مقدمة عما شجر بين الصحابة حتى عام الجماعة.
2️⃣ حال معاوية مع سبطي رسول الله (رضي الله عنهم جميعًا).
3️⃣ استخلاف يزيد وولايته.
4️⃣ مشكلة الرسائل مجهولة المصدر في كل زمان.
5️⃣ الشورى جعلها الله بين الصلاة والزكاة.
6️⃣ ما جرى يوم كربلاء والفرق بين روايات الصادقين والكاذبين.
7️⃣ الاستثمار السياسي لقصص مضى عليها أربعة عشر قرنًا!
8️⃣ لماذا ذكرت بعض كتب أهل السنة تلك القصص المختلَقة؟!!
9️⃣ الحسين قُتِلَ فداءً لمبدأ الشورى في الإسلام.
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
🔟 الثورة مستمرة وسيرا على نهج الصحابة وآل بيت النبي سنتجه للمظاهرات.
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
- ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمَالنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه وخليلُه، أرسله ربُّه بالهدى ودينِ الحَقِّ ليُظهره على الدين كلِّه ولو كرِه المُشرِكون، فصلواتُ ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبِين الطاهِرين، وأصحابِه الغُرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربِهم واهتدى بِهُداهم إلى يوم الدين… أمَّا بعدُ إخوة الإيمان:
كنا في لقائنا الماضي قد تحدثنا عن أحداث جرت في غرة محرم فيها دروس للمؤمنين في كل زمان ومكان، كثير منكم أيها السادة الكرام صام البارحة، صامَ يوم عاشوراء، متقربا إلى الله تعالى، سائلا المولى سبحانه تعالى أن ينصرنا، وأن يُفرِّج عنّا كما فرَّج عن نبيِّه موسى، هذا حال أهل السنَّة أيّها الأحبة…
وفي مقابل ذلك رأينا على وسائل الإعلام من يشقّ الجيوب، ويلطِمُ الخدود، ويجلِد الظهورَ بالسلاسل، يبكي وينتحِب، بدعوا الحزن على عاشوراء الحسين، رضي الله عنه وعن أمِّه وأبيه.
وقد كنت قد وعدتكم في اللقاء الماضي أن أحدثكم اليوم عن قصة الحسين -رضي الله عنه- وعن عاشوراء، قِصَص جرت قبل أربعة عشر قرنًا من الآن نضطر أن نذكرها اليوم وأن نأتي بما جرى فيها، لأنّ البعض من أربعة عشر قرنا إلى اليوم يستثمرها استثمارا سياسيا لكي يدُق إسفينًا في جسد الأمة المحمّدية، لذلك آثرت اليوم أن أحكي لكم القصة، فكثيرٌ منكم سمع القِصَّة وفيها غلوٌّ أو فيها إفراط مما ينشره الشيعة ويروجونه، وكثيرٌ آخر سمع في المقابل القِصَّة من نواصِبَ كان عندهم غلوٌّ مضاد فسطَّحوا القضيَّة وبسَّطوها، والأمر بين هذا وذاك، منهج أهلِ السُّنَّة، منهج الاعتدال، منهج من يفهم الحقيقة ويلتزِمُ أمر الله تعالى.
كلُّنا سمع -أيَّها الأحبّة- بخلافٍ دبَّ بين صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وكلُّهم عُدولٌ خيارٌ كرام شهدت لهم الأُمّة بالعدالة، ولكنَّهم بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه وأرضاه- وقع خلاف سبَبُه تأوّلِ كلِّ واحدٍ منهم، علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يرى الأولوية في جمع كلمة المسلمين، فدخل في جيشه بعض من كان ممَّن خرجوا على عثمان وقتلوه، ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- كاتب الوحي، كاتب وحيِ رسول الله، يرى أن الأولوية لاستئصال أولئك، فدبَّ الخلاف بين الصحابة الكرام، وتطوَّر الأمرُ إلى قتال عانت الأمّة المحمديّة من تبعاته فترةً طويلة، وما زالت تتجدد تبعاته إلى اليوم…
قتلَ الخوارجُ عليَّ بنَ أبي طالب، في ذلك الوقت ظهر منهج الخوارج، ظهر منهجُ من يكفرون الناس بالكبيرة، ظهر من يدعي الإسلام ويستحل دماء السلمين بأدنى تأويل يراه، توهَّم الخوارج أنهم بقتلهم لعلي ولمعاوية ولعمرو بن العاص يوحدون كلمة المسلمين، ففشلَ من أراد أن يقتل معاوية وعمرو بن العاص، ونجحَ من أراد أن يقتل علي بن أبي طالب، ضربه فقتله، والذي قتل علي بي أبي طالب أيّها الأحبة، رجٌل كان يشهد له بالدين وبالقرآن، بل كان الصحابة الكرام يرسلونه لتعليم القرآن، حتى لما أن أردوا أن يقتصُّوا منه قال لهم: “قطعوني قطعة قطعة واقطعوا آخر شيء مني رأسي حتى أبقى أتلو القرآن”، هؤلاء هم الخوارج والعياذ بالله!!
وقع القرآن قلوبا لم تستنر بنور القرآن، ولم تهتدِ بهدي القرآن…
استمر الخلاف بين الصحابة الكرام، فما كان من الحسن بن علي رضي الله عنه وأرضاه، وهو الولد الكبير لعلي بن أبي طالب، ما كان منه إلا أن نظر في حال من بايعه من أهل العراق، فرأى فيهم الشقاق والخلاف والنفاق، ورأى فيهم الضعف، ورأى أن الدماء تزاد بين أفراد أمة الإسلام، فما كان منه إلّا أن حقق نبوءة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيه، إذ أنَّ رسول الله صعد يومًا المنبرَ، ومعه الحسن بن علي وهو طفل، فجعل النبي ينظر إلى الناس وينظر إليه ويقول: “إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين”، فتحقق ذلك فيه، والحديث في البخاري؛ تحقق في الحسن ما حدَّث عنه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ورأى أن الخير في اجتماع كلمة المسلمين، ورأى أن الخير في اجتماع الكلمة ولو كان على من هو دونه رُتبة، فهو الحسن بن علي، وهو سِبط رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ، فوضع يده في يد معاوية وبايع معاوية -رضي الله عنهم وأرضاهم جميعًا- وسُمِّي ذلك العام عام الجماعة، سنة أربعين للهجرة (احفظوه)، عام الجماعة كان عامَ فرَحٍ لكلِّ المسلمين…
توحّد المسلمون أيها الأحبة، شقّ ذلك على المنافقين، شقّ ذلك على العملاء، دولة الإسلام زمنَ الخلفاء الراشدين توسعت اتساعًا كبيرًا، فدخل فيها أقوامٌ كُثُر شهدوا أن لا إله إلا الله ولكن لمّا يتغلغل الإيمان في قلوبهم بعد، وكثير منهم كان منافِقًا يُظهِرُ الإسلام ويُبطِنُ غير ذلك، أرادوا زرع الخلاف في أمة محمد، فجعل كثيرٌ من أهل الكوفة وأهل العراق يكتُبون للحسن بن علي يحرضونه على معاوية، فكان روحي فداه وهو الشهم الكريم المحافظ على العهد يسجر ويحرق رسائلهم دون أن يقرأها، ويقول لا أخشى منها علَيَّ ولكن أخشى منها على هذا، ويشير إلى أخيه الحسين رضي الله عنه، وهذا الكلام أورده الطبري.
بقيت الأمور على خير ما يرام، معاوية أميرًا للمؤمنين، عادت الفتوحات الإسلامية، توجَّهت جيوش المسلمين بعد أن انشغل المسلمون ببعضهم، توجَّهت للفتوحات، فتوجَّهوا لفتح قبرص وركِبوا البحر، والنبي
-صلّى الله عليه وسلّم- قال: “أول جيش من أمتي يركبُ البحر مغفور له”، وخرج جيش آخر ليفتح القسطنطينية فلم تفتح على أيديهم، ورسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر [أي القسطنطينية] مغفور لهم” … عاش الناس في هناء، والمنافقون والفتانون والمجرمون يريدون إيقاع الفتنة فلم يستطيعوا، حتى توفِّي الحسن رضي الله عنه.
وكان معاوية رضي الله عنه وهو كاتب وحي رسول الله وأخو زوجته، كان يسير الجيوش في الغزو والفتح، وكان يكرم آل بيت النبي، وكان الحسن والحسين يفدان إليه كل عام فيكرمهم، ويعظِّم شأنهم بين الناس، وليس له إلَّا ذلك فهما سبطا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
مات الحسن، حكمَ معاوية بن أبي سفيان من أربعين للهجرة حتى ستين للهجرة، قبل وفاته اجتهد، والحاكم المسلم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر، اجتهد معاوية أن الناس إن لم يستخلف بعده قد تتفرق هذه الدولة وقد ينقسم الناس فأرسل إلى الولايات يطلب البيعة لولده يزيد، يطلب البيعة ليزيد، فأمرهم بذلك ومنهم من استجاب ترغيبًا، ومنهم من استجاب ترهيبا، وعدًا ووعيدًا حتى أخذ البيعة لولده يزيد، ولم يتخلف عن البيعة إلا أهلُ الحجاز.
مات معاوية بن أبي سفيان سنة ستين للهجرة، وبويع ولدُه يزيد، فأبى الحسين بن علي رضي الله عنهما أن يبايعه، وأبى عبد الله بن الزبير أن يبايعه، وأبى أهل الحجاز (مكة والمدينة) وبايعته باقي دولة الإسلام (باقي ولايات الإسلام من العراق شرقا من تخوم إيران إلى مصر غربا) بايعوا يزيدا، وبدأت الرسائل المجهولة تصل إلى الحسين، وصلته أكثر من خمسمئة رسالة…
إخواني هذا موضوع الرسائل مجهولة المصدر، كالرسائل التي تأتينا في زماننا، الآن كم تصلنا رسائل مجهولة على (الواتس آب والتليغرام والفيسبوك…) هذا الموضوع يستحق بحثا كاملا في التاريخ، هذا الموضوع من بعد مقتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- إلى يومنا هذا وهو وسيلة خطيرة يستخدمها المنافقون والعملاء كي يفتوا في عضد دولة الإسلام، زمن عثمان تُرسَلُ الرسائل المجهولة بالحمام الزاجل كي تحرض الولايات الإسلامية على عثمان حتى ثار الناس وقتلوا عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وهو الذي شهد رسول الله –صلّى الله عليه وسلَّم- بالجنّة وقال: “ما ضرَّ عثمانَ ما فعل بعد اليوم” يوم جهَّز جيشَ العُسرة، بنفس الطريقة وصلت خمسمئة رسالة إلى الحسين وأتباعه تقول له: أنّ أهل العراق على بيعتك، وأن أهل الكوفة يريدون بيعتك، وأنَّ المسلمين لا يرضون أن يتسلط عليهم شخص بمُلكٍ جبري، شخص كيزيد يستخلفه أبوه، لم يكن المسلمون -أيَّها السادة- قبل ذلك يعهدون أن يستخلف الرجل ولدَه، حتى عمر بن الخطاب لما أراد أن يَستخلِف جعلَ مجلس شورى وردَّ الأمر إلى المسلمين، فالأصل أيُّها الأحبة في ديننا الشورى بين المسلمين، الله عزَّ وجل لما وصف عباده المسلمين قال ((وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)) [الشورى:38]. لاحظوا أن الله عزّ وجلّ جعل الشورى بين الصلاة والزكاة لكي تعرفوا أنها ركن أساس من أركان المنهج الإسلام، جعل الشورى بين الصلاة والزكاة ((وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)) [الشورى:38]. لكي تعرفوا أن الشورى لا تقل أهمية عن الصلاة والزكاة جعلها الله بينهُما….
بدأت تصل رسائل أهل العراق تصِل للحسين عليه السلام، يقولون نحن معك ونحن نريد بيعتك…
الصحابة الكرام أولوا الأحلام والنهى نهوا الحسين عن أن يخرج، قالوا له لا تخرج، هؤلاء قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك -فالحسن لما بايع معاوية طعنوه في رجله حتى بان عظم فخذه- قالوا له إيّاك أن تخرج، فما كان منه -رضي الله عنه- إلّا أن أرسل ولد عمه مسلم بن عقيل لكي يستطلع الأمر، قال له اذهب إلى الكوفة وانظر الأمر، “الناس تريد حقًّا بيعتنا أم أنه الكذِبُ والخِداع؟”، فذهب ابن عمه إلى الكوفة فإذا بالناس تتوافد إليه، تضع يدها بيده أن نحن نبايع الحسين ولا نرضى بالملك الجبري أن يأخذه يزيد، فبعث إلى الحسين بأن الناس على بيعتك، بلغ الخبر يزيد، فكتب إلى واليه في البصرة أن اذهب واقمع هذا التمرد ولكن لا تقتل (لا تسفك دماء)، فذهب عبيدُ الله بن زياد إلى الكوفة، فلمّا خبِر مسلم بن عقيل بن عم الحسين رضي الله عنه وأرضاه بذلك خرج هو ومؤيدوه وحاصروا قصر عبيد الله بن زياد، لاحظوا أيّها الإخوة كيف أن الناس قليلي الدين يتغير منهجهم بسهولة، حاصروا قصر عُبيدِ الله بن زياد وكانوا آلافا، فخرج عليهم عبيد الله بن زياد من شُرفة قصره يرغبهم ويرهبهم ثم يهددهم بجيش يزيد وجيش معاوية، فانفضوا شيئا وشيئا عن مسلم بن عقيل وكان كل من مع عبيد الله بن زياد ثلاثين رجلا في القصر، انفضوا حتى بلغ المساء فبقي مع مسلِم بن عقيل العشرات، وما غابت الشمس إلا ومسلم واقف وحده، تخيل بعد أن بايعه الآلاف من الصباح حتى المساء بقي وحده فأسره عبيد بن زياد وقتله. وكان مما قاله له: “قبل أن تقتلني فلنحقن دماء المسلمين دعني أكتب للحسين أن لا يأتي”، فكتب إلى الحسين رسالة أن: “أهل الكوفة كذبوني وكذبوك وليس لكاذب رأي فلا تأت”، فقتله عبيد بن زياد بعدها، وأُرسِلَت الرسالة إلى الحسين، فما وصلت الرسالة إلى الحسين عليه السلام إلّا في وسط الطريق وقد قارب كربلاء…
الصحابة جميعا نهوا الحسين عن الذهاب إلى العراق، الصحابة جميعا حذروه الغدر، لذلك لم يخرج معه من أصحاب النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، فخرج بتسعين نفسا من آل بيته وآل علي بن أبي طالب، خرج ومعه أعمامه وأولاده وأولاد أخيه، حتى إذا بلغ كربلاء ووصلته الرسالة أردا أن يتحول بهم إلى الشام فيتفاوض مع يزيد فإذا بجيش عُبيدِ الله بن زياد يعرض له…
لكم أن تتخيلوا أيُّها الأحبَّة، رجُل معه مئة شخص، ثلاثون فارسا وأربعين راجلا وجيش بالآلاف، فقال لهم الحسين، رضي الله عنهم وعن أبيه أمه، قال لهم أريدكم على إحدى ثلاث: إمّا أن تخلوا بيني وبين أن أذهب إلى يزيد فأضع يدي في يده، أو أن أرجِع من حيث أتيت، أو أن تفتحوا لي سبيلا سبيل ثغر من ثغور المسلمين أجاهد فيهِ وأرابط، فأبى قادة جيش عبيد الله بن زياد ذلك، وكان على رأسهم أيّها الأحبة كان على رأسهم ذي الجوشن الذي قتل الحسين رضي الله عنه، وعمرو بن سعد، هؤلاء الاثنين أيها الأحبة أجمعت الأمة شيعتها وسنتها والمسلمون جميعا على فجورهم، هؤلاء الذين قتلوا الحسين رضي الله عنه، قال لهم دعوني أذهب إلى يزيد، أو أن أرجع من حيث أتيت مع أهلي، أو تخلوا بيني وبين ثغر من ثغور المسلمين، فرفضوا إلا أن ينزلوه على شرط ابن زياد وأن يأخذه أسيرا!!! وهو الحرّ بن الحرّ، الكريمُ بن الكِرام، سِبطُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرفض الأسر ورفض أن يُساق إلى عبيد الله بن زياد، فقاتلهم وهو معه، مئة في مقابِل آلاف قيل أنهم كانوا ثلاثة آلاف وقيل أنهم أربعة آلاف، فقُتِلَ من كان معه جميعا وهم يذودون عن الحسين ويدافعوا عنه، حتى بلغ الفجرة الفسقة إلى الحسين وقتلوه، واحتز ذي الجوشن رأس الحسين رضي الله عنه وأرضاه، هذا ما جرى، وهذا ذكرته كتب التاريخ، قُتِل يومها مع الحسين خمسةٌ من أولاده، وقُتِل معه خمسةٌ مِن أولاد علي بن أبي طالب من إخوانه، وقُتِلَ معه أربعة من أولاد الحسن، وقتِلَ معه اثنان من أولاد جعفر، كُلُّهم من آل بيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم…
هذه حقيقةٌ نحن أهل السنة لا نُكذِّبُها ولا نضحضها أبدًا، ولكننا عندما نذكر القصة نذكرها بحقيقتها، نذكرها كما جَرت، نذكرها ولا ندَّعي أنّ السماء أمطرت دمًا، ولا أن الحجارة ما رفعت حجرةٌ من الأرض إلا وشوهد تحتها الدم، ولا أنَّه ما نُحِرَ جزور ولا ذُبِحَت شاة إلا استحالت كُلُّها دما حُزنا على الحسين!!!
نقول أن هذا ما جرى من فسقة فجرة ولكن لا نفتري على الله تعالى، قُتِلَ من هو أكرم الحسين، قُتِل علي بن أبي طالب ولم تُمطِر السماء دما، قُتِلَ عمر بن الخطاب ولم تُمطِر السماء دمًا، بل قُتِل أنبياءٌ من أنبياءِ الله ولم يحصُل ذلك، يحيى عليه السلام احتُزَّ رأسه وأُتِي به على صينية مهرا لباغية أراد أن يتزوجها خالُها، فنهاه يحيى عن ذلك، فقالت مهري أن تحُزَّ رأسه، وأتي برأس نبي الله يحيى على صينية، ورُقِصَ به في مجلسِ خمر ولم تُمطِر السماء دمًا، وزكريا عليه السلام نشِرَ بالمِنشار ولم تُمطِر السماء دمًا…
لذلك أيُّها الأحبة قِصَّة جرت في التاريخ، أمرٌ حصل وأجمع المسلمون على فجور وفسق من فعل ذلك، ولكن هذا لا يعني أبدا أن نختلق الأكاذيب، ثم أن نستثمر هذه القصص التي مضت منذ أربعة عشر قرنا لكي نجدد الدماء بين أمة الإسلام اليوم، وهذا ما فعله من سيَّس القصة، ليس هذا فحسب بل مما ادعاه أولئك ومما ذكره قصَّاصوا الشيعة وكذَبَتُهم، ادعوا أن الجمل ذو السنامين، الجمل في بلادنا ذو سنم واحد، هنالك جمال يقال لها الجمال البخارية (شرق إيران) يكون لها سنامان، يقولون أن هذه ظهر لها سنام ثاني سترا لعورة نساء آل بيت النبوة!!
تخيلوا هذا الكذب، يقولون أنَّ المسلمين في ذلك الزمان سَبَوا نساء آل بيت النبي وقادوهم إلى دمشق عريانات، التاريخ لم يثبت أن المسلمين فعلوا ذلك مع الكافرات المشركات أولاد كسرى وهرقل، فهل يعقل أن يفعلوا ذلك مع نساء آل بيت النبوة؟!!
لا يستقيم ذلك نقلا بل لا يستقيم عقلا، تخيلوا معي هل يعقل أن نساء آل النبي تُؤخَذ من العراق إلى الشام عريانات ولا تتحرك النخوة في قلوب المسلمين في ذلك الزمان، ولا تتحرك النخوة عند الصحابة الكرام، وقد كان كثيرٌ منهم في أحياء في ذلك الزمان؟! بالتأكيد، هذا محض كذب وافتراء، فما الغاية منه؟!
ليس الغاية من هذا الكلام مجرَّدَ قِصَّةً تروى حدثَت قبل ألف وأربعمئة سنة لا أبدا، الغاية أن تُبنى على ذلك أسس هي أُسس مذهب التشيع السياسي للطعن في أصول المسلمين؛ للطعن في القرآن والسنة ولزرع الشِّقاق ولدقِّ إسفين في أُمَّة الإسلام، والحديث عن الشيعة والتشيع سأفرد له حديثا مستقلا، إن شاء الله.
نعود إلى قصَّتِنا
قُتِلَ الحسين رضي الله عنه، بلغ الخبر يزيد اغتم يزيد وغضب ولعن من فعل ذلك وقال أنا لم آمر بذلك، أعطيكم معلومة أيها الأحبة يزيد نسكت عنه أفضى لما قدم، لأنه فعل خيرا وفعل إجراما؛ في زمانه قُتِل الحسين وفي زمانه أرسل جيشًا قبل أن يموت استحل مدينة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وقتلَ فيها مئات لأنهم لم يبايعوا، ولكن نفسه يزيد هذا هو الذي قاد الجيش إلى القسطنطينية، الجيش الذي في البخاري قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: “أوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ”، يكفي أن تعلم أن هذا الجيش الذي قاده يزيد كان فيه الصحابة؛ أبو أيوب الأنصاري الذي دفن على أسوار القسطنطينية كان في جيش قاده يزيد، بل الحسين نفسه، رضي الله عنه وعن أمه وأبيه، كان في ذلك الجيش وغزى القسطنطينية تحت إمرة يزيد، ولما طلب الحُسين: “أن دعوني أن أذهب إلى يزيد”، هو يعلم عِلم اليقين أن يزيد لا يضرُّه ولا يقتُله ولا يؤذيه، ولكن من أراد أن يستثمر القصة استثمارا سياسيا كي يؤجج عواطف السُّذَّج من الناس، ولكي ينقلب ذلك أفعالا إجرامية في زماننا.
بعض الناس أيها الأحبّة، وقد سألني كثير من الإخوة، قال: “يا شيخ بعض كتب التاريخ التي ألَّفها أناسٌ من أهل السُّنّة ذكرت هذه القصص ،كيف أورد ابن كثير مثلًا بعض هذه القصص في كتابه؟”
طبعا هذا السؤال أيها الأحبة سؤال من شخص غير مختص، أما ذوو الاختصاص فيعلمون أنَّ قاعدة العلماء في ذلك الزمان كانت ((مَن أسنَدَ لكَ فقد حمَّلَك))، ما معنى ((مَن أسنَدَ لكَ فقد حمَّلَك))؟
يعني لما أقول لك: حدثني فلان الفلاني عن فلان الفلاني حكى كذا، فأنا برَّأتُ ذِمَّتي لأنني قُلتُ لك من قال هذا الكلام، فلان الفلاني سميتُه لك باسمه، لا أقول ((منقول))، ولا تعرِف مني مَن نقلَهُ أو من كتبه.
أنا أقول لك فلان الفلاني الذي حدثني، فيأتي علماء الإسناد ينظرون، إذا كذَّاب عن شيعي عن وضَّاع، واضِع للحديث، روى قِصَّة فهل يؤخذ بهذه القصة ولو أوردتها الموسوعات الكبيرة التي جمعت ما روي في ذلك الزمان؟ بالتأكيد لا يؤخذ بها، أهل الاختصاص لا يأخذون بها.
كثيرٌ مِن شبابِ المسلمين الآن وبسبب انتشار الإنترنيت وانتشار وسائل التواصل يبحثون ويسألون كيف هذه كُتِبت، هو يقول لك عن كذاب عن وضاع حصل كذا، فأنت يجب تفهم أنه يروي لك الكِذْبات والموضوعات التي وضعها أولئك.
يكفي أن تعلم أيُّها المسلم أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ” [رواه البخاري]. ولو كان هذا الضلال الذي يفعله أولئك الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يَحسَبون أنَّهم يُحسِنون صنعا، لو كان حقًّا، للَطَمنا ولشققنا حُزنا على النبي-صلّى الله عليه وسلّم-وليس على سِبطِه، لحزِنّا على الصحابة، لحزِنّا على الأنبياء، ولكن ديننا هذا أيّها الأحبة.
يزيد أفضى إلى ما قدَّم، ولم يدم حكمه إلا ثلاث سنوات ونيّف، مات سنة أربعة وستين للهجرة، وانقضت تلك الحُقبة، وهذا الأمر مضى عليه أربعة عشر قرنًا، فما رأيكم بسفاهة من يُضيعُ الآن جهودَ المسلمين، يَفتَحون القنوات الإعلامية ويُنفقون ملايين الليرات لنشر مثلِ هذه القصص، هل هذا لأجل القصة، لا أبدا، هذا له أهداف أخرى سنتحدث عنها بالتفصيل: (كيف قام الشيعة، ما هو منهجهم، ثلاثة أركان أساسية قام منهجهم عليها لطعن هذا الدين ولضرب هذا الدين أرادوا أن يبنوا على شيء فبنوا على هذه القصص) سنتحدث عنها أيها السادة في الأسبوع القادم إن أحيانا الله تعالى.
يكفي أن نخرج اليوم من خُطبَتنا وقد علمنا أن الحسين رضي الله عنه وآل بيت النبي الذين قتلوا معه أنما قتلوا تطبيقا لآية في كتاب الله ((وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39))) [الشورى: 38-39].
هؤلاء الصحابة الكرام وآل بيت النبيّ فهموا أنّه في الإسلام ليس هناك مُلكٌ عضود، وفهموا أنَّه في الإسلام الشورى ركن أساس من أركان المنهج الإسلامي، وفهموا أنَّ من سيستبد برأيه ويخرُج على شورى المسلمين سيُقاتله أهل الصلاح والفلاح، ولكنَّهم أخطأوا في تقدير قوتهم في ذاك الزمان فأصابهم ما أصابهم،
وأجمع أهل السُّنَّة جميعا أنَّ الحسين قُتِلَ مظلوما شهيدًا، وأنَّه كان على الحقّ وعلى الخير، ولو لم يكن على الحق لذكره الناس بذلك، خلا بعض الغلاة، بعض كُتَّاب السلاطين، الذين كان بعضهم في زمن يزيد، والذين بعضهم الآن موجود عند بعض حكام الخليج، تخيل يقول لك: “الحسين كان خارجيا”؟! لماذا الحسين خارجي؟ يجيبُك: “لأنّه خرج على يزيد الذي استخلفه أبوه”؛ كل هذا لكي يبرروا حُكمَ أراذلهم وأسافلهم الذين يحكمون الآن دول الخليج، وينفقون مليارات الأمّة المحمّدية على المراقص والملاهي والخمارات والعاهِرات.
نسأل الله تعالى أن يغير حالنا إلى أحسن حال، وأن يُلهمنا رُشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا،
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله، خيرُ الوصايا وصيّةُ ربِّ البرايا: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن…
واعلموا إخوة الإيمان أننا في هذه البلاد هذا الشعب الأبي الذي ثار على الظلم والظالمين وثار على الطاغوت والطواغيت، ثار على كلّ من أراد أن يصادر حقه في الشورى وأن يتفرد بأمر المسلمين، اعلموا أن ثورتنا مستمرة وبأننا ننتظركم في ساحات الحرية في المظاهرات المركزية لكي يرى العالم أجمع بأنّنا أمة الإسلام نتمسك بحقنا بالشورى، ولن نسمح بأحد لا في الداخل ولا في الخارج لا لم هو مِنّا ولا لم هو من غيرنا أن يستبد برأيه علينا، فالرأي رأيُ المسلمين، والاتفاق اتفاق جماعتهم، نراكم بإذن الله في ساحات الحرية نسأل الله تعالى أن ينصرنا على القوم الكافرين … إني داع فأمنوا
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “قتل الحسين رضي الله عنه مصيبة من أعظم المصائب، ينبغي لكل مسلم إذا ذكرها أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون!”. وأقول: لو كره عضو من أعضائنا الحسين أو أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لتبرأنا من هذا العضو ولبترناه، لكننا نحبهم الحب الشرعي السُّني الصحيح الموافق لهدي الرسول عليه الصلاة والسلام، لا الحب الصفوي والسبئي الغريب على الأمة وعلى الملّة وعلى السماء وعلى الأرض